الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/06/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث الظن.

وفي الجواب نقول:- هناك طريق آخر وذلك بأن نقول: يمكن أن نحصّل الجزم بأنَّ الشريعة لم تُبنَ كل تفاصيلها وجزئياتها على القطع فإنَّ هذا لا يمكن ، فلا تستطيع أن تأكل شيئاً إلى أن تقطع بكونه حلالاً جزماً ، ولا تستطيع أن تدخل بيت شخص إلا أن تقطع بكونه ملكه حقاً لا أنه ورثة من أبيه فإنَّ هذه أمارة ظنّية ، وكذلك لا تستطيع شراء اللحم من القصّاب إلا ّغا قطعت بكونه حلالاً ... وهكذا ، وهل كل هذه الأمور مبنية على القطع ؟ كلا ، فإنَّ جميع هذه الأمور لم تُبنَ على لزوم تحصيل القطع ، بل لا أقل واحد منها لم يُبنَ على لزوم تحصيل القطع ، فإذا قبلت بهذا فحينئذٍ نقول إذا أمكن أن يجعل هذا الواحد حجّة رغم أنَّ المورد ظنّ أمكن في جميع الموارد الأخرى جعل الظن حجة من دون محذور الاستحالة ، فإنه إذا كانت توجد استحالة فهي ثابتة في جميع أفراد الظن ولا يشذّ منها حتى الواحد ، فإذا جزمنا بأنَّ الواحد يكتفى فيه بالظن فإذا قبلنا بهذا فلازمه أنَّ جعل الظن حجة ممكن في سائر الموارد ، لأنَّ هذا المورد من حيث امكان واستحالة جعل الحجية للظن ليس له امتياز ، فإن أمكن جعل الظن حجّة في موردٍ أمكن في جميع موارد الظن ، وإن استحال استحال في جميع الموارد ، وهذا معنى ما يقال ( حكم الامثال وفيما لا يجوز واحد ).

ولك أن تصوغ هذا الدليل بصياغة أخرى وذلك بأن نقول:- إنَّ خبر الثقة مثلاً الذي فيه ظن معتد به أن يكون بدرجة ثمانين أو خمسة ثمانين[1] ، فإذا كان بهذه الدرجة فهل يعمل به العقلاء أو لا يعملون به في أمورهم مع عدم وجود أمارة على الخلاف وهل الشرع أمضاه أو لم يرتضه ويقول رغم أنه توجد سيرة ولكني لم ارتضه ؟ إنه لو لم يرتضِ الشارع ذلك لبان ولجاءت أدلة كثيرة تردع عن هذه السيرة المستحكمة ولابد أن تكون الردوع كثيرة ، فإذن السيرة موجودة جزماً بأنَّ خبر الثقة بدرجة خمسة وثمانين بالمائة يعمل به العقلاء ، وجزماً لا يوجد ردع مناسب يكتفى به.

والنتيجة:- هي أنَّ الشرع ارتضى بهذه السيرة ، يعني جعل خبر الثقة حجة رغم أنه يفيد الظن ، فإذا قطعنا بأنه جعل خبر الثقة حجة نبدله بالظواهر ، فهل العقلاء يعملون بالظواهر أو لا ؟ إنهم إذا لم يعملوا بها فسوف يختل نظام الحياة ويلزم على كل إنسان أن يصرّح بكل ما يريد ولا يكفي الظهور ، فجزماً توجد سيرة جارية من العقلاء على التمسّك بالظاهر ، فلو كان الشرع لا يرتضي ذلك لردع عنه ، وحيث لم يردع فنجزم بالحجية شرعاً ، فإذا جرمنا بحجية الظاهر وهي تفيد الظن ثبت عدم الاستحالة في بقية الظنون لعدم الفرق بين ظنٍّ وظن في مسألة جعل الحجّية ، فإذا كان مستحيلاً فهو مستحيل في الكل ، وإذا كان ممكناً فهو ممكن في الكل.

النقطة الرابعة:- شبهات ابن قبة.

ابن قبة من قدماء أصحابنا ولم يعرف عنه رأي إلا هذا الرأي ، ونقل الشيخ الأعظم (قده) في الرسائل صيغتين للإشكال:-

الصيغة الأولى:- لو كان الظن يمكن أن يكون حجة فحينئذٍ يجوز الاخبار عن الله عزّ وجلّ مباشرةً كما نقبل بهذا فيما لو أخبر عن الرسول صلى الله عليه وآله أو عن الامام عليه السلام ، فلو أخبر بأنه ( كلّ شيء لك نظيف حتى تعلم له أنه قذر ) فإننا نقبل بهذا منه ، فيلزم أن تقبل بأن لو أخبر عن الله تعالى قال لي الله تعالى: ( كلّ شيء لك نظيف حتى تعلم أنه قذر ) ، فإذا أمكن الإخبار عن الرسول وكان حجّة رغم أنه ظن فيلزم حجية الإخبار عن الله تعالى ، وحيث إنَّ الإخبار عن الله تعالى ليس بحجة فالإخبار عن النبي صلى الله عليه وآله أو عن الامام عليه السلام كذلك.

الصيغة الثانية:- إنه يلزم تحليل الحرام وتحريم الحلال.

والمهم هو الدليل الثاني ، وقد طوّر هذا الدليل من قبل الأعلام وصيغ بصياغات عديدة.

[1] ولا أقول تسعين بالمائة حتى تقول إن هذا اطمئنان.