الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/06/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث الظن.

وفي التعليق على الصيغة الأولى نقول:- إنه إذا كان الموردان من وادٍ واحد فإذا قبلنا التعبّد بالثاني يلزم قبول التعبد بالأوّل ، ولكن في المقام هما ليسا من وادٍ واحد ، إذ الإخبار عن النبي أو الإمام لمن كان في زمانهما هو إخبار عن حس ، وبتعبير أدق: إنه يمكن تحقق الإخبار الحسي والحسٌّ قريب لا أنه حسّ بعيد ، فيمكنني أن أذهب إلى النبي أو الامام وأسمع منه ، وهذا بخلافه في الإخبار عن الله عزّ وجلّ فإنه إخبارٌ عن شيء ليس حسّياً أو هو حسّي ولكنه بحسٍّ بعيد - يعني أن يكون الواسطة جبرئيل وهذا معناه حس بعيد - ، فقياس هذا المورد على ذاك وأنه إذا قبلنا إمكان التعبّد بالإخبار عن المعصوم يلزم إمكان التعبّد بالإخبار عن الله تعالى وحيث إنَّ التالي باطل فإمكان حجية الإخبار عن المعصوم أيضاً لا يمكن ، ولكن نحن نقول إنَّ هذا قياس مع الفارق ، والمقدّم والتالي ليسا من وادٍ واحد فإنَّ الإخبار عن المعصوم هو إخبار حسّي بحسٍّ قريب ، فإذن هما ليسا من وادٍ واحد حتى إذا قبلنا إمكان أحدهما يلزم إمكان قبول إمكان الآخر.

والمهم هو الدليل الثاني الذي ذكره ابن قبة.وقد صاغ صاحب الكفاية هذا الدليل بصياغات مختلفة بعضها يتّحد معه من حيث الروح وبعضها قد يبتعد عنه من حيث الروح ، حيث ذكر ثلاثة وجوه:-

الوجه الأوّل:- إنه يلزم الجمع بين الضدّين أو المثلين وكلاهما مستحيل ، لأنَّ الحكم الواقعي إذا كان هو الوجوب مثلاً والأمارة أدّت إلى الوجوب أيضاً لزم اجتماع المثلين على صلاة الجمعة ، فصار لها وجوبان وتوجه إليها وجوبان ، وأما إذا كانت واقعاً هي واجبة والأمارة دلت على الحرمة فيلزم الجمع بين الضدين ، يعني سوف تصير صلاة الجمعة واجبة ومحرّمة ، وبالجملة إذا اتفق الحكمان الظاهري والواقعي يلزم اجتماع المثلين وإذا اختلفا يلزم اجتماع الضدين.

الوجه الثاني:- إنه يلزم أحياناً طلب الضدين ، كما في يوم الجمعة إذا كان الواجب واقعاً هو الجمعة وأدت الأمارة إلى الواجب هو الظهر ، فالظهر والجمعة ضدان ، لأنَّ المطلوب عند الله حتماً واحد ، ولماذا هما ضدان ؟ لأنَّ المطلوب عند الله هو واحد حتماً فالضدّية هي بهذا الاعتبار ، فإنَّ المطلوب واحد وليس الاثنين فإنَّ هناك مصلحة واحدة قائمة إما بالظهر أو بالجمعة فالواجب واحد ، فإذا كان الثابت واقعاً هو وجوب الجمعة وأدت الأمارة إلى وجوب الظهر فهذا معناه أنه سوف يصير طلب الجمع بين الضدّين ، يعني مطلوب منك تحقيق الجمعة واقعاً وفي نفس الوقت مطلوب منك تحقيق وإيجاد الجمعة بالحكم الظاهري فيلزم طلب الضدين.

الوجه الثالث:- إنه يلزم تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة ، كما إذا فرض أنَّ الحكم واقعاً هو وجوب الشيء - يعني توجد مصلحة - والأمارة أدت إلى كونه مباحاً فهنا سوف يلزم تفويت المصلحة ، وإذا فرض أنه واقعاً كان ليس هو الوجوب وإنما كان هو الحرمة والأمارة أدت إلى كونه مباحاً فهنا سوف يلزم الإلقاء في المفسدة.

وهناك وجهان آخران ايضاً:-

الوجه الرابع:- إنه يلزم حدوث الحكم بلا ملاك ، كما إذا فرض أنَّ الحكم واقعاً كان هو الاباحة والأمارة أدت إلى الوجوب فيلزم حدوث الوجوب بلا ملاك ، لأنَّ الاباحة ليس فيها تلك المصلحة العالية المتوفرة في الوجوب.

