الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/04/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- تقسيم القطع إلى موضوعي وصفتي – مبحث القطع.

وكلا هاتين الاجابتين محل إشكال:-

أما الاجابة الأولى[1] :- فنقول ماذا يقصد من أن العلم نور في نفسه منوّر لغيره فهل يعني أنَّ العلم فيه نوران ؟ فإذا كان العلم نورين فهذا التوجيه يكون تاماً ، فإذا لاحظنا النور الأوّل - يعني العلم في نفسه - كان هذا من القطع الموضوعي الصفتي ، وإذا لاحظنا النور الثاني كان هذا من القطع الموضوعي الطريقي ، بيد أنَّ العلم نور واحد وليس نورين ، نعم العلم من قبيل البياض ، فإنَّنا نقول البياض بياضيته في حدّ نفسه وبنفسه وأما بياضية الأجسام فهي بواسطته ، فهو أبيض بنفسه أما الأشياء فتصير بيضاء بواسطته ، ولكن هذا لا يعني وجود بياضين وإنما هو بياض واحد ولكن هذا البياض الواحد بياضيته بلحاظ نفسه ذاتية فهو بياض وأما بلحاظ الأشياء الأخرى تكون تلك الأشياء بيضاء بواسطته ، والعلم من هذا القبيل ، فالعلم نور واحد ولكن هذا النور الواحد تتنوّر بواسطته الأشياء الأخرى أما نوريته فهي ذاتية لا بواسطة نورٍ آخر ، فإذن النور واحد لا أنه يوجد نوران ، وبناءً على هذا مادام هو نور واحد فحينئذٍ لا يمكن أن نقسّمه إلى صفتي وطريقي ، فإنه من دون أن نلاحظ كونه منّوراً للغير - بأن لاحظناه وحده من دون ملاحظة كونه منّور للغير - فهذا ليس علماً وليس قطعاً ولا يمكن أن يكون علماً ، فإن العلم متقوّم بكونه ينوّر الغير ، فإذا لاحظته في حدّ نفسه من دون ملاحظة كونه منوّراً للغير لم يكن علماً وإنما يكون صفة نفسانية ليست علماً ، ولا يهمنا ما هو اسم هذه الصفة النفسية ولكن هذا ليس هو واقع العلم ، إنما واقع العلم متقوّم بكونه ينوّر الغير فإذا لم نلحظه منوراً للغير - كما في الصفتي فإنَّ الصفتي يلحظ في حدّ نفسه من دون أن يلاحظ كونه منوراً للغير - فهذا لا يكون علماً والمفروض أنه لا يوجد نوران وإنما يوجد نور واحد ، فعلى هذا الأساس لا يمكن أن يكون هذا النور والواحد صفتياً وأن يكون طريقياً ، فإنه إذا لوحظ صفتياً فهذا يعني أنه لوحظ من دون كونه منوّراً للغير وهذا ليس علماً فإنَّ العلم أصلاً ذاته أن يكون منوّراً للغير ، أما إذا لم يكون منوّراً الغير فهو ليس علماً.

وأما الاجابة الثانية[2] فيردّها:- صحيح أنَّ العلم من الصفات الاضافية ولكنه يحتاج إلى مضافٍ إليه ، فأنت تقول عندي علم بعدالة زيد وعندي علم بوجود النهار ، فوجود النهار وعدالة زيد يصير مضافاً إليه ، ونحن نسأل ونقول:- هل المضاف إليه وطرف الاضافة مثل عدالة زيد أو وجود النهار هو الوجود الذهني[3] هو أو الوجود الخارجي ؟ فإذا كان مقصودك هو الوجود الذهني - يعني أنَّ العلم هو من الصفات الاضافية وطرف الاضافة هو الوجود الذهني والصورة الذهنية للشيء - فهذا شيء صحيح ، ولكن أنت قلت قد يلحظ مرة صفتياً وأخرى طريقياً ، وما المقصود من أنه يلحظ صفتياً ؟ يعني بغضّ النظر عن الاضافة ، ونحن نقول: إذا غضضنا النظر عن الاضافة لم يكن علماً ولم يكن قطعاً ، لأنَّ العلم متقوّم بالمعلوم ، فالعلم هنا مثلاً متقوّم بالعدالة ، فإذا لم تلاحظ العدالة فلا علم موجود ، نعم هذه الصفة سوف تصير صفة نفسية ولكنها ليست علماً ، وإنما العلم لابد أن يكون علماً بشيءٍ كأني أعلم بالنهار وأعلم بالعدالة ، فإذا لم تُرِد أن تلحظ الاضافة فهذا أصلاً ليس بعلم وهو غير ممكن.

