الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/06/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث الظن.

ثانياً:- إنَّ هذه المحاولة إن تمت فهي ترفع قسماً من الاشكالات ، فمثلاً سوف يرتفع اشكال ارتفاع حكمين متضادين أو متماثلين ، أما مثل تفويت الملاك فهو يبقى حتى على مسلك جعل الطريقية والعلمية ، إذ الشارع حينما يجعل الأمارة حجة كخبر الثقة فلعل خبر الثقة يرشدنا إلى الاباحة مثلاً وأنه اقعاً توجد اباحة بينما في الواقع يوجد وجوب ففاتت المصلحة ، أو توجد مفسدة وحرمة فألقانا في المفسدة ، فإذن هذه الأمارة حتى لو بنينا أنها لا تجعل حكماً في مقابل الحكم الواقعي ليلزم اجتماع المثلين أو الضدين ولكن هذه الأمارة قد لا تصيب الواقع ، يعني أن الواقع هو حرمة وهي لا تؤدي إلى الحرمة فجعلها حجة سوف يصير سبباً لارتكاب المفسدة ، أو أذا كان واجباً وهي لم تؤدّ إلى الوجوب فسوف تفوت عليَّ المصلحة ، فإشكال تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة لا يندفع بهذا المقدار حتى لو قبلنا مسلك جعل العلمية أو مسلك جعل المنجّزية.

هذا كله بالنسبة إلى الجواب الأوّل عن الاشكال الأوّل من إشكالات ابن قبة.

الجواب الثاني عن الاشكال الأوّل[1] :- وهو اشكال اجتماع المثلين أو الضدين ، وهو ما تلمّح إليه عبارة الشيخ الأنصاري(قده) ، فإنه تعرض إلى ما ذكره ابن قبة ولكن لم يذكر هذا الكلام عند استعراض شبهات ابن قبة وإنما ذكره في مبحث البراءة استطراداً ، فإنه ذكر أنَّ الحكم الظاهري متأخر رتبة عن الحكم الواقعي ، فهما ليسا في رتبةٍ واحدة ، ولم يقل أكثر من ذلك ، ولم يقل ( وبذلك يندفع إشكال ابن قبة ).

فإذن يندفع إشكال ابن قبة لأنَّ الرتبة ليست واحدة ، وإنما يلزم اجتماع المتضادّين فيما إذا كانا في رتبة واحدة والمفروض أنَّ الرتبة مختلفة فلا يلزم اشكال الاجتماع .وقد قلنا إنَّ الشيخ الأعظم(قده) لم يبيّن هذه التكملة وإنما قال الحكم الظاهري متأخر رتبةً عن الحكم الواقعي فقط ، وليس من البعيد أنّ بعض الأعلام أخذوا هذا المطلب منه وسلطوا عليه الأضواء كالسيد محمد الفشاركي اليزدي أستاذ الشيخ النائيني ، وليس من البعيد أن يقال إنَّ فكرة الترتّب التي ذكرت فيها خمس مقدمات والتي ذكرهما الشيخ النائيني(قده) أصلها للفشاركي أيضاً ، فقيل إنَّ هذا الجواب الثاني هو إشارة من الشيخ الأنصاري(قده) ولكن رتّبه الفشاركي ، وبالتالي لا يلزم اجتماع الحكم الظاهري والواقعي بعد فرض اختلاف الرتبة ، وربما ينسب هذا الجواب إلى المجدد الشيرازي ، ولعلّ الاثنين قالا به.والخلاصة:- إنَّ رتبة الحكم الظاهري مع الواقعي مختلفة ، ومع الاختلاف سوف يرتفع الاشكال.

وقد يقول قائل:- إنه يرتفع الاشكال كما في المتناقضين فإنه مع اختلاف رتبتهما يمكن اجتماعهما فبالأولى بالنسبة الى المتضادين - وموردنا من المتضادين وجوب وحرمة - فمع اختلاف الرتبة يمكن اجتماعهما.

أما كيف يمكن اجتماعهما في النقيضين مع اختلاف الرتبة ؟نقول في إثبات ذلك:- إنه يوجد عندنا علة ومعلول ، ورتبة المعلول متأخرة عن رتبة العلة ، ولكن عدم المعلول رتبته مع رتبة العلة واحدة وليس متأخراً عن العلة ، لا أنه معلولاً حتى يصير متأخراً عن العلة رتبةً ، وهذه قضية بديهية ، فإذن عدم المعلول متأخر رتبة عن رتبة العلة ، وفي نفس الوقت نقول المعلول ثابت في رتبته وعدم المعلول أيضاً ثابت في رتبة العلّة ، فكلاهما ثابت - وجود المعلول وعدم المعلول - رغم أنهما متناقضان وما ذاك إلا لاختلاف رتبتهما ، فإذن اختلاف الرتبة يجوّز ثبوت المتناقضين كلٌّ في رتبته فكيف بالضدّين فإنه أولى.وبهذا تم الجواب الشيخ الأنصاري(قده) بعد هذه الضميمة التي ضممناها ، فمادامت الرتبة مختلفة فالمتناقضان يجوز أن يثبتا فكيف بالنسبة إلى المتضادين.

[1] فرائد الأصول، الأنصاري، ج2، ص10- 11.