الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/05/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث القطع - مبحث القطع والأمارات والأصول العملية.

وفيه:- إننا نسأل ونقول: إنَّ الجعل الثاني حينما قيل إنه مقيد بالجعل الأوّل ماذا يقصد منه ؟ فهل يقصد أنه مقيّد بنفس الجعل في الجعل الأوّل[1] ، فهل هو بأصل تشريعه وجعله مقيد بذاك ، يعني يقال هكذا ( متى ما كنت عالماً بتشريع الجعل الأوّل وانشائه يثبت عليك بنحو الفعلية الجعل الثاني ) ، يعني متى ما علمت بفعلية الجعل الأوّل ثبت آذاك الجعل الثاني.

فإذن يوجد احتمالان ، فمرة نقول إنَّ الجعل الثاني مقيد بأصل الجعل في الجعل الأوّل - يعني بأصل انشائه وتشريعه - ، ومرة الجعل الثاني مقيد بالعلم بفعلية الجعل الأوّل لا بإنشائه.

فإن اختار الأوّل:- فنقول: صحيح أنه لا يلزم محذور الدور ولكن هذا تطويل بلا طائل ، فإنه يمكن تطبيق هذه الفكرة بلا حاجة إلى جعل أوّل بل في جعلٍ واحدٍ ، لأنَّ الجعل الواحد ينحلّ إلى إنشاء وفعلية هذا يؤمن به الشيخ النائيني(قده) حيث أنه يؤمن بأنَّ الحكم ينحلّ إلى مرحلتين مرحلة جعل ومرحلة فعلية فنقول له إنه بجعل واحد لكن تقيد فعلية هذا الجعل الواحد بالعلم بأصل الجعل والإنشاء[2] ، فمتى ما علمت بالإنشاء تثبت الفعلية ، وهذه هي الطريقة التي ذكرناها في حلّ الاشكال نتبعها بلا حاجة إلى تطويل المسافة.

وإن اختار الثاني[3] فنقول له:- هل فعلية الجعل الأوّل هي مطلقة أو مقيدة بالعلم بنفس الفعلية أو مقيدة بالعلم بالجعل الأوّل ؟ فإذا كان مقصودك إنَّ الجعل الثاني مقيد بالعلم بفعلية الجعل الأول وفعلية الجعل الأوّل هي مقيدة بنفس الفعلية فيلزم محذوران الأول هو الدور ، يعني أنَّ الفعلية متوقفة على العلم بالفعلية فلزم الدور وتوقف الشيء على نفسه ، والثاني إنه صار الجعل الأول مقيداً وهذا خلف الفرض لأنك قلت هو لا مطلق ولا مقيد فعلى هذا الأساس يلزم أن يكون مقيداً.

أما إذا قلت إنَّ الجعل الثاني مقيد بالعلم بفعلية الجعل الأوّل وفعلية الجعل الأوّل مقيدة بالعلم بأصل الجعل الأوّل نقول:-

أولاً:- إنَّ هذا خلف الفرض ، لأنك افترضت أنه مهمل.

وثانياً:- إذا كانت فعلية الجعل الأوّل مقيدة بالعلم بالجعل الأوّل كجعلٍ فطبّق هذه الطريقة من دون حاجة إلى جعلين وإنما هو جعل واحد ، فقل إنَّ فعليته مقيدة بالعلم بأصل الجعل ، أما هذا التطويل فلا دلاعي إليه.

وإذا قال إنَّ الجعل الثاني مقيد بالعلم بفعلية الجعل الأوّل ولكن فعلية الجعل الأوّل نقول هي مطلقة وليست مقيدة ، فنجيب:- بأن هذا خلف الفرض حيث قلت إنَّ الجعل الأوّل يكون مهملاً ، ونحن نقول: إنَّ الاهمال في عالم الواقع والواقعيات شيء غير ممكن ، وأنت لاحظ نفسك فإذا أردت أن تشرّع شيئاً فإما أن تشرّعه مطلقاً أو مقيداً ولا تشرّعه مهملاً فإنَّ هذا غير ممكن ، فأنت إما أن تلاحظ القيد فصار مقيداً ، أو أنك صببت الحكم على الطبيعة ولم تلاحظ القيد فصار مطلقاً ، فإنَّه لا يمكن أن نتصوّر أن يكون الجعل مهملاً فإن هذه حالة غير معقولة.

نعم نستدرك ونقول:- إنه على مبنى للشيخ النائيني(قده) يكون هذا وجيهاً ، فإنه يوجد عنده مبنىً هو أنَّ التقابل بين الاطلاق والتقييد هو تقابل العدم والملكة ، ويترتب على هذا أنه إذا لم يمكن التقييد للزوم الدور في موردنا مثلاً فالاطلاق سوف لا يمكن ثبوته أيضاً لأنَّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، فهنا يكون التقييد غير ممكن وكذلك الاطلاق فيثبت الاهمال حينئذٍ ، لأنَّ التقييد غير ممكن للزوم الدور فإذا استحال التقييد استحال الاطلاق - لأنَّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكة - فيلزم الاهمال.

فإذن على مبنى الشيخ النائيني(قده) في باب التقابل بين الاطلاق والتقييد هذا يكون وجيهاً ، فإذن هذا الردّ مبنائي ، يعني من يقول إنَّ التقابل بن الاطلاق والتقييد هو تقابل الضدّين أو النقيضين فهذا الردّ يكون صحيحاً ، وأما من يقول بأنَّ التقابل بينهما هو تقابل العدم والملكة كالشيخ النائيني(قده) فهذا الاشكال لا يكون وارداً عليه.

الجواب الثاني:- وهو للشيخ العراقي(قده)[4] ، حيث تمسّك بفكرة الحصّة التوأم ومن خلالها حلّ الاشكال ، وهذه الفكرة ذكرها في باب التعبّدي والتوصّلي كما استفاد منها في هذه المسألة.


[1] والمقصود من الجعل هو التشريع والانشاء.
[2] يعني مرتبة الجعل والانشاء.
[3] لأنَّ الجعل الأوّل له جعل وله فعلية أيضاً.
[4] نهاية الأفكار، العراقي، ج3، ص15.