فإذن لا يمكن تقسيم العلم إلى صفتي وطريقي فإنَّ الاضافة هي نفس العلم ومقوّمة له فإذا قطعنا النظر عنها لا يمكن أن يكون هذا علماً حتى تقول هذا علم صفتي.

وأما إذا كان المقصود من الاضافة هي الاضافة الخارجية - يعني طرف علمنا بالنهار هو وجود النهار خارجاً - فنسلّم أنَّ العلم ليس متقوماً بهذه الاضافة فيمكن أن يتحقق علم من دون وجود النهار خارجاً كما في العلم الخطأي ، فأنا كنت اعتقد أنَّ النهار موجود ولكن النهار لا يوجد في الخارج ، فالعلم موجود متعلّق بالصورة الذهنية لكن في الخارج ليس بموجود ، فنسلّم أنَّ العلم يمكن أن يتحقق من الاضافة الخارجية ولكن مقوّم العلم ليس الاضافة الخارجية بل الاضافة الذهنية ، فإنه لا يمكن أن يكون مقوّم العلم هو الاضافة الخارجية وإلا كان كل علمٍ مصيباً ، لأنه حينما تعلم بجود النهار فيلزم أن يكون النهار موجوداً في الخارج حتى يتعلّق به العلم وسوف يصير كل علم مصيباً وهذا واضح الوهن.

فإذن طرف الاضافة ليس إلا الصورة الذهنية لوجود النهار أو لعدالة زيد دون الصورة الخارجية ، بل لو كان المقوّم هو الوجود الخارجي للزم ما ذكرناه من أنه سوف يصير الذهن موجوداً في الخارج أو أنَّ الخارج يدخل في الذهن.

وهناك توجيه ثالث ربما يظهر من بعض عبارات صاحب الكفاية(قده) وحاصله أن نقول:- إنّه تارة نلحظ العلم بما هو صفة نفسية من دون أن يكون طريقاً إلى المعلوم فهذا يكون علماً موضوعياً صفتياً ، وتارةً أخرى نلحظه بما هو كاشفٌ وطريقٌ إلى المتعلّق فيكون علماً موضوعياً طريقياً ، ونصّ عبارته:- ( لأنَّ القطع لما كان من الصفات الحقيقية ذات الاضافة ..... صح أن يؤخذ فيه[4] بما صفة خاصة وحالة خاصة بإلغاء جهة كشفه ...... كمنا صح أن يؤخذ بما هو كاشف )[5] ، يعني أنَّ الأوَّل هو الصفتي والثاني هو الطريقي.

ويردّه:- إنه إذا لاحظناه بما هو صفة من دون ملاحظة كاشفيته فهذا ليس علماً وإنما هو صفة ذهنية أخرى ، فإنَّ الفارق بين العلم وبين غيره من الصفات الذهنية هو أنَّ العلم دائماً يكون كاشفاً ، فإذا لم نلحظه بما هو كاشف فأصلاً هذا لا يكون علماً ، فإذن لا معنى لأن نلحظه بما هو صفة من دون أن يكون كاشفاً إذ لو لاحظناه هكذا لم يكن علماً ، فإذن هذه الاجابة باطلة أيضاً.


[1] وهي أنَّ العلم نور في نفسه نور في غيره.
[2] وهي أنَّ العلم من الصفات الاضافية فإذا لوحظ في نفسه من دون إضافة كان صفتياً وإذا لوحظ مع الاضافة كان طريقياً.
[3] الوجود الذهني هو الذي يعبر عنه بالمعلوم بالذات، فإن العلم دائماً يتعلق بالصورة الذهنية لأنه أمر ذهني ولا يمكن أن يتعلق في الخارج لأنه إذا تعلق بالخارج فوف يكون ما في الذهن موجوداً في الخارج وبالعكس فالمعلوم بالذات يعني طرف الاضافة هو الصورة الذهنية للعدالة والصورة الذهنية لوجود النهار.
[4] اي في الموضوع.
[5] كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ص263.