الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
39/05/27
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- شمول أدلة الأصول لجميع الاطراف - العلم الاجمالي- مبحث القطع والأمارات والأصول العملية.
نعم يكون الحكم معلوماً والمتعلّق يكون معلوماً أيضاً عادةً يكون هذا في الشبهات الموضوعية - سواء كانت وجوبية أو تحريمية - ، كما إذا نذرت بأن أشرب إما هذا الاناء أو ذاك الاناء كما لو نذرت شرب ماء زمزم وتردّد ماء زمزم بين هذا وذاك فهذه شبهة وجوبية لا تحريمية ، فالمنذور هو شرب ماء معيّن وهو ماء زمزم فالامتثال اليقيني يصير بشرب كلا الاناءين - فالمناط ليس على الشبهة التحريمية - فإذا كان الحكم معلوماً والمتعلَّق معلوماً فعادةً هذا يكون في الشبهة الموضوعية ، وأما أنه يكون الحكم معلوماً دون المتعلَّق فيكون عادةً في الشبهة الحكمية - ولا نجعل الميزان تحريمية أو وجوبية - فإنَّ المناسب أن يقال هكذا.
وربّ قائل يقول:- إنَّ ما ذكرته شيء مقبول[1] ولكن نقول: إنَّ هذا مخالف للوجدان المتشرعي أو العقلائي ، فإنه يوجد عندي علم اجمالي فلابد من موافقته الجزمية واليقينية ، فيكف يكفي الاتيان بإحدى الصلاتين ؟! إنَّ هذه النتيجة علمية وليست وجدانية ، فإنَّ الوجدان المتشرعي أو العقلائي قاضٍ بأنه مادام يوجد عندك علم اجمالي ويوجد جزم بوجوب إحدى الصلاتين فيلزم الاتيان بهما معاً وما ذكرته - من أنَّ المعلوم هو أصل الوجوب لا كونه وجوب ظهرٍ أو جمعة وأصل الوجوب قد تحقق بالاتيان بالواحد – هو كلام عقلي وليس كلاماً يتطابق مع الوجدان ، فعلى هذا الأساس ينكشف وجود خلل في الصناعة العقلية الدقّية ؟
قلت:- إنَّ هذا الشعور صحيح ولكنه مسبَّب عن الايمان بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، فمادمت تسلّم بقاعدة قبح العقاب بلا بيان فهي لها نتائجها السلبية الوخيمة وأحدها هذه النتيجة ، لأننا نقول لصاحب قاعدة قبح العقاب بلا بيان إنك تقول إنَّ المنجز فقط وفقط هو مقدار المعلوم ، ونحن نقول له ما هو المعلوم في مثال الظهر والجمعة ؟ إنه أصل الوجوب أي وجوباً واحداً وهذا نجزم به أما وحوب الظهر فليس معلوماً وكذلك وجوب الجمعة ليس معلوماً ، فإذا كان المعلوم وجوباً واحداً وأنت تؤمن بقاعدة قبح القعاب بلا بيان يعني أنَّ الذي يتنجّز هو ما فيه البيان والعلم فقط ، وأنا العلم موجود عندي بوجوب واحدٍ ، أي الواحد الكلي لا الواحد الشخصي ، فإنَّ الواحد الشخصي لا علم لي به ، والواحد الكلي قد تحقق بالاتيان بإحدى الصلاتين ولا يلزم الاتيان بكلتيهما .
إذن هذا الشعور الوجداني بوجود خلل هو صحيح ولكن اجعله منبّهاً على وجود الخلل في القاعدة ، فقاعدة قبح القعاب باطلة فإنَّ من أحد منبهات بطلانها هو هذا وهو أنَّ من يلتزم بها يلزم أن يلتزم في هذا المورد الذي يعلم فيه إما بوجوب الظهر أو الجمعة بأنه يكفيه الاتيان بإحدى الصلاتين لأنه يعلم بوجوب واحدة غير مشخّصة والواحدة غير المشخصة قد أتيت بها بالاتيان بإحدى الصلاتين ، وهذا هو المناسب ، لا أنها صحيحة لكن ما انتهينا إليه يكون باطلاً ، كلا وإنما هذا الشعور الوجداني بالخلل ينبغي أن يكون منبهاً على بطلانها كما ذكرنا.