الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
39/06/14
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- شمول أدلة الأصول لجميع الاطراف - العلم الاجمالي- مبحث القطع والأمارات والأصول العملية.
البيان الثاني:- أن يقال إنَّ كل علمٍ ينجّز معلومه بنحو العلّية ، فلاحظ العلم التفصيلي فإنه إذا حصل لدينا علم تفصيلي بغصبية شيءٍ فهل يمكن الترخيص في المخالفة ؟ إنه لا يمكن الترخيص ، فإنه مادام قد حصل علم تفصيلي لا يمكن الترخيص في المخالفة - يعني في ارتكابه - ، وهذا نستنتج منه أنه العلم الاجمالي منجّز بنحو العلّية ، إذ لو لم يكن منجّزاً بنحو العلية لجاز الترخيص في العلم التفصيلي.
وحيث إنَّ العلم الاجمالي يتعلّق بالواقع فلا يجوز الترخيص في المخالفة ، بل لابد وأن يحرز الواقع ، بل وهكذا إذا قلنا إنَّ العلم الاجمالي تعلّق بالجامع لا يجوز الترخيص في المخالفة الاحتمالية للجامع وذلك بتجويز ارتكاب أحد الأطراف.والخلاصة:- إنَّ شأن العلم الاجمالي مع معلومه أنه ينجّزه بنحو العلّية ، يعني لا يمكن الترخيص في مخالفته ولو بنحو الاحتمال ، فلاحظ باب العلم التفصيلي.
وجوابه واضح:- حيث نقول له: من أين لك أنَّ كل علم ينجّز معلومه بنحو العلية ؟ فإنَّ هذه القاعدة الكلية لم تثبت ، نعم أنت استشهدت بالعلم التفصيلي ، ونحن نقول إنَّ هذا ليس بصحيح ، فإنَّ العلم التفصيلي هو مانعٌ بذاته من الترخيص في المخالفة الاحتمالية ، لأنه لا توجد شكوك وخفاء ، فيكف يجعل ترخيصاً وحكماً ظاهرياً ويقول لك يجوز لك أن تترك إحدى الصلاتين ؟! ، فأنا يوجد عندي علم تفصيلي ولا يوجد مجال للحكم الظاهري ، فإنَّ الحكم الظاهري موضوعه الخفاء والشك أو عدم العلم ، فإذا كان كلّه وضوح وعلم فأين يجعل الحكم الظاهري ؟!! ، إنَّ التمثيل بالعلم التفصيلي ليس بصحيح ، بل عليك أن تمثّل بموردٍ فيه علم ينتابه شيء من الخفاء وهو العلم الاجمالي ، وهذا هو عين المتنازع فيه ، فمن قال هو علّة لتنجّز معلومه ؟!! ، إنَّ هذا ليس بثابت ، فالعلية نسلّمها في العلم التفصيلي لأنه كلّه وضوح ولا يوجد خفاء في بعضه حتى يجعل حكماً ظاهرياً ، بخلافه في العلم الاجمالي فحيث يوجد خفاء بلحاظ الأطراف فيمكن أن يجعل حكماً ظاهرياً بلحاظ الأطراف.
إذن تحصيل دليل للشيخ العراقي(قده) لإثبات أنَّ العلم الاجمالي علّة لمتعلَّقه شيءٌ مشكل.وذكر الشيخ النائيني(قده) في ردّ مسلك العلية قائلاً:- كيف لا يجوز الترخيص في بعض أطراف العلم الاجمالي والحال أنَّ العلم التفصيلي يقبل الترخيص الاحتمالي في المخالفة فأولى أن يقبله العلم الاجمالي ، فمثلاً إذا فرض أني أنهيت الصلاة ثم شككت هل أتيت بسجدتين في إحدى الركعات أو بسجدة واحدة أو أني سجدت أصلاً أو لا أو ركعت أو توضأت أو لا فهنا لا يعتنى بهذا الشك لقاعدة الفراغ التي تقول ( كلّ ما مضى فأمضه كما هو ) ، فهنا يوجد عندي علم تفصيلي بوجوب صلاة الظهر ولكن هل أعلم بأني قد أفرغت ذمّتي يقيناً بهذه الصلاة التي أديتها ؟ كلا وإنما أفرغتها احتمالاً لاحتمال أني لم أتِ بالركوع والشارع قال لي لا تعتنِ باحتمال المخالفة منك بعد الفراغ من العمل والحال أنه يوجد عندي علم تفصيلي باشتغال ذمّتي بصلاة الظهر ، وهذا معناه أنَّ الشارع رخّص في المخالفة الاحتمالية في باب العلم التفصيلي.
وأجاب العراقي(قده) عن ذلك وسوف يأتي تفصيل هذا في مبحث البراءة والاشتغال.النقطة الرابعة:- إذا قلنا إنَّ العلم الاجمالي منجّز بنحو الاقتضاء فهذا معناه أنَّ الترخيص في بعض الأطراف ممكن ، فنبحث هل تشمل أدلة الأصول أطراف العلم الاجمالي أو لا ؟
المعروف أنها لا تشمل ، إذ لو شملت الأطراف فهي إما أن تشمل الجميع وهذا يلزم منه المخالفة القطعية ، وقد فرغنا من أنَّ المخالفة القطعية لا تجوز ، وإنما كلامنا في ترك الموافقة القطعية - أي الموافقة الاحتمالية - ، وإما أن تشمل طرفاً دون طرفٍ فهذا ترجيح بلا مرجّح.ونقض الشيخ العراقي(قده) عليه بنقض كبير وقال:- سوف أبين فكرةً على رأي أصحاب مسلك الاقتضاء وهي احتمالٌ ثالث وعلى أساسها لا يكون هناك مانعٌ من شمول أصل البراءة لكلا الطرفين.