الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/07/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث الظن.

أجاب الشيخ الأعظم(قده) عن هذا الاستصحاب وقال[1] :- إنَّ الاستصحاب يجري إذا كان الأثر مرتباً على الشيء بوجوده الواقعي ، أما إذا فرض أن الأثر يترتب على مجرّد الشك دون ملاحظة الواقع فالاستصحاب لا معنى له ، إذ الأثر يكون ثابتاً بمجرّد الشك بلا حاجة إلى اثباته من خلال الاستصحاب.

وخذ مثالاً توضيحياً لذلك ، ثم بعد ذلك نأتي نطبق ذلك على مقامنا ، والمثال وهو أنه إذا شك شخص قبل الغروب هل صلى الظهر أو لم يصلِّها فهنا تجب عليه الصلاة ، والمستند في ذلك هو قاعدة ( الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ) فهو يقيناً قد اشتغلت ذمته بالصلاة ويشك في حصول الفراغ اليقيني منها فالعقل يحكم بأنه لابد وأن يحصِّل الفراغ اليقيني .

وقد يقول قائل:- لنستصحب عدم الوجوب ؟

إنه قبل أن تجري الاستصحاب فإنَّ الوجوب يثبت بقاعدة الاشتغال اليقيني ، فمجّرد الشك نفس الشك هو يلزمك بأداء الصلاة ، وليس المدار على عدم الاتيان واقعاً بالأثر - وهو لزوم القيام والصلاة - فهذا ليس مترتباً على عدم الاتيان بالصلاة واقعاً وإنما هو مترتب على الشك ، فإنَّ العقل يقول مادمت تعلم بأنَّ ذمتك قد اشتغلت جزماً وشككت في فراغها فيلزمك الاتيان بالصلاة تفريغاً للذمّة ولا تصل النوبة إلى الاستصحاب فإن النوبة تصل إليه إذا كان وجوب القيام إلى الصلاة مترتباً على عدم الاتيان بها واقعاً ، فإذا كان مترتباً على الواقع فصحيح يلزم أن نستصحب ، أما إذا كان مترتباً على نفس الشك فنفس الشك يقتضي لزوم أن نقوم وتصلي ، فلا حاجة إذن إلى الاستصحاب ولا معنى له.إذن الشيخ الأعظم(قده) أعطانا قاعدة وهي أنَّ الاستصحاب إنما يجري في المورد الذي يكون الأثر فيه مترتباً على الواقع دون ما إذا كان مترتباً على مجرّد الشك ، فإنَّ الاستصحاب لا يجري إذ بمجرّد الشك تُلزَم بالفعل كأداء الصلاة ، ولا معنى للاستصحاب لأنَّ المدار ليس على عدم الاتيان واقعاً بل المدار على مجرّد الشك.وإذا قبلنا بهذه القاعدة نأتي ونطبقها في موردنا ، فإنَّ الأثر للحجية في موردنا هو الاسناد والاستناد ، يعني تستند إلى الأمارة في مقام العمل وتُسنِد مؤدّاها إلى الشارع ، واسناد هذا المضمون إلى الشارع مشروط باليقين بالحجية ، ومجرّد الشك في الحجية وحده يكفي لثبوت الأثر - يعني حرمة الاسناد والاستناد - ، فلا تصل النوبة آنذاك إلى استصحاب عدم الحجية.وما ذكره الشيخ الأعظم( قده) لا بأس به.وأشكل الشيخ الخراساني(قده) في حاشيته على الرسائل على ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) بإشكالين:-

الاشكال الأول:- إنَّ استصحاب الموضوع يحتاج إلى علم ، فحينما تستصحب موضوعاً من الموضوعات فأنت تحتاج إلى علم ، مثلاً بقاء الوقت فإنَّ بقاء الوقت موضوع لأداء الصلاة في الوقت ، يعني بعنوان الاداء لا بعنوان القضاء ، فهذا موضوع ولابد أن يكون له أثر ، وأثر استصحاب بقاء الوقت هو وجوب الصلاة الآن بعنوان الأداء دون القضاء ، وهكذا مثل استصحاب طهارة الماء فهو موضوع لجواز شربه ولجواز الوضوء به وغير ذلك ، فهذا موضوع ، فاستصحاب الموضوع شرط جريانه أن يكون هناك أثر وفائدة للمُستصحَب أو للاستصحاب ، وأما في استصحاب الحكم فلا نحتاج إلى أثر وفائدة لأنه حكم شرعي ، فإذا استصحبت فلا حاجة إلى وجود أثر يترتب عليه ، فدائماً نشترط في جريان الاستصحاب وجود الأثر إذا كان الاستصحاب لموضوع ، أما إذا كان استصحاباً لحكم شرعي فهو حكم شرعي ولا نحتاج إلى أثر ، وعلى هذا الأساس نقول: إنَّ الشيخ الأعظم(قده) قال إنَّ استصحاب عدم الحجية لا أثر له إذ أثره وهو حرمة الاسناد والاستناد وهي ثابتة بمجرد الشك فلا يمكن ترتيب هذا الأثر على استصحاب عدم الحجية ، فأي فائدة لهذا الاستصحاب ؟! ، ولكن نقول: أنت تفتّش عن الأثر وتقول لا أثر لهذا الاستصحاب ، ونحن نقول: إنَّ استصحاب الحكم أو عدم الحكم لا نحتاج فيه إلى أثر حتى تفتش عن الأثر وحتى تقول ( إنَّ الأثر - وهو حرمة الاسناد والاستناد - ثابت بالشك فلا تترتب على الاستصحاب لأنها ثابتة قبله ، فهذا الاستصحاب - أي استصحاب عدم الحجية - لا أثر له ) ، فنحن نقول: إنَّ الاستصحاب لا نريد له أثر حتى تقول هنا لا يترتب له الأثر ، فإذن على ما ذكرنا سوف يجري الاستصحاب.

والجواب:- إذا لم يكن للاستصحاب أثر والأثر قد ترتب سابقاً بمجرّد الشك فما الفائدة بأن يعبّدني الشرع بعدم الحجية فإنَّ هذا لغو ؟!! ، وهذا غريب منه(قده).

الاشكال الثاني:- لِـمِ لا نقول إنَّ الأثر يترتب على الاثنين معاً ، فلماذا تقول إنَّ حرمة الاسناد والاستناد مترتبة على الشك فقط ؟! ، بل لنقل هي مرتبة على الشك ومترتبة على عدم ثبوت الحجية واقعاً ، فسوف يصير استصحاب عدم الحجية واقعاً - وهو حرمة الاسناد والاستناد - لأنَّ الاثنين يترتب عليهما الأثر ؟


[1] فرائد الأصول، الأنصاري، ج1، ص127- 128.