الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
39/04/19
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- توجيهات تقسيم الشيخ الأعظم القطع الموضوعي الى موضوعي وصفتي.
التوجيه الرابع:- وربما يوجه التقسيم المذكور بالتوجيه الاتي وهو أنَّ يقال:- إنه تارةً يؤخذ القطع بالموضوعي بما هو كاشف بالدرجة العالية مائة بالمائة ، وأخرى يؤخذ بالموضوع بما هو كاشف ولو أقل من ذلك - يعني تسعين ثمانين بالمئة وليس كاشفاً بالدرجة العالية - فاذا أخذ كاشفاً بالدرجة العالية فحينئذٍ يكون قطعا موضوعياً صفتياً ، وإذا أخذ من دون الدرجة الأعلائية فهذا يكون قطعاً موضوعياً طريقياً[1] .
وفيه:-
إنه إذا أخذ بنحو الكاشفية ولكن لا يلزم أن يكون بالدرجة الأعلائية فهذا في الحقيقة ليس قطعاً وإنما سوف يتحوّل إلى ظن ، ويلزم أيضاً أنَّ الظنون ولو غير المعتبرة تقوم مقام القطع ، والحال أنَّ هذا لا يلتزمه به أحد ، نحن لو كنّا نقول إنَّ الأمارات تقوم مقام القطع الطريقي هي الأمارة الحجة لا كل أمارة ، أما بناءً على هذا - أي أخذ القطع بالموضوع بما هو كاشف بدرجة ناقصة - سوف يقوم كل ظن مقام القطع وإن لم يكن ذلك الظن معتبراً.
إذن يلزم اشكالان على هذا التوجيه.
هذه توجيهات أربعة للتقسيم الذي ذكره الشيخ الأعظم(قد) - أي تقسيم القطع الموضوعي إلى صفتي وموضوعي - وكلّها قابلة للمناقشة.
والأجدر في توجيه التقسيم المذكور أن يقال- وهذا هو التوجيه الخامس-:- إنَّ القطع يشتمل على صفتين أحدهما أنه كاشف عن متعلّقه مائة بالمائة – أي بالدرجة الأعلائية - وهذا واضح ، والصفة الثانية أنه حالة نفسانية تمثّل استقراراً وركوناً للنفس، فالإنسان مرة يوجد عنده يقين وأخرى يوجد عنده ظن أو شك ، والظن والشك عامل للحيرة والتردّد ، أما صاحب اليقين فتراه في حال اطمئنا - ولذا نحن نعتقد بأن الله رؤوف رحيم يقبل التوبة منا وهذا اليقين يجعلنا نعيش في راحة ولذلك المؤمن يعيش من زاويةٍ في راحة وإن كان من زاوية أخرى يعيش القلق فصحيح أنه رؤوف رحيم ولكني أخاف لأنه من قال إنه يقبل توبتي فالمومن لابد أن يكون بين الخوف والرجاء - هذا اليقين هو الركون والاستقرار للنفس وهي حالة طبيعية تكوينية ، إذن توجد للقطع حالتان خصوصيتان تكوينيتان ، خصوصية تكوينية أولى وهي أنه كاشف عن متعلقة مائة بالمائة ، وخصوصية تكوينية ثانية وهي أنه يمثل خصوصية الراحة والاستقرار للنفس ، فاذا أُخذ من ناحية الكاشفية كان قطعاً موضوعياً بنحو الموضوعية ، وإذا أخذ بما هو استقرار للنفس فهذا قطع موضوعي بنحو الصفتية ، وحينئذٍ إذا أخذ بهذا الشكلٍ فلا يقوم مقامه شيء ، بخلاف الأوّل فإنه تقوم مقامه الأمارة.
النتيجة النهائية:- هي أنَّ تقسيم الشيخ الأعظم(قد) للقطع الموضوعي إلى صفتي وطريقي أورد عليه بإشكال تقدم ودُفع هذا الاشكال بتوجيهات أربع قابلة للمناقشة ، ثم ذكرنا توجيهاً خامساً ، فيثبت صحة هذا التقسيم الذي ذكره الشيخ الأعظم (قد).
