الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/07/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث الظن.

وفيه:- أنه قال إني أقول إنَّ المصلحة في السلوك ولا أقول هي في المؤدى حتى لا يلزم تبدل الواقع من كونه الظهر بنحو التعيين إلى التخيير بين الظهر والجمعة فإنه حذراً من ذلك قلت غن المصلحة في السلوك ، ونحن نقول: إنَّ هذا المحذور يبقى حتى لو كانت المصلحة بالسلوك ، فبالتالي يلزم تبدّل الواقع من كونه يجب الظهر إلى كونه تجب الظهر أو أن تسلك الأمارة ، فسوف يصير التبدل بهذا الشكل ، لأنَّ المفروض أنه في سلوك الأمارة توجد مصلحة حسب ما فرضه هو فالتبدل سوف يصير بهذا الشكل ، وهذا نحوٌ من التبدل ، فإذن محذور التصويب وتغير الحكم الواقعي بعدُ موجود ، وهذا مطلب واضح.

الوجه السابع:- ما أفاده الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية وحاصله: أن نلتزم بأنَّ الحكم الواقعي هو فعلي في مورد الأمارة ولكن بنصف فعلية ، وهو لم يعبّر بهذا الكلام ولكن هذا من عندنا لأنَّ مرجع جوابه إلى نصف فعلية حيث قال إنَّ الحكم يمرّ بمراحل أربع الأولى مرحلة الاقتضاء[1] والثانية مرحلة الانشاء والثالثة مرحلة الفعلية والرابعة مرحلة التنجّز ، وما معنى الفعلية عند الشيخ الخراساني(قده) فإنه استعملها بمعنىً آخر غير ما استعمله الشيخ النائيني(قده) ؟ إنه استعملها بمعنى بلوغ الحكم إلى مرحلة الارادة والكراهة بحيث أنَّ المولى يريد الفعل أو يكرهه ، ووراء مرحلة الفعلية تأتي مرحلة التنجّز وهي استحقاق العقوبة لو علم به وخالفه ، وهذه المرحلة أيضاً لا نعدّها من مراحل الحكم بل هي من نتائجه ، وهذا ليس بمهم ، فإذن من مراحل الحكم المهمة هما مرحلتي الانشاء والفعلية.

ثم قال بعد ذلك:- نقول جمعاً بين الحكم الواقعي والظاهري إنَّ الحكم الواقعي لو علم به المكلف لتنجّز ولكن لا يوجد طبقه ارادة أو كراهة ، فإرادة وكراهة ليست موجودة ولكنه لو علم به المكلف لتنجّز.وإذا قلت:- إذا لم تكن هناك ارادة وكراهة فإذن هذا صار انشائياً ؟فنقول:- نعم هو انشائي ولكن ليس انشائياً محضاً ، لأنَّ الانشائي المحض لا يسحق المكلف عليه العقوبة لو علم به من دون الوصول إلى مرحلة الفعلية ، وهنا نحن نريد أن نقول هو نصف انشائي ونصف فعلي ، فهو فعلي بفعلية غير محضة ، وهو انشائي بإنشائية غير محضة ، فإذن هو هجين ، فهو أخذ صفة من الانشائي وأخذ صفة من الفعلي ، والصفة التي أخذها من الانشائي هي إنه ليس على طبقة ارادة وكراهة فبهذا الاعتبار صار مشابها للإنشائي ، وفي نفس الوقت هو ليس فعلياً بفعلية مخضة وذلك باعتبار أنه لو علم به لتنجّز وهذه من خصائص الفعلي وليس من خصائص الانشائي ، فإذن هو قد أخذ جزءاً من صفة الانشائي وهي أنه لا أرادة ولا كراهة وجزءاً من صفة الفعلي وهي أنه لو علم لتنجّز فصار هجيناً ، أو عبّر عنه بأنه فعلي بفعلية غير محضة وإنشائي بإنشائية غير محضة ، وبهذا يندفع الاشكال ، لأنه عند اجتماع الحكم الظاهري والواقعي فالمشكلة أنه سوف يلزم اجتماع ارادتين أو كراهتين أو اجتماع ارادة وكراهة ، ونحن بناءً على ما ذكرنا لا توجد ارادة وكراهة على طبق الحكم الواقعي ، فإنَّنا نقول إنَّ الحكم الواقعي هو فعلي بفعلية غير محضة ، فحينئذٍ تندفع هذه المشكلة ، فلا يلزم اجتماع ارادتين أو كراهتين أو ارادة وكراهة ، كما أنه في نفس الوقت لو علم به المكلف لتنجّز ، فهذه الخصوصية يلزم أن يأخذها صاحب الكفاية هذه الخصوصية بعين الاعتبار لأنَّ الحكم الواقعي لو علمنا به لتنجز.فإذن هو أراد أن يسلب الارادة والكراهة عن الحكم الواقعي حتى لا يلزم اجتماع ارادتين أو كراهتين أو ارادة وكراهة ، فكل الحل هنا ، ولكنه في نفس الوقت أراد أن يقول هو ليس انشائياً بإنشائية محضة لأنه إذا كان انشائياً بإنشائية محضة لو علم به المكلف لا يجب عليه الامتثال بينما هذا الحكم لو علم به المكلف يلزم عليه الامتثال ، فإذن لنلتزم بأن الحكم الواقعي فعلي بنصف فعلية وإنشائي بنصف إنشائية ، أو وقل هو فعلي بفعلية غير محضة وإنشائي بإنشائية غير محضة ، أو أنه عبّر بأنه هجين من الاثنين معاً فهو مركّب من خصوصية من هذا وخصوصية من ذاك.ويبقى سؤالان:-

السؤال الأول:- كيف توصل صاحب الكفاية إلى هذا الجواب ؟

والجواب:- إنه يعيش مشكلة وهي أنه يلزم من تشريع الحكم الظاهري اجتماع ارادتين أو كراهتين أو ارادة وكراهة فأراد أن يتخلّص من هذه المشكلة فابتكر هذا الشيء ، فقال لنلتزم بأن الحكم الواقعي لا توجد على طبقه ارادة وكراهة ولكن لو عُلِم به لتنجّز ، فلا يلزم من اجتماع الحكمين الواقعي والظاهري اجتماع ارادتين أو كراهتين.

السؤال الثاني:- هل يوجد علية دليل على ما ذكره أو أنه مجرّد احتمال ؟

والجواب:- إنَّ هذا لا يحتاج إلى دليل ، لأن ابن قبة قال يستحيل تشريع الحكم الظاهري لأنه يلزم منه اجتماع ارادتين أو ارادة وكراهة ، ونحن نقول يكفي الاحتمال وترتفع الاستحالة فإنه من المحتمل أنَّ الحكم الواقعي لا توجد على طبقة ارادة أو كراهة وإنما فقط لو علم به لتنجّز ، فهذا الاحتمال موجود ، فإذا دلت الأدلة على تشريع الحكم الظاهري يمكن الالتزام بها حينئذٍ ولا مانع من ذلك ، لأنه يمكن أن يكون الحكم الواقعي لا يوجد على طبقة ارادة وكراهة ، فارتفع الاشكال ، وعليه فيمكن أن يعبّدنا الله تعالى بحجية الأمارة.


[1] يعني الملاك وهو المصلحة والمفسدة، ونحن نقلو إن هذه ليست مرحلة من مراحل الحكم وإنما هي مقدمة أو من لوازم الحكم، فصحيح أن الحكم يلزم أن تكون له مصلحة ولكن المصلحة ليست مرحلة للحكم.