الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
39/04/29
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- أخذ العلم بالحكم في شخص الحكم - مبحث القطع.
وقد يقول قائل:- أليس يلزم الدور من هذه الطريقة ؟ لأنه بالتالي صار العلم بالجعل مأخوذاً في عالم التشريع ، فالعلم بالجعل والجعل يكون موقوفاً على العلم بالجعل فلزم الدور؟
جوابه:- إنَّ هذا اشكال واهٍ ، فنحن نأخذ العلم بالجعل لا لتحقق الجعل ، بل لتحقق الوجوب الفعلي فالتفت إلى ذلك ، فإذا علمت بهذا الجعل - التشريع - فسوف يتولّد وجوب فعلي ، فالعلم بالجعل يولّد الفعلية ، والفعلية موقوفة على العلم بالجعل ، فلا دور هنا ، بل هو أمر ممكن وعقلائي.
وأشكل السيد الخوئي(قده) على هذه المحاولة بما يلي:-
إنَّ العلم بالجعل الذي أخذ شرطاً في الفعلية هل هو الجعل الثابت في حقّكِ أنت يا زيد مثلاً ، يعني ( يا زيد إذا علمت بالجعل الثابت في حقكِ فالوجوب الفعلي للجهر يثبت في حقكِ ) ، أو أنَّ المقصود من العلم بالجعل هو الجعل الثابت في حق عمرو ، فإذا علمت بثبوت الجعل في حقّ عمرو فسوف يصير الوجوب فعلياً في حقكِ.
فإن كان المقصود هو الاحتمال الثاني فهو ممكن ، يعني أقول ( إن علمت بالوجوب الانشائي في حقّ عمرو فيجب عليك يا زيد بالفعل الجهر ) ، ولكنه خارج عن محل الكلام وليس هو المقصود ، لأنَّ الفعلية عندما تشترط فعادةً هي تشترط في الوجوب الانشائي بحق الشخص لا في الجعل الثابت في حق الآخرين ، فهذا خارج عن محل الكلام ، فإذن لابد أن يكون المقصود هو الأوّل ، والأول يرد عليه إشكال ، إذ حينما تقول ( يجب عليك الجهر بالوجوب الفعلي متى ما علمت بتشريع الجهر في حقّكِ أنت يا زيد ) ، فإذا كان التشريع ثابت في حق زيدٍ وانتسب إلى زيدٍ فهو عبارة عن الفعلية ، فصارت الفعلية منوطة بالفعلية وهذا دور ولم نأتِ بشيءٍ جديد ؟!!
وهو غريب:- ووجه الغرابة هو أنه يوجد شق ثالث وهو الصحيح ولا معنى لأنَّ يذكر شقين فقط ، إنما المقصود هو العلم بأصل التشريع في الاسلام فهذا شقٌّ ثالث ، يعني متى ما علمت بالشريعة الاسلامية أنَّ هناك وجوب جهر في صلاة الصبح مثلاً صار الوجوب عليك فعلياً ، فالفعلية منوطة بأصل التشريع لا أنها منوطة بالتشريع في حقّ زيد أو عمرو ، فإذن لا مشكلة.
بيد أنه ذكرت بعض الأجوبة الأخر للتوفيق بين الوجدان وبين البرهان نذكر بعضها:-
الوجه الأوّل:- ما ذكره الشيخ النائيني(قده) حيث تمسّك هنا بفكرة متمّم الجعل - كما أنه تمسّك بها في موارد أخرى منها بالتعبّدي والتوصلي - حيث قال ما حاصله: إنَّ المولى يتمكن أن يصل إلى مراده وهو تقيد الحكم بالعلم به أو الاطلاق إذا كان يريد الاطلاق من خلال فكرة متمّم الجعل ، يعني أنَّ المولى يجعل جعلين اثنين الجعل الأول ينشئ حكماً أوّلاً وهذا الحكم الأول لا مطلق لا مقيد فيقول ( يجب الجهر) من دون أن يقيده بالعلم ولا بغيره ، ثم بعد ذلك إذا أراد التقيد يقول ( يجب الجهر على من علم بالجعل الأوّل ) ، وإذا أراد الاطلاق يقول ( يجب الجهر سواء علم بالجعل الأول أو لم يعلم به ) وهذا توصل إلى نتيجة الاطلاق ، والأوّل توصل إلى نتيجة التقيد.
وفرق هذا البيان عن الذي ذكرناه:- أن ما ذكرناه حكم واحد ولكن توجد جهة إنشاء وجهة فعلية ، أما هذا البيان فيوجد فيه حكمان.