تقسيم الشيخ الخرساني(قده):- ذكرنا أنه بعد أن ذكر تقسيم الشيخ الأعظم(قده) وقَبِله أخذ بتقسيمٍ آخر وقال:- إنَّ القطع الموضوعي مرّة يكون قطعاً صفتياً بنحو تمام الموضوع ، وأخرى يكون بما هو جزء الموضوع والجزء الآخر هو الواقع ، وهكذا الحال بالنسبة للقطع الموضوعي بنحو الطريقية فتارةً يؤخذ بنحو تمام الموضوع وأخرى بجزء الموضوع ، فهو طريق وهذا الجزء الأوّل والجزء الثاني هو الواقع ، فيصير الواقع مع الطريقية جزئي الموضوع ، هذا تقسيم أضافه الشيخ الخرساني(قده) على تقسيم الشيخ الأعظم(قده) ، وهذا ما ذكرناه سابقاً ، والآن نريد أن نلاحظ أنَّ هذا التقسيم هل يرد عليه اشكال أو هو تام ؟
أشكل عليه العلمان الشيخ النائيني والسيد الخوئي اشكالاً:- وهو أنك قلت إنَّ القطع الموضوعي الصفتي تارةً يكون تمام الموضوع بحيث أنَّ الواقع لا مدخلية له ، وأخرى بنحو جزء الموضوع ، وهذا تام وليس عليه اشكال ، ثم قلتَ: ( وأخرى يكون القطع الموضوعي مأخوذاً بنحو الطريقية وإذا أخذ بنحو الطريقية تارةً يكون بنحو تمام الموضوع وأخرى بنحو جزء الموضوع ) ، وهنا عندنا اشكال ، ووجه الاشكال هو أنَّ القطع إذا أخذ في الموضوع بنحو الطريقية أي بنحو الطريقية إلى الواقع فهذا معناه أنَّ الواقع له مدخلية فكيف يؤخذ بنحو الطريقية ويؤخذ طريقاً بنحو تمام الموضوع فهذا لا يتصوّر أن هذا طريقياً بنحو تمام الموضوع مع الغاء الواقع فإنَّ هذين شيئان لا يتلاءمان ؟ ، فإذن ثلاثة أقسام تامة قسما الصفتي وقسم الموضوعي بنحو جزء الموضوعي، أما بنحو تمام الموضوع وأنَّ الواقع لا مدخلية له فهذا يتنافى مع كونه طريقياً ، فيحصل تنافٍ ، فهذا القسم الرابع ليس بتام[2] .
وفيه:- إنه إنما ذكراه على تخيّل وتصوّر أنَّ المقصود من الطريقية هو ما أخذ الموضوع فيه بنحو الطريقية ، يعني أخذ الطريقية إلى الواقع الخارجي ، وإذا أخذ هكذا فما ذكراه يكون تاماً فإنَّ الغاء الواقع الخارجي يتنافى مع أخذ الطريقية ، أما إذا فسّرنا المقصود من الطريقية - والتي يقصدها الشيخ الأنصاري(قده) - الطريقية إلى الواقع الذهني الذي هو المتعلّق للعلم ، فهو متعلّق للعلم بالذات ، والخارجي متعلّق العلم بالعرض ، فالمتعلّق بالذات هو ما في الذهن ، فعندما قال هو طريق للواقع يعني الواقع الذهني لا الواقع الخارجي، وإلا يلزم أن يوجد ما في الذهن في الخارج أيضاً وبالعكس كما قلنا ، ويلزم أن يكون كل علم مصيب وليس عندنا علم مخطى ، فاذا فسّرنا العلم بالواقع الذهني فلا منافات في القسم الرابع ، والواقع الخارجي لا مدخلية له ، والواقع الذهني لا ينفك ، وهذا شيء معقول ولا بأس به ، فعلى هذا الأساس ما ذكره الشيخ الخرساني(قده) لا بأس به بالشكل الذي أشرنا إليه.