الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
39/06/15
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- شمول أدلة الأصول لجميع الأطراف - العلم الاجمالي- مبحث القطع والأمارات والأصول العملية.
ونقض الشيخ العراقي(قده) عليه بنقض وقال:- سوف أبين فكرةً على رأي أصحاب مسلك الاقتضاء وهي احتمالٌ ثالث وعلى أساسها لا يكون هناك مانعٌ من شمول أصل البراءة لكلا الطرفين ، وهي أنه فلنطبق دليل الأصل على كلا الطرفين - صلاة الظهر وصلاة الجمعة - لا على واحدٍ منها حتى تقول يلزم الترجيح بلا مرجح وهو مستحيل.
ولو قلت:- إنه لو طبّق على الاثنين سوف يلزم مخالفة قطعية ؟ فأقول:- سوف أطبقها على الطرفين من دون لزوم مخالفة قطعية ، فإنه تارةً نطبق دليل الأصل على كلّ واحد منهما بنحو مطلق يعني نقول: ( رفع وجوب صلاة الظهر يوم الجمعة سواء أتيت بالجمعة أو لم تأتِ بها ) ، وهكذا نطبقه على وجوب الجمعة فنقول: ( رفعت الوجوب عن الجمعة سواء أتيت بالظهر خارجاً أو لم تأت بها ) ، ولنسمّ هذا تطبيق لدليل الأصل هو التطبيق بنحوٍ مطلق ، فإذا كان الأمر هكذا فسوف يلزم الترخيص في المخالفة القطعية كما ذكرتهم وهو لا يمكن.ولكن نحن نطبق اطلاق حديث الرفع على كلّ طرفٍ بنحو مشروط ، يعني نقول:- ( صلاة الظهر ارتفع وجوبها بشرط أن تأتي بالجمعة ) ، وهكذا نطبق الرفع على وجوب الجمعة بشرط أن تكون آتياً بالظهر ، وهذا نسيمه تطبيقاً وترخيصاً بنحوٍ مشروط أي مشروط بالإتيان في الآخر[1] أو بترك الآخر[2] ، وهذا لا مشكلة فيه.
أما هو التكييف الفنّي والعلمي لهذا الاقتراح:- فهو أنَّ حديث الرفع يدل على الرخصة المطلقة في هذا الطرف يعني سواء أو تركت الطرف الآخر أم لا ، يعني حينما تطبقه على الظهر فهو يقول رفع وجوبها بشكلٍ مطلق سواء أتيت بالجمعة أو لا ، وهكذا في الطرف الآخر ، ولكن حيث إنَّ العمل بكلا الاطلاقين غير ممكن لأنه سوف يلزم منه المخالفة القطعية فحينئذٍ يدور الأمر بين أن نسقط الدليل رأساً وبين أن نرفع اليد عن اطلاقه مع المحافظة عليه ، فنطبق قاعدة ( الضرورة تقدَّر بقدرها ) ، فيلزم أن تطبق حديث الرفع على كل طرفٍ ولكن بنحوٍ مشروط ، وسوف تصير النتيجة هي أنك مرخّصٌ في ترك الظهر بشرط الاتيان بالجمعة ، ومرخّصٌ في ترك الجمعة بشرط الاتيان بالظهر.فإذن نتيجة مسلك الاقتضاء هي أنه يمكن الترخيص المشروط ، يعني يلزم أن يلتزموا بالترخيص المشروط في كل علم إجمالي في شبهة محصورة - حتى في إنائي الخمر - والحال إنه لا أحد يلتزم بذلك ، فإنَّ الوجدان لا يقبل بهذا ، وهذا إن دلّ فإنما يدل على بطلان مسلك الاقتضاء.والجواب:- إنه سوف يأتي الجواب عنه في مبحث البراءة والاشتغال إن شاء الله تعالى فانتظر.
وبهذا ننهي كلامنا عن مبحث القطع.مبحث الظن
حجة الظن:- هناك نقطتان في مبحث حجية الظن:-
النقطة الأولى:- هل الظن في نفسه حجة أو لا ؟ ، وهذا بحث في مرحلة الامكان.
النقطة الثانية:- إذا أمكن أن يكون الظن في نفسه حجة فهل وقع ذلك أو لا ؟ ، وهذا بحث في مرحلة الوقوع.
فإذا بنينا على عدم الامكان مثل ابن قبة فلا معنى لبحث مرحلة الوقوع ، فأوّلاً نبحث عن مرحلة الامكان ، فإذا اثبتنا مرحلة الامكان نذهب إلى مرحلة الوقوع لنرى أيُّ ظنّ من الظنون ثبتت له الحجية ، فهل خبر الثقة مثلاً ثبتت له الحجية أو لا وهكذا الظواهر ... وهكذا.أما النقطة الأولى[3] :- فهناك نقاط أربع نبحثها تحت عنوان الإمكان - هل يمكن جعل الحجية للظن - :-
الأولى:- الظن في نفسه هل يمكن أن يكون حجة أو لا ؟
الثانية:- ما المقصود من الامكان ؟
الثالثة:- هل أصالة الامكان ثابتة أو لا ؟
الرابعة:- ما قيل في اثبات عدم إمكان ثبوت الحجية للظن[4] .
الكلام في النقطة الأولى:- هل يمكن ثبوت الحجية للظن ؟
المعروف أنه لا يمكن أن يكون الظن في نفسه بقطع النظر عن جعل الشارع أن يكون حجة ، لأنه ليس ببيان وليس بعلم ، ومادام ليس بياناً ولا علماً فحينئذٍ لا يكون حجة بحيث تصح العقوبة على مخالفته ، فإنَّ غير العلم لا تصح العقوبة عليه.وهذا كما ترى مبنيٌّ على قاعدة قبح القعاب بلا بيان ، أما إذا أنكرنا هذه القاعدة - كما نحن نبني عليه – فلا يتم ما ذكر ، وقد قلنا إنَّ الصحيح عقلائياً أنه في مورد قوّة الاحتمال أو قوّة المحتمل - وإن لم يكن قوّة احتمال - العقلاء يتجنبون عن ذلك ، فمثلاً لو احتملت وجود مانعٍ بدرجة سبعين بالمائة إلى مكان معيّن فسوف لا أدخل فيه ، وإذا احتملت وجود سمٍّ في الطعام ولو بدرجة خمسة بالمائة أو أقل فسوف أترك تناوله لأنه فيه هلاك النفس ، فإذن التكليف وجيه عقلائياً ، يعني بعبارة أخرى الاحتمال في مورد قوّته أو قوّة المحتمل حجة بسيرة العقلاء.وعلى هذا الأساس الظن مادام بدرجة معتدٍّ بها فسوف يكون حجّة ، ومن الممكن أن يكون الظن حجّة في حدّ نفسه لإنكار قاعدة قبح العقاب بلا بيان.