ويمكن أن نجمع الوجه الرابع مع الوجه الثالث بصياغة واحدة فنقول:- إذا كان الحكم واقعاً هو الوجوب والأمارة أدت إلى الاباحة فسوف يلزم تفويت المصلحة ، وإذا كان بالعكس يعني أنَّ الثابت واقعاً هو الاباحة ولكن الظاهري كان هو الوجوب فسوف يلزم حدوث الحكم بلا ملاك.

الوجه الخامس:- أن يقال إنه بناءً على قاعدة قبح العقاب بلا بيان سوف يلزم إشكال وهو تخصيص قاعدة قبح القعاب بلا بيان.

وقد تقول:- ليلزم ذلك ؟

فنقول:- إنها قاعدة عقلية والأحكام العقلية لا تقبل التخصيص.

أما كيف يلزم تخصيص الحكم العقلي ؟وذلك كما لو فرض أنَّ الأمارة أصابت الواقع ، يعني كان الحكم الواقعي هو وحوب الجمعة والأمارة أيضا دلت على وجوب الجمعة ولكن المكلف ترك الجمعة رغم أنَّ الأمارة أدت إليها كأن أتى بصلاة الظهر فهنا سوف يعاقب جزماً على تفويت الواقع ، لأنَّ الواقع هو الجمعة والأمارة قد أصابته ، وأنا أقول لك: المفروض أنَّ الواقع ليس معلوماً لأنَّ الأمارة تفيد الظن فإذن ثبت العقاب على مخالفة شيءٍ غير معلوم ، وهذا تخصيص لقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وهذا إشكال يتسجّل على المشهور الذين التزموا بهذه القاعدة.والجواب عن هذه الاشكالات:-

أما الاشكال الأوّل فجوابه:- إنه قد يقال إنَّ أحد الحكمين ظاهري والآخر واقعي ، فهما مختلفان وليسا من مقولةٍ واحدة ، فلا يلزم اجتماع المثلين ، ولا يلزم اجتماع الضدين ، فلا مشكلة في البين.

وجوابه:- إنَّ مصطلح ظاهري وواقعي هو من عندنا ، ولكن أليس هذا حكماً أو هو ليس بحكم ؟ إنه حكم ، فإن هذا حكم بالوجوب واقعي وذاك حكم بالوجوب فصار اجتماع وجوبين ، أما أنك تسمّي الأوّل ظاهري والثاني واقعي فهذه أسماء لا تؤثر إذ بالتالي هما حكمان ، فإذا كانا حكمين فإذا كانا وجوباً لزم اجتماع المثلين ، وإذا كان أحدهما وجوباً والآخر حرمة لزم اجتماع الضدين ، والتسمية لا تغير الحكم عن كونه حكماً حقيقةً ، فإذن هذا الجواب ليس بتام.

وأجاب الشيخ الخراساني(قده) وقال:- إنَّ كون الأمارة حجّة ليس معناه أنَّ الأمارة تنشئ حكماً ، فإنه إذا كانت تنشئ حكماً فالإشكال سوف يكون وارداً ، بل نفسّر حجية الأمارة بمعنى المنجّزية والمعذّرية من دون جعل حكم ، فإذا كانت من دون جعل حكم يبقى الحكم الواقعي وحده وأما الحكم الظاهري فهو ليس حكماً ، لأنه حجية والحجية تعني التنجيز ، ومعنى التنجيز استحقاق العقوبة إذا خالفت الواقع عند المصادفة ، والتعذير معناه أنك معذور إذا فرض أنَّ الأمارة اخطأت الواقع ، ففي الواقع كان يوجد وجوب وهي دلت على الاباحة فأنت معذور هنا ، فمفاد حجية الأمارة هو جعل المنجّزية والمعذّرية لا جعل الحكم المماثل ، فأين اجتماع المثلين أو اجتماع الضدين[1] ؟!!

وأجاب الشيخ النائيني(قده) وقال:- إنَّ معنى حجّية الأمارة هو جعل العلمية والطريقية ، وذلك لوجهين:-

يزية والمعذرية لا جعل الحكم اللوالمعذرية لا جعل الحكم اللمماثل فأين اجتماع المثلين وأين اجتماع الضدين ظ!!. معناه أنك مذور إذا ف

[1] كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ص277.