الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
39/07/17
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مبحث الظن.
البيان الثاني:- ما قد يقال من أنَّ الآيات النهاية عن اتباع الظن وهي متعدّدة تدل على أنَّ كل ظن من الظنون هو مردوع عنه ، كقوله تعالى ﴿ إن يتبعون إلا الظن ﴾ ، و ﴿ إنَّ الظن لا يغني من الحق شيئاً ﴾ ، فهذه قاعدة عامة وهذا عموم ، وحينئذٍ إذا واجهنا أمارة ولا دليل قطعي على حجيتها كالشهرة الفتوائية فمقتضى هذا العموم أنها ليست حجة ، فإنَّ خروجها من العموم يحتاج إلى دليل ومخصّص ، فإذا شككنا هل خرج هذا المورد بالتخصيص أو لا فسوف نتمسّك بأصالة الظهور في العموم ، وهذه قاعدة تعلمناها في علم الأصول وهي أنه ( إذا كان لدينا عام وشك في بعض الأفراد منه فيتمسّك بالعموم فإنه هناك ظهور في العموم فنتمسّك به ) ، وهنا أيضاً كذلك ، فإنَّ الآيات الناهية عن اتباع الظن لها ظهور في العموم ، وخروج الشهرة الفتوائية التي نشك في حجيتها هي ظن من الظنون يكون خروجاً بالتخصيص فيحتاج إلى دليل ، فإذا شككنا هل خرجت بالتخصيص أو لم تخرج فهذا شك في أصل تخصيص العام فنتمسّك بأصالة العموم.
وناقش الشيخ النائيني(قده) وقال[1] :- إنه بناءً على مسلكنا في تفسير الحجية بجعل العلمية يكون المورد من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية وهو لا يجوز ، لأنَّ الآيات هي تنهى عن اتباع الظن والشهرة الفتوائية مثلاً حينما نشك في حجيها فهذا معناه أننا نشك هل هي علم أو لا ، فإن كانت حجة فهي علم وإن لم تكن حجة فهي ليست علماً ، وحينئذٍ هذا شك في أنها من مصاديق الظن أو ليست من مصاديقه ، نعم على غير مسلك جعل العلمية هي تبقى ظناً غايته يجوز العمل به فإنه يكون منجّز تعبّداً ، أما بناءً على مسلكنا فحينما نحتمل حجية هذا المشكوك يعني أننا نحتمل أنه علماً ، ومادمنا نحتمل أنه علماً فهذا يعني أننا لا نجزم بأنه مصداق لموضوع الآيات ، فإن موضوع الآيات هو ﴿ إنَّ الظن لا يغني ﴾ وهذا ليس من المعلوم أنه ظن والتسّمك بالعام في الشبهة المصداقية لا يجوز ، مثل ما لو قيل ( أكرم الفقراء ) وجاء شخص وشككنا هل هو فقير أو لا فهل تتمسّك بعموم ( أكرم الفقراء ) لإثبات وجوب اكرامه ؟ كلا ، فإن الحكم لا يثبت موضوعه ، فإنَّ ( أكرم الفقراء ) لا يقول لك إنَّ هذا فقير أو ليس بفقير ، بل يقول إن كان فقيراً فأكرمه أما أنه فقير أو لا فهذه قضية ترتبط بالمكلف وليس بالدليل فإنَّ الحكم لا يثبت موضوعه.
ويرده:-
أوّلاً:- صحيح أنَّ دليل حجية الأمارة بناءً على مسلك جعل العلمية يجعل الأمارة علماً ، ولكن هل يجعله علماً حقيقيةً - يعني يتبدّل إلى علم - أو أنه يبقى ظناً ولكن تعامل معه معاملة العلم وطبّق عليه آثار العلم ؟ الصحيح أنه باقٍ ظنّ حقيقةً ، فمادام هو باقٍ ظناً حقيقة فالمورد لا يصير من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية ، لأنَّ الشهرة الفتوائية حتى لو كانت حجة هي باقية على كونها ظناً ، فإذا لم نجزم بحجيتها فذاك يعني هل خرجت بالتخصيص أو لا ، لا أنها خرجت بالحكومة ، يعني لا أنه صار المورد من الشبهة المصداقية ، إذ هي جزماً باقية على كونها ظن ، فالخروج خروجٌ حكمي لا خروج موضوعي حقيقةً.