الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/06/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شمول أدلة الأصول لجميع الاطراف - العلم الاجمالي- مبحث القطع والأمارات والأصول العملية.

ويرده:-

أوّلاً:- إنَّ احتمال العقاب ليس منجّزاً عقلاً وإنما هو حجة طبعاً وفطرةً ، نظير ما إذا احتملت وجود الأسد فأنا سوف أفر منه فهذا الفرار فطري وليس فراراً عقلياً ، لا أنَّ العقل يقول لابد من الهرب من باب أنه حجّة أو منجّز وإنما من باب قضاء الفطرة بذلك ، وهكذا إذا رأيت النار تشتعل فسوف أفر منها فهذا الفرار فطري وليس ناشئاً عن الحجة العقلية والتنجيز العقلي ، ونحن كلامنا في المنجّز العقلي لا فيما تقضي به الفطرة والطبع ، واحتمال العقوبة هو من هذا القبيل ، فمادمت احتمل العقوبة فالفطرة تقضي آنذاك بالفرار وعدم الارتكاب ، فإذن احتمال العقوبة ليس منجّزاً عقلياً وإنما هو موجوب للتحرك فطرةً وكلامنا في المنجّز العقلي.

فإذن لا ينفع ما ذكره من أنَّ احتمال العقاب هو المنجّز دون العلم الاجمالي حيث نقول له إنَّ احتمال العقاب ليس منجّزاً تنجيزاً عقلياً وإنما هو تنجيز فطري وهو لا ينفعنا فإنه خارج عن محل الكلام ، والأصولي يبحث عن المنجّزات العقلية ولا عن المنجّزات الفطرية ، والمنجزات الفطرية يبحث عنها عالم الطبيعة - أو غيره ما شئت فسمّه -.

ثانياً:- إنه بقطع النظر عما ذكرناه نقول إنَّ ما ذكره يتم بناءً على أنَّ العلم الاجمالي يتعلّق بالواقع ، وأما إذا قلنا بأنه يتعلّق بالجامع فلا يتم ما أفاده ، وذلك باعتبار أنه إذا بنينا على أنَّ العلم الاجمالي يتعلّق بالواقع فحينئذٍ سوف يتنجّز الواقع وبالتالي لا تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان بهذه الخصوصية - يعني صلاة الظهر - لاحتمال أنها الواقع ، وهكذا لا تجري في الطرف الثاني - أي صلاة الجمعة - ، فلا تجري في هذا الطرف ولا في ذاك ، ومع عدم جريانها في الطرفين ففي مثل هذه الحالة بعد عدم المؤمن العقلي حينئذٍ احتمال أنَّ ذلك الواقع الذي تعلّق به العلم الاجمالي يحتمل أنه منطبق على الجمعة ففي مثل هذه الحالة سوف يتنجّز ، ويحتمل انطباقه على الظهر فيتنجّز وجوب صلاة الظهر ، وهنا تتم مقالة السيد الخوئي(قده) ، لأنه بعد تعلّق العلم الاجمالي بالواقع فهذا الطرف وذاك الطرف لا تجري فيهما الأصول العقلية المؤمنة ولا الشرعية المؤمنة ومادام لا تجري فيهما فحينئذٍ يتقدم العقل ويقول مثلاً يحتمل أنَّ الواقع منطبق على الظهر فيلزم الاتيان به ، وبالتالي احتمل العقوبة على تركه ، وهكذا بالنسبة إلى الطرف الثاني ، وعليه يكون ما أفاده السيد الخوئي(قده) وجيهاً.

