الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/05/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث القطع - مبحث القطع والأمارات والأصول العملية.

وقد يقول الشيخ النائيني(قده) أو المدافع عنه:- بأني قد فرضت الجعل الأوّل مهملاً فلا معنى لأن تقول لي هل فعلية الجعل الأوّل مقيدة به أو مطلقة فإنَّ هذا خلف فرض أنَّ الجعل الأوّل مهملاً ، فلماذا تقول لي إنَّ فعلية الجعل الأوّل إما مقيدة بالعلم بها فيلزم الدور أو مطلقة فهذا خلف الاهمال ، فأني أجيب وأقول: لا هي مطلقة ولا هي مقيّدة وإنما هي مهملة ، فأنا قد فرضت الاهمال من البداية فلا معنى لأن تأتي وتردّد لي بين اثنين.

وفي الجواب نقول:- إنك قد فرضت أنك صرت إلى فكرة متمم الجعل لكي ترفع الاهمال بينما إذا فرضنا أنَّ فعلية الجعل الأول مهملة سوف يبقي الجعل الثاني مهملاً أيضاً ، يعني أنَّ الاهمال الأوّل سرى إلى الثاني ، يعني صارت فعلية الجعل الثاني ليست مقيدة بفعلية الجعل الأوّل المطلقة ولا بفعلية الجعل الأوّل المقيدة بل المهملة فسرى الاهمال حينئذٍ إلى الجعل الثاني ، فبقي الاهمال على حاله وأنت أردت أن تبتكر فكرة متمّم الجعل حتى تصيّر الجعل مبيّناً وليس مجملاً وإما بناءً على هذه الطريقة يكون الاهمال باقٍ على حاله ، فلذلك أنت لأجل رفع الاجمال والاهمال يلزم أن تفترض أنَّ فعلية الجعل الأوّل إما مطلقة أو مقيدة حتى نقول حينئذٍ إنَّ فعلية الجعل الثاني مقيدة بالعلم بفعلية الجعل الأوّل المطلقة أو بالعلم بفعلية الجعل الأوّل المقيدة حتى يرتفع الاهمال وإلا سوف لا يرتفع الاهمال وإنما يبقى على حاله مهما أضفت من جعول.

الجواب الثاني:- وهو للشيخ العراقي(قده)[1] ، حيث تمسّك بفكرة الحصّة التوأم ومن خلالها حلّ الاشكال ، وقد ذكر هذه الفكرة في باب التعبّدي والتوصّلي ، كما استفاد منها في هذه المسألة[2] ، وتوضيح ما ذكره:- هو أنَّ المولى يقول هكذا مثلاً ( يجب الجهر على المكلف ) ولكن أي مكلف ؟ لا على المكلف المقيد بالعلم بوجوب الجهر فإنَّ هذا يلزم منه الدور ، ولا على المكلف المطلق من حيث العلم والجهل فإنَّ هذا خلف ما نريده - لأننا نريد الأن التوصل إلى أنَّ الحكم مختص بالعالم فقط بينما هذا الاطلاق يكون ضدّ ما نريده - ، وإنما يجعل الحكم بوجوب الجهر في القراءة على المكلّف التوأم مع العلم بوجوب الجهر ، يعني بتعبير آخر المقارن للعلم بوجوب الجهر ، فيضع الوجوب على هذا المكلف بنحوٍ تكون هذه التوأمية مرآةً إلى واقع وذات المكلف المقارن لا مرآةً إلى المكلّف المقيّد بالعلم ولا المطلق بل واقع المكلف المقارن للعلم بوجوب الجهر ، وهذه المرآتية بهذا الشكل قضية قد تكون مألوفة ، من قبيل ( خاصف النعل ) فإنَّ خاصف النعل الذي هو إشارة إلى أمير المؤمنين عليه السلام هل أخذ قيداً بمعنى أنَّ له المدخلية والقيدية ؟ كلا ، وهل هو مطلق ؟ كلا ، وإنما هو من باب المقارن الاتفاقي وأخذ مشيراً إلى تلك الذّات الطاهرة المقدّسة فلا يكون حينئذٍ قيداً ، وهنا أيضاً كذلك فإنَّ هذه التوأمية تؤخذ كمرآة إلى تلك الذات المقارنة اتفاقاً للعلم من دون أن يكون العلم قيداً ، فإذن لا يلزم محذور الدور وغير ذلك ، فوصلنا إلى المقصود من دون لزوم المحذور[3] .

ويرد عليه:- إنَّ العلم إذا لم يلحظ بنحو القيدية في متعلق الحكم ولم يلحظ بنحو التقييد فيلزم أن يكون الوجوب موضوعاً لمطلق المكلف حتماً فإنَّ الضيق والتقييد يحصل بملاحظة العلم إما بنحو القيدية أو بنحو التقيّد ، فإما أن نأخذ العلم جزءاً من الموضوع له فنقول هو قيدٌ ، أو نأخذه كشرطٍ يعني أنَّ القيد خارج والتقيّد هو المعتبر ، فالضيق يحصل بهذا ، فإذا فرض أنه لم يلحظ هذا ولا ذاك فالجعل حينئذٍ ينصبّ على المطلق فعادت المشكلة وأنه كيف يحصل منه الإجزاء والحال أنَّ متعلق الحكم هو المطلق فإنه لم يحصل فيه ضيق ؟!!


[1] نهاية الأفكار، العراقي، ج3، ص15.
[2] وقد ذكر هذه الفكرة في بدائع الأفكار، ج3، ص1.وقبلاً ذكرها في التعبدي والتوصلي في مشكلة التقييد بقصد الامتثال فبتلك المناسبة ذكر فكرة الحصة التوأم، بدائع الأفكار، الميرزا هاشم الآملي، ص228.
[3] وقد مرّ في المعالم أنه ذكر بمناسبة أنَّ الألفاظ موضوعة إلى معانيها مثلاً لفظ زيد هل هو موضوع إلى هذه الذات بقيد الوحدة أي بقيد أن يكون واحداً أو هو مطلق من هذه الناحية فإذا كان بقيد الوحدة فيلزم استعمال هذا الفظ في غير موارد الوحدة يكون مجازاً، فهل هو مأخوذ مع قيد الوحدة أو هو مأخوذ بنحو الاطلاق من هذه الناحية.وكان الجواب:- إن الوحدة لم تؤخذ بنحو القيدية وإنما أخذت بنحو الظرفية يعني حينما ولد ابني ماذا نسمّيه واتفاقاً كان موجود وحده على السرير فنقول نسميه ( حسن )، فـلفظ ( حسن ) ليس موضوعاً له بقيد الوحدة وإنما الوحدة لوحظت كظرفٍ لا كقيدٍ ولكن سوف نشير إلى ذات هذا الواحد من دون أخذ الوحدة معه، هنا أيضاً كذلك فإن وجوب الجهر وضع على المكلف لكن لا المكلف المقيد بالعلم وغنما الذي فرض أنه عالم ففي فرض علمه وضع الوجوب عليه من دون أخذه قيداً.