الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/04/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث التجرّي – النقطة الثالثة: هل يستحق المتجري العقاب؟ ، النقطة الرابعة: ثمرة بحث التجري- أقسام القطع- مبحث القطع والأمارات والأصول العملية.

سؤال:- ذكرنا أن المتجرّي يستحق العقوبة وفاقاً لصاحب الكفاية؛ لأنَّ ما صدر منه نحو تمرد على المولى، فيستحق العقوبة، هذا ولكن قد يشكل ويقال:- إنَّ هذا الكلام يتم بناءً على ما ذهب إليه السيّد الشهيد وغيره ، لأن للمولى حق الطاعة؛ لأنه منعم، أو مالك أو خالق، فبناءً على أحد هذين المسلكين أو ما يقرب منهما المتجري مستحق للعقوبة لأنه تجرّى على المولى، وأما بناءً على ما اخترناه فيما سبق من أنَّ المنعمية تقتضي حقاً وهو أن يطبّق الشخص كل ما يريده المنعم ولكن هذا الحق لا يصحح له العقاب والتعذيب بالنار فإنَّ هذا أوّل الكلام ، وهكذا المالكية فإنَّ المناسب أن يطيعه وله أن يأمر بكلّ ما يريد أما أنه يُضرب أو يعذب بالنار فهذا أوّل الكلام ، ولذا قلنا أن له أن يعذبنا من جهة أخرى غير مسالة المنعمية وغير مسألة الموجودية وهي أنه عندما خلقنا جعل لنا تكاليف لمصلحتنا وجعل العذاب على مخالفة هذه التكاليف وأيضا هذا العذاب لمصلحتنا، وبناءً على ما ذكرنا لا يصح التعليل الذي ذكرناه وهو أن المتجرّي يستحق العقوبة لأنه تمرّد على حق المولى فإن هذا يتناسب مع مسلك حق المنعمية وحق الموجودية والخالقية ، أما بناءً على ما اخترناه فهذا التعليل لا يتناسب معه ؟

والجواب:- إنَّ المولى حينما وضع التكاليف وشرّعها لصالحنا وجعل النار لصالحنا تولّد له بعد هذا حق غايته أنَّ ذلك الحق ليس لأجل المنعمية ولا لأجل الموجودية والخالقية وإنما لأنه جعل التكاليف ، والمتجرّي حيث إنه علم هذا خمر وهو حرام والمولى وضع الحرمة له فتولدت الحرمة فنشأ وتولد حق للمولى وقد تمرّد العبد على هذا الحق ، فإذن لم يتولّد الحق على مسلك المنعمية كما ذهب إليه المتكلمون أو مسلك الخالقية كما ذهب إليه السيّد الشهيد(قده) فقط ، بل على مسلكنا أيضاً ، فالتعليل تام على جميع المسالك.

النقطة الرابعة:- ما ثمرة البحث عن قبح التجري ؟

اكما عرفنا أنَّ الأصوليين بحثوا مسألة التجري وأنه قبيح أو ليس بقبيح وذهب الشيخ الأنصاري(قده) إلى عدم القبح لأنه يكشف عن سوء السريرة فقط ، وتابعة تلميذه ، والسؤال: هل هناك ثمرة أو لا ؟

الجواب:- يمكن أنهم بحثوا ذلك لا لأجل الثمرة بل لأجل أنهم أرادوا أن يستوعبوا جميع ما يتعلق بالتجرّي وواحد من الأمور هو القبح ، فالهدف لا لأجل وجود ثمرة بل لأجل الاستيعاب ، وهذا ما يحصل عند الأصوليين فأحيانا هم يبحثون لا لأجل الثمرة بل لأجل استيعاب المطلب ، كما يحتمل أنهم بحثوا هذا المطلب بناءً على القبح وبضم قاعدة الملازمة سوف تثبت الحرمة وبهذا تكون له هذه الثمرة.

بيد أن الشيخ العراقي(قده) حاول أن يذكر ثمرة أخرى[1] وهي:- أنه لو فرض قامت أمارة على أنَّ صلاة الجمعة في زمن الغيبة محرّمة والمكلف احتمل أنَّ الرواية ليست مصيبة للواقع فمن باب الاحتياط أتى بصلاة الجمعة برجاء المطلوبية وبعد الاتيان بها اتضح له أنَّ الخبر باطل والصلاة واقعاً مطلوبة فهل صلاته التي أتى بها صحيحة أو لا ؟

إنه بناءً على أنَّ التجري قبيح يكون هذا الفعل قبيحاً فتقع الصلاة باطلة ، وأما إذا قلنا إنَّ التجرّي ليس قبيحاً فتقع الصلاة آنذاك صحيحة ، إذ لا مانع منها أن تكون قربية؛ لأن المفروض أنها ليست قبيحة.

 

الموضوع:- أقسام القطع – مبحث القطع.

والجواب:- إنه مع وجود الأمارة التي تنهى عن الفعل كيف يمكن أن يتقرب به سواