الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/04/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- :- توجيهات تقسيم الشيخ الأعظم القطع الموضوعي الى موضوعي وصفتي، قيام الأمارة مقام القطع – مبحث القطع.

قضية جانبية:- عرفنا أن الشيخ الأعظم والشيخ الخرساني قالا إن القطع الموضوعي قد يكون صفتياً ، ونحن وإن أشكالنا سابقاً ولكن بعد ذلك ذكرنا توجيهاً خامساً وقبلنا هذا التقسيم وهذا يعني أنه قد يكون القطع الموضوعي صفتياً ، والذي نريد أن نقوله الآن: هو أنه هل هذا مجرّد إمكان أو أنّ له أمثلة واقعية ؟

إذا رجعنا إلى الحياة العقلائية والرؤية العقلائية أخذ القطع بالموضوع بما هو صفة لعله بعيد ، فإن العقلاء يأخذون القطع بالموضوع بما هو طريق وكاشف ومحرز للواقع لا بما هو صفة - التي عبّرنا هنا بصفة ركون النفس وثباتها - فإن هذا بعيد.

ولكن قد يقول قائل:- إنَّ له بعض الأمثلة الشرعية:-

المثال الاول:- باب الشهادة ، فإنه قد يستفاد من النصوص أن القطع ما خوذ في موضوع جواز الشهادة بما هو صفة فلا تجوز الشهادة إلا إذا كان الانسان متيقناً وقاطعاً ، وقد دلت على ذلك بعض الروايات :-

الرواية الأولى:- صحيحة معاوية بن وهب (...اشهد بما هو علمك)[1] ، وعلى منوالها رواية علي بن غياث [ بن غراب ]- على اختلافٍ النقل - عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( لا تشهدن بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفك) [2] والتعبير بـ ( كما تعرف كفك ) يعني يكون عندك يقين.

الرواية الثالثة:- ما في الشرائع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد سئل عن الشهادة قال: ( هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع )[3] ، إنَّ هذه الروايات قد يفهم منها أنَّ المدار في جواز الشهادة على القطع واليقين ، فالقطع المأخوذ هو قطع موضوعي صفتي ، هكذا ربما يقال.

وفيه:- إنَّ هذا جيد لو لم تكن لدينا روايات أخرى تدل على قيام الأمارة مقام القطع في جواز الشهادة ، أما بعد قيامها فهذا معناه أن القطع ليس قطعاً موضوعياً صفتياً ، والرواية هي رواية حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال له رجل: إذا رأيتُ شيئاً بيد رجل يجوز لي أن اشهد أنه له ، قال: نعم ، قال الرجل: أشهد أنه في يده ولا أشهد أنه له فلعله لغيره ، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أفيحلّ الشراء منه ؟ فقال: نعم ، فقال أبو عبد الله ، فلعله لغيره ، فمن أين لك أن تشتريه ويصير ملكاً لك ثم تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك ، ثم قال أبو عبد الله: لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق )[4] ، فهذه الرواية تدل على حجية اليد وحجية السوق ، فالقطع المأخوذ في باب الشهادة هو مأخوذ لا بنحو الصفتية بل بنحو الطريقية بقرينة قيام اليد مقامه . هذا بالنسبة للمثال الاول واتضح أنه ليس صفتيا.

المثال الثاني:- الركعتان الأوليان في الصلاة ، فعندنا الشك في الركعتين الأوليين مبطل ، والرواية عللت لأنهما فرض الله والفرض لا يدخله الشك ، بخلاف الأخيرتين فإنهما من الرسول[5] ، فبناءً على هذا يقال إنَّ العلم ما أخوذ بنحو الصفتية.

والجواب:- إنه إذا رجعنا إلى الرواية في هذا المجال نجدها كالتالي ، وهي معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إذا سهوت في الأولتين فأعدهما حتى تثبتهما )[6] ، فهنا قالت الرواية ( إذا سهوت ) يعني اذا شككت ، فالسهو هنا بمعنى الشك ، فإذا شككت بالأولتين فاعدهما حتى تثبتهما ، إنَّ التعبير بجملة ( حتى تثبتهما ) يعني حتى تحرزهما ، فإذن المدار على الجنبة الاحرازية ، وهذا معناه أنَّ القطع ما خوذ بنحو الطريقية لا بنحو الصفتية.

المثال الثالث:- الجهر والاخفات والقصر والاتمام في باب الصلاة إذا جهر في موضوع الاخفات أو العكس ، وكذلك القصر والتمام إذا قصّر في موضع التمام أو العكس إذا كان جاهلاً فيصحر ، واذا كان عالماً فلابد من الاعادة ، إلا إذا كان غافلاً بعد العلم فتصح ، وهذا حكم واضح ، فهذا قد يقال إنَّ العلم هنا مأخوذ بالموضوع بما هو صفة.

والجواب:- صحيحٌ أنَّ العلم مأخوذ ولكن لا بما هو صفة بل بما هو طريق ولو من طريق الرسالة العملية ، فمن الواضحة ذلك ، وإلا يلزم أن يكون كلّ مكلف مجتهدا وعنده قطع في تحقّق العلم الموجب للإعادة ، وهذا معناه أنَّ العلم المأخوذ هو بما هو طريق ولذلك قامت فتوى الفقيه مقام العلم وإلا لو كان مأخوذاً بنحو الصفة لما قامت فتوى الفقيه مقامه.

المثال الرابع:- قاعدة الطهارة ، حيث يقال إنَّ قاعدة الطهارة قد أخذ العلم فيها بنحو الصفتية ، ( كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه نجس ) فإنَّ العلم هنا موضوعي صفتي ، وإذا لم تعلم فانه يكون طاهراً وليس نجساً.

والجواب:- إذا فرض أنه كان عند الشخص خبر ثقة أفلا يكفي ذلك في اثبات النجاسة ؟ أو كانت عنده بيّنة وشهدت على أنَّ هذا نجس هل يكفي هذا أو لا ؟ إنه يكتفي به بلا إشكال ولا يحتمل أحد أنه غير كافٍ ، وحينئذٍ نطبّق قاعدة الطهارة ، وهذا يعني أنَّ القطع لم يكن مأخوذاً بنحو الصفة.

المثال الخامس:- ما أشار اليه الشيخ الاعظم(قده) في الرسائل ، لأنه مثل بمثال من عنده وهو ( كما إذا نذر شخص أن يتصدق على الفقير في كلّ يوم مادام يتيقن أنه حي ) ، فإنه قد يقال إنّ هذا اليقين قد أخذ في الموضوع بنحو الصفتية.

والجواب:- إنه لم يؤخذ بحو الصفتية ، وإنما العلم هنا أخذ بما هو محرز ، يعني حتى أحرز ذلك ، فمقصود الناذر وقوله ( ما دمت متيقناً بالحياة ) يعني مادمت محرزاً الحياة مائة بالمائة ، فهو موضوعي طريقي وليس صفتياً.

إذن تحصيل مثالٍ للقطع الموضوعي الصفتي ربما يكون صعباً جداً ، ولا تشغل ذهنك في جلب المثال لأنه لا يقدم ولا يؤخر.

قيام الأمارة مقام القطع .

هل الأمارة تقوم مقام القطع ؟ ، ومن الواضح أنَّ المقصود هو من دون أن يدل النص على ذلك ، وأما إذا دلّ النص على أن خبر الثقة يقوم مقام القطع فلا إشكال في ذلك ، فلا كلام ، إنما كلامنا هو في حالة عدم وجود نصّ يدل على ذلك ، فهل تقوم الأمارة مقام القطع بمقتضى القاعدة أو لا ؟ ، فنحن ودليل خبر الثقة الذي هو السيرة الممضاة فهل يقوم خبر الثقة مقام القطع أو لا ؟ ، أما إذا جاء نص وقال إن خبر الثقة يقوم مقام القطع فلا إشكال فيه ، فهنا نحن والقاعدة.

المعروف بين الأصوليين أنَّ الأمارة كخبر الثقة تقوم مقام القطع الطريقي الصرف ، وما هو القطع الطريقي الصرف ؟ لأن القسم الأول من القطع هو القطع الطريقي الذي لم يؤخذ في موضوع الحكم أبداً فإنَّ هو هذا القطع الطريقي الصرف ، في قبال الثاني الذي هو القطع الطريقي الذي قسّمناه إلى موضوعي وصفتي ، والصرف هو الذي لم يؤخذ بموضوع الحكم ، ومثال القطع الصرف هو أنَّ حياتنا الاعتيادية قائمة على ذلك فنقول هذا عادل وهذا مجتهد وهذه الدار لفلان وهذا ابن فلان ، ولو قيل لك: من أين لك هذا ؟ فإنك تقول: أنا قاطع بذلك ، هنا لم يؤخذ شيء بموضوع القطع ، فهذا هو القطع الطريقي الصرف المحض ، وقد اتفقت كلمة الأصوليين في أنَّ الامارة تقوم مقام هذا القطع الطريقي المحض ، والوجه في ذلك:- هو أنَّ وظيفة القطع الطريقي المحض هي التنجيز إذا أصاب والتعذير إذا أخطأ ، ومن المعلوم إنَّ الدليل الذي يدل على حجية خبر الثقة كالسيرة إذا انعقدت على حجية خبر الثقة ما معناه أنَّ خبر الثقة حجة ، يعني ينجّز ويعذّر ، وهذا معنى قيام الأمارة مقام القطع في التنجيز والتعذير ، يعني نفس حجيتها يكفي لقيامها ، وإلا إذا لم تقم الأمارة مقام القطع فهذا معناها أنها ليست منجّزة ولا معذّرة ، وهذا معناها أنه ليست حجة ، ولذا اتفقت كلمة الأصوليين أنَّ الأمارة بدليل حجيتها تقوم مقام القطع الطريقي المحض من دون حاجة الى دليل يدل على قيامها مقام القطع.


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج٢٧، ص٣٣٦.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج٢٧، ص321.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج٢٧، ص٣٤٢.
[4] وسائل الشيعة، العاملي، ج٢٧، ص٢٩٢.
[5] وهذه الرواية تدل أنًّ الرسول صلى الله عليه وأله وسلم له حق التشريع.
[6] وسائل الشيعة، العاملي، ج٨، ص١٩١.