الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/05/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث القطع - مبحث القطع والأمارات والأصول العملية.

الطائفة الثالثة:- ما دل على النهي عن اتباع الرأي:-

من قبيل:- ما روي عن أبي جعفر عليه السلام:- ( من أفتى الناس برايه فقد دان الله بما لا يعلم )[1] ، فدلت على أنَّ هذا شيء مذموم.

وتقريب الدلالة على مقصود الاخباري أن يقال:- إنَّ المقصود من الرأي هو الكناية عن عدم الأخذ بما ورد عن أهل البيت عليهم السلام يعني ما ورد من الشرع ، فكلّ شيءٍ لم يرد من الشرع عبّر عن الأخذ به في لسان الرواية بالرأي وأنه مذموم ، وحيث إنَّ القطع الناتج من المقدّمات العقلية هو اتباعٌ لغير الشرع فيكون مصداقاً لاتباع الرأي الذي هو مذموم ، فإذن هذه الطائفة تدل على مقصود الاخباري بهذا البيان.

وفيه:- إنَّ المقصود هو أنه لو أمكن في موردٍ ما اتّباع الشرع والرجوع إلى أهل البيت عليهم السلام فالأخذ بما يقابل ذلك يكون مذموماً ، أما إذا فرض أنَّ المورد لم يكن فيه للشرع ولا لأهل البيت عليهم السلام حكم خاص وفُرِض أننا أخذنا بحكم العقل القطعي لا الظّني كما هو الحال في الحكم بوجوب مقدمة الواجب استناداً إلى حكم العقل بالملازمة فهنا لا يوجد للشرع وأهل البيت رأي وفتوى حتى نقول قد هجرنا أهل البيت والشرع وأخذنا بغيرهما ، كلا فإن الأمر ليس كذلك ، والمفروض أننا حينما أخذنا بحكم العقل كان الحكم ليس على مستوى الظن وإنما كان على مستوى القطع ، يعني نحن قطعنا بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته وبالتالي قطعنا بوجوب المقدّمة ، ففي مثل هذه الحالة من قال إنَّ هذا رأي ؟!! إنَّ الراي منصرف عنه ، إنما الرأي ظاهر في الظن وعدم العلم أما إذا كان هناك جزمٌ فهذا لا يطلق عليه أنه رأي.

الطائفة الرابعة:- ما دل على أنَّ جميع الأعمال التي يأتي بها المؤمن يلزم أن تكون بدلالة ولي الله وهو الامام عليه السلام:-

من قبيل:- صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:- ( ..... لو أن رجلاً صام نهاره وقام ليله وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه وتكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على الله ثواب ولا كان من أهل الايمان )[2] .

وتقريب الدلالة واضح:- وهو أنَّ كلّ شيء تريد أن تعمل على طبقه فلابد أن يكون بدلالة وليّ الله وهذا كناية عن الشرع ، وحيث إنَّ من يعتمد على العقل لا يكون عمله بدلالة وليّ الله فعلى هذا الأساس يكون ذلك مردوعاً عنه ومذموماً.

والجواب عن ذلك:- إنها تذمّ هذا الفعل فيما لو فرض أنَّ المورد كان يمكن فيه الرجوع إلى وليّ الله وبدلالته ولكنه لا يرجع إليه رغم أنه يمكن الرجوع إليه فهنا يكون هذا الفعل مذموماً ، أما إذا في أني في موردٍ رجعت إلى الشرع وإلى روايات أهل البيت عليهم السلام فلم أجد فيها رواية تدلّ على ما يرتبط بالموضوع كحرمة الضدّ ومقدّمة الواجب فهل يكون اتباع القطع العقلي في مثل هذا المورد مشمولاً للرواية ؟ كلا ، وعليه فلا تدل على الذم في مثل هذه الحالة.

هذا مضافاً إلى أنَّ هذه الطائفة بهذا اللسان يمكن أن يقال هي أجنبية عن الموضوع بالكلّية ونظرها متوجه إلى أنَّ شرط قبول الأعمال هو ولاية أهل البيت عليهم السلام[3] .

الطائفة الخامسة:- التمسّك بما دل على أنه:- ( أما أنه شرّ عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منّا ).

وهذه الرواية قد نقلها صاحب الوسائل[4] عن الكافي.

وتقريب الدلالة:- هو أنَّ هذه الرواية دلت على أنه إذا قلتم بشيءٍ من دون أن تسمعوه منّا فهو شرّ ، وأنت إذا اتبعت القطع العقلي فقلت بشيءٍ لم تسمعه منّا فهو شرّ ، يعني أنَّ هذا مرفوض ، فإذن هي دلت على المطلوب بوضوح ، ولعل أحسن الطوائف دلالة هي هذه الطائفة.

ونقل لكن صاحب الوسائل(قده) هذا المقطع وحده من الرواية ولم ينقلها بالكامل ، وإذا أخذناه وحده فتقريب الدلالة يصير بهذا الشكل والدلالة ربما تكون تامة ، ولكن لو رجعنا إلى المصدر وجدنا ها كاملة ، وقد رواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبد الرحمن بن الحجاج عن هاشم صاحب البريد[5] قال:- ( كنت أنا ومحمد بن مسلم وأبو الخطاب مجتمعين فقال لنا أبو الخطّاب: ما تقولون فيمن لم يعفر هذا الأمر ؟ فقلت: من لم يعرف هذا الأمر فهو كافر ، فقال أبو الخطاب: ليس بكافر حتى تقوم عليه الحجة ..... فقال له محمد بن مسلم: سبحان الله ما له إذا لم يعرف ولم يجحد يكفّر ؟!! ليس بكافر إذا لم يجحد ، قال: فلمّا حججت دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرته بذلك فقال: إنك قد حضرت وغابا ولكن موعدكم الليلة الجمرة الوسطى بمنى ، فلما كانت الليلة اجتمعنا عنده ...... ثم قال: ما تقولون في خدمكم ونسائكم وأهليكم أليس يشهدون ألّا إله إلا الله ؟ قلت: بلى ، قال: أليس يشهدون أنَّ محمداً رسول الله ؟ قلت: بلى ، قال: أليس يصلّون ويصومون ويحجون ؟ قلت: بلى ، قال: فيعرفون ما أنتم عليه ؟ قلت: لا ، قال: فما هم عندكم ؟ قلت: من لم يعرف هذا الأمر فهو كافر ......، قال عليه السلام: سبحان الله هذا قول الخوارج ، ثم قال: إن شئتم أخبرتكم ، فقلت أنا: لا ، فقال: أما أنه شرٌّ عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منّا )[6] ، يعني أنَّ الامام عليه السلام يريد أن يوقل لا تكّفر شخصاً ما لم تسمع ذلك منّا.


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج27، ص41، أبواب صفات القاضي، ب6، ح12، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج27، ص42، ابواب صفات القاضين ب6، ح13، ط آل البيت.
[3] فائدة جانبية:- إنه يوجد كلام على أن الذي لا يولي أهل البيت هل أن اعماله باطلة أو أنها غير مقبولة ؟ فمرة نقول هي ليست صحيحة فهي كلا شيء، ومرة نقول ه ليست مقبولة فإن القبول مرحلة على من الصحة فنحن صلاتنا صحيحة بمعنى أنها تسقط التكليف عن الذمة ولا تجب الاعادة أما انها مقبولة عند اله تعالى أو لا ؟ إن القبول مرحلة اعلى ﴿ إنما يتقبل الله من المتقين ﴾ وقد رود في الروايات أنه لو قبل من الانسان صلاة واحدة دخل الجنة، فإّن مرحلة القبول مرحلة أعلى من مرحلة الصحة، فهذه الروايات هل هي ناظرة إلى نفي الصحة من دون الولاية أو انها ناظرة مرحلة القبول ؟ وقد استدل السيد الخوئي(قده) بهذه الرواية وما شاكلها بأن شرط الصحة هو الولاية لا أنها شرط القبول، وأنا بمناسبة قد ذكرت هذا الشيء في دروس تمهيدية وقلت إن جميع هذه الروايات ناظرة إلى شرط القبول لا أنها ناظرة إلى الصحة.
[4] وسائل الشيعة، العاملي، ج27، ص70، ابواب صفات القاضي، ب7، ح25، ط آل البيت.
[5] وكل رجال السند من الطبقة الأولى وهو موثقون ولكن هاشم صاحب البريد لم يرد في حقّه شيء ولكن بعض مضمون الروايات إذا كان ثوياً فنستطيع ان نغض النظر عن السند بسبب قوة المتن والمضمون.
[6] الكافي، الكليني، ج2، ص401.