وأما إذا بنينا على أنَّ العلم الاجمالي يتعلّق بالجامع كما يبني عليه السيد الخوئي(قده) ، ففي مثل هذه الحالة يمكن أن تجري البراءة العقلية والنقلية بلحاظ الخصوصية ، يعني أنَّ خصوصية الظهر ليست لازمة لأني لا أعلم بها فيجري أصل البراءة العقلي أو النقلي - فكلاهما صالح للجريان - ، وهكذا خصوصية الجمعة فإنها ليست لازمة أيضا فيكفيك الاتيان بأيّ واحدةٍ منهما ، ونسأل السيد الخوئي ونقول له:- إنَّ تنجّز الجامع - أي الأحد - بم حصل ؟ إنه حصل بسب بالعلم الاجمالي ، فالعلم الاجمالي نجّز لنا الجامع ، وليس المنجّز هو احتمال التكليف الموجب لاحتمال العقوبة ، كلا وإنما من باب أنه يوجد عندي علم اجمالي بالجامع ، إذ لو لم يكن عندي علم اجمالي بالجامع ما كنت أقول يجب الاتيان بالجامع - يعني الأحد - ، فإذا كان عندي شك ولا يوجد عندي علم فالجامع لا يلزم الاتيان به ، لكن حينما حصل لي علم اجمالي بالجامع يعني الأحد فالأحد تنجّز بسبب العلم الاجمالي وحينئذٍ الخصوصيات ليست منجّزة ، لأنَّ الخصوصيات منفية بأصل البراءة العقلي والنقلي فيبقى الجامع من دون الخصوصية منجَّز بالعلم الاجمالي ، فإذن ثبت ما نريد ، فكيف قلت إنَّ العلم الاجمالي لا يكون منجزاً أبداً وإنما المنجّز دائماً هو شيء أسبق من العلم الاجمالي وهو احتمال التكليف الموجب للعقاب ؟!! فنحن نقول:- إنَّ هذا لا يأتي هنا بناءً على تعلّق العلم الاجمالي بالجامع وإنما يأتي بناءً على رأي الشيخ العراقي(قده) فإنه إذا كان العلم الاجمالي متعلّقاً بالواقع فالخصوصيات سوف تتنجّز باحتمال كونها هي ذلك الواقع الذي تعلّق به العلم الاجمالي فيتم ما أفاده السيد الخوئي(قده) من أنَّ التنجيز لهذه الخصوصية صار بسبب احتمال التكليف الموجب لاحتمال العقاب بعدما كان يوجد عندنا علم اجمالي متعلّق بالواقع ، أما إذا قلنا هو متعلّق بالجامع فالخصوصيات لا يجب الاتيان بها لنفي ذلك بالأصول العقلية والنقلية فيبقى الأحد يلزم الاتيان به بسبب العلم الاجمالي ، فإذن ثبت أنَّ العلم الاجمالي له دور لا أنه ليس له دور أبداً ، وبهذا ننتهي من النقطة الأولى من النقاط الأربع.

النقطة الثانية:- هل تنجيز العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية بذاته أو بسبب تعارض الأصول ؟

ذهب الشيخ النائيني(قده) في أجود التقريرات[1] ووافقه السيد الخوئي(قده) إلى أنَّ تنجيز العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية للطرفين هو بسبب تعارض الأصول ، يعني حينما أعلم اجمالاً بحرمة أحد الاناءين فالذي يتنجّز بالعلم الاجمالي هو حرمة أحد الاناءين ، لأنَّ هذا عالم به ولكن يبقى بالنسبة إلى الأطراف أصل بالبراءة العقلي والنقلي لا يمكن اجراؤه في أحدهما دون الآخر لأنه بلا مرجّح ولا في كليهما لتعارضهما مع علمنا الاجمالي بحرمة أحدهما ، لأننا نعلم بأنَّ أحد هذين الأصلين كاذب لأنه يتنافى مع علمنا بحرمة أحدهما ، فإذن أصل البراءة العقلي والنقلي لا يجري في هذا الإناء ولا يجري في ذاك الإناء ، وبعد عدم جريانهما في كلا الاناءين سوف يتنجّز الاناءان فيلزم ترك هذا الإناء ذاك الإناء لتساقط المؤمّنات ، وبعد تساقط المؤمّنات تجب الموافقة القطعية بحكم العقل.

وفي مقابل ذلك ذهب الشيخ العراقي(قده) إلى أنَّ المنجّز لوجوب الموفقة القطعية ليس هو العلم الاجمالي بضم تعارض الأصول وإنما بذاته بقطع النظر عن تعارض الأصول ، وإلى هذا ذهب الشيخ النائيني(قده)في فوائد الأصول.فإذن فوائد الأصول يختلف عن أجود التقريرات ففي أجود التقريرات يظهر منه مسلك تعارض الأصول وأنَّ التنجيز يكون بسبب تعارض الأصول ، أما في فوائد الأصول يظهر منه إنَّ التنجيز ليس بسبب تعارض الأصول وإنما بذات العلم الاجمالي من دون ضمّ فكرة تعارض الأصول.نعم اختلف العراقي والنائيني في قضية ثانية ، وهي أنَّ الشيخ النائيني في فوائد الأصول أختلف مع الشيخ العراقي في أنَّ هذا العلم الاجمالي ينجّز وجوب الموافقة القطعية هل بنحو العلية أو بنحو الاقتضاء ؟ ، والشيخ العراقي(قده) قال هو ينجزها بنحو العلّية ، يعني لا يمكن شرعاً أن يرخّص الشارع في أحد الطرفين ، أما الشيخ النائيني(قده) فقال إنَّ العلم الاجمالي ينجّز كلا الطرفين بنفسه لكن ينحو الاقتضاء ، يعني يمكن للشارع أن يرخّص في أحد الطرفين.

[1] أجود التقريرات، الخوئي، ج3، ص417، ط جديدة، ج2، 242، ط قديمة.