الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/07/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث الظن.

ثالثاً:- إنه ثبت بالضرورة والاجماع إنَّ الأحكام الواقعية الصادرة من الله عزّ وجل مشتركة بين العالم والجاهل[1] ، وهذا يدل على أنه يوجد حكم فعلي في حقه وإلا لماذا يعاقب ويقال له لِـمَ لم تمتثل ولِـمَ لم تتعلم ، وهذا يدل على أنه هناك حكم فعلي مشترك بين العالم والجاهل ، بينما على الجواب الذي ذكره الشيخ الخراساني(قده) لا يصير الحكم الواقعي الفعلي مشتركاً ، يعني هو ليس حكماً واحداً وإنما هما حكمان ، ففي حق العالم بالحكم الواقعي الحكم الفعلي ثابت بالفعلية المحضة[2] ، وأما في حق الجاهل الذي ثبت في حقه الحكم الظاهري فهو ليس فعلياً بفعلية محضة وإنما هو ثابت في حقه بنصف فعلية ، فلم يصر حكماً واحداً مشتركاً بين العالم والجاهل ، بل العالم ثابت في حقه الحكم الفعلي الواقعي بفعلية محضة ، وأما الجاهل فالثابت في حقه حكم آخر بنصف فعلية - يعني لا يوجد على طبقة ارادة وكراهة - ، فإذن حكم واحد مشترك بين العالم والجاهل لم يتحقق ، وهذا خلاف الاجماع والضرورة.

رابعاً:- إنَّ الشيخ الخراساني(قده) في هذا الجواب أخذ ينظر إلى زاوية من الاشكال ولم ينظر إلى الزاوية الثانية من الاشكال ، يعني بتعبيرٍ آخر هناك إشكال من ناحيتين في المقام ، إشكال من ناحية اجتماع أرادتين أو ارادة وكراهة والشيخ الخراساني(قده) دفعه بهذا الجواب حيث جعل الحكم الواقعي لا يوجد على طبقه ارادة وكراهة ، ولكن يوجد إشكال من زاوية أخرى وهي المصلحة والمفسدة ، فإنه يلزم اجتماع مصلحة ومفسدة ، فإذا كان الحكم الواقعي هو الحرمة فهنا توجد مفسدة وإذا كان الحكم الظاهري رخصة فهنا توجد مصلحة فاجتمعت مصلحة ومفسدة وهو لم يحل هذا الاشكال ، فحيمنا يريد دفع الإشكال فلابد أن يدفعه من جميع الجهات . هذا كلّه من ناحية الجواب الأوّل.

وأما الجواب الثاني[3] :- حيث قال إنَّ الحكم الظاهري طريقي - أي ناشئ عن مصلحة في نفسه - وأما الحكم الواقعي فهو حقيقي - أي ناشئ من مصلحة في متعلقه - ، فارتفع الاشكال.

ويرده:-

أوّلاً:- إنه ذكر بأنَّ الحكم الظاهري مصلحته قائمة في نفسه - يعني في أصل الجعل - ، وهذا سيأتي الجواب عنه في الجواب الثامن الذي يذكره السيد الخوئي(قده) حيث يقول إنَّ مصلحة الحكم الظاهري قائمة في أصل الجعل ، ونحن هناك نبين أنه هل يمكن أن يتصوّر عقلائياً قيام المصلحة في أصل الجعل أو لا ؟

ثانياً:- إنَّ هذا لو تم فهو يحلّ مشكلة المصلحة والمفسدة ولا يحل مشكلة الارادة ، فإذن لم نصنع شيئاً ، فلابد في الجواب الذي يذكر أن تدفع به كلتا المشكلتين لا أن تدفع به مشكلة دون أخرى .

إلا أن تقول:- إنه يريد أن يقول إنَّ القضية منحلّة وسهلة من جهة المصلحة والمفسدة القضية ، من ناحية أنَّ مصلحة الحكم الظاهري هي في أصل الجعل والواقعي هي في المتعلّق ، وكذلك منحلة من جهة الارادة والكراهة بما ذكرناه سابقاً ، وهذا مقبول ولكن هذان لا يعدّان جوابان بل هو جواب واحد ، وإذا كان جوابا واحداً فسوف يتسجّل عليه إشكال آخر وهو أنه إذا كانت مصلحة الحكم الواقعي قائمة بالمتعلّق فالإرادة في الحكم الواقعي يلزم أن تكون مع المصلحة ، والمصلحة موجودة في المتعلّق فيلزم أن تكون الإرادة في المتعلق أيضاً والحال أنه قال لا توجد ارادة ولكن في الحكم الظاهري توجد ارادة في المتعلّق ولكن المصلحة موجودة في أصل الجعل وليس في المتعلّق ، وهذا غير مقبول ، فدائماً الارادة يلزم أن تكون مع المصلحة ، فأنا دائماً أريد الذي فيه مصلحة أما الذي ليس فيه مصلحة فلا تتعلّق ارادتي به.


[1] ومدرك اشترك الأحكام بين العالم والجاهل هو الاجماع والضرورة، كما يستدلون ببعض الروايات من قبيل ( يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له لـم لم تعمل فيقول لم اعلم فيقال له هلا تعلمت .... ).
[2] يعني كلتا الخصوصيتين موجودة فيه فالإرادة والكراهة موجودة ولو علم به المكلف لتنجّز.
[3] حيث ذكره في الكفاية جواباً أولاً.