الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
39/05/06
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مبحث القطع - مبحث القطع والأمارات والأصول العملية.
القضية الثانية:- مستندات الاخباري على عدم حجية القطع الحاصل من مقدّمات عقلية.
ويمكن أن يذكر مستندان لذلك:-
المستند الأوّل:- إنَّ الخطأ في القضايا العقلية شيء كثير ، ومعه كيف يحصل القطع منها بعد كثرة الخطأ فيها ؟!!؟
ولعل بعض عباراتهم التي ينقلها الشيخ الأعظم (قده) في الرسال توحي بذلك.
وقد يصاغ هذا المطلب بصيغة أخرى فيقال:- لو فرض أنَّ عدد أفراد القطع مائة وكان المصيب فيها تسعين والمخطئ عشرة فهنا كل قطع يحصل للمكلف يكون احتمال إصابته بدرجة تسعين بالمائة وفيه احتمال الخطأ بدرجة عشرة بالمائة ، ومادام يحتمل فيه الخطأ كيف يؤخذ به ؟
ولعلّ بعض عبارات الاخباريين توحي بهذا أيضاً ، فإنَّ عباراتهم مختلفة في هذا المجال.
والفارق العملي بين الصيغتين[1] ، هو أنه على الأوّل يراد أن يقال إنه من المناسب أن لا يحصل القطع أساساً ، أما في الصيغة الثانية فيراد أن يقال: فليحصل القطع ولكن هذا القطع ليس بحجة لأنَّ درجة اصابته للواقع ليست مائة بالمائة بل تسعين بالمائة ، فعلى هذا الأساس هو ليس بحجة لأنَّ درجة اصابته ليس مائة بالمائة في نظر القاطع.
إذن هذا فارق عملي بين الصياغتين ، مضافاً إلى وجود الفارق النظري الواضح.
المستند الثاني:- الأخبار الرادعة عن الخوض في القصايا العقلية الأمر الذي قد يستفاد منه أنَّ القطع الحاصل من القضايا العقلية والمقدّمات العقلية ليس بحجة ، وسوف ننقل هذه الأخبار عند مناقشة هذا المستند.
وفي مقام المناقشة نقول:-
أما بالنسبة إلى الدليل الأوّل:- فيرد عليه:-
أوّلاً:- وهو ردّ نقضي ، وهو أنَّ كثرة الخطأ لا تختص بالقضايا العقلية بل تعم القضايا النقلية الشرعية حيث يكثر الخطأ فيها أيضاً ، ومقصودنا من كثرة الخطأ فيها يعني يكثر الخطأ في وصولنا إليها لا في واقعها ، والمنبّه على وقوع الخطأ فيها هو أنك ترى الاختلاف ثابتاً وموجوداً بين علماء الاخباريين أنفسهم في الاستنباط لا أنَّ كل آراءهم واحدة في الفقه في الوقت الذي يستندون فيه إلى المقدّمات الشرعية فقط دون العقلية ، والآن كواقع نحن نلاحظ أنَّ الفقهاء يختلفون في الفتوى ليس للاختلاف في قضية عقلية بل في كيفية الجميع بين النصوص وفي كيفية فهم النص - يعني في قضايا شرعية وليس عقلية -.
إذن لو كانت كثرة الخطأ في القضايا العقلية توجب أن لا يتحقق قطع فيلزم أن لا يحصل قطع حتى في حق الاخباري ، لأنه يستند إلى مقدّمات شرعية ويلزم أن لا يحصل اختلاف والحال أنَّ الاختلاف موجود ، وهذا يدل على أنَّ الاختلاف في القضايا الشرعية ثابت فيلزم أن يمنع من تحقق القطع ، والحال أننا نقبل تحقق القطع الناشئ من القضايا الشرعية ، فكيف قبلته ولم تقبل القطع الناشئ من القضايا العقلية ؟!! ، فإن كانت كثرة الخطأ هي النكتة فهي موجودة في كلا القطعين ولا تختص بالقطع الناشئ من مقدّمات عقلية.
ثانياً:- وهو جواب حلّي ، وذلك بأن يقال: إنَّ المكلف لا علم بخطأ بعض قطوعه حتى بدرجة عشرة بالمائة بل أقل من ذلك ، والنكتة في ذلك هي أننا حينما نلاحظ القطوع فإننا نلاحظ قطوع مجموع الناس ونقول إنَّ مجموع الناس حتماً يوجد خطأ في بعض قطوعهم ، وهذا كما ترى ملاحظة لمجموع قطوع الناس وبلحاظها يحصل علم بالخطأ ، أما إذا كنت ألاحظ قطعي أنا فقط ولا أضم إليه قطوع الآخرين - لأنَّ قطوع الآخرين لا ترتبط بي - فلا يحصل لي العلم أو الاحتمال بخطأ بعضها ، ، وأنت لاحظ نفسك فهل تعلم حتماً بأنَّ قطوعك التي حصلت من أوّل حياتك التي ينشأ فيها القطع إلى الآن يوجد خطأ في بعضها ؟ إني لا أتمكن أن أقول أنا أعلم بخطأ بعضها ، فإذن هذا العلم أو الاحتمال ليس بموجود ، ولو علمت بخطأ بعضها أو احتملت ذلك فذلك بالنسبة إلى القطوع التي مضت ، أما القطوع الموجودة عندي الآن فلا ،كقطعي بأنَّ النهار موجود الآن وقطعي بأنك إنسان أو طيب وأنَّ النقيضان لا يجتمعان وأنَّ مقدمة الواجب واجدة للملازمة وغير ذلك من القطوع غير الناشئة من الشرع ، فهل أعلم أنَّ هذه القطوع الفعلية الموجودة الآن بعضها خاطئ ؟ كلا ، بل ولا احتمل بعضها ذلك ، إما لو احتملت خطأ بعضها فسوف لا يبقى قطع.
إذن هذا العلم أو الاحتمال يأتي من ضمّ قطوع الآخرين ، أما مع ملاحظة قطوع الشخص وحده هو فلا علم له بذلك ، ولو فرض أنه حصل له علم واحتمال فذلك بضمّ قطوعه السابقة في أوّل حياته ، أما قطوعه الآن كقطوعه منذ بداية حياته العلمية إلى الآن فلا يعلم ولا يحتمل الخطأ فيها ، ولو فرض أنه احتمل خطأها فسوف لا يكون القطع موجوداً عنده ، ومادام لا علم بخطأ شيء منها فلماذا نقول لا يحصل القطع وأنه ليس بحجة ؟!! ، كلا بل هو حاصل وحجّة ولا محذور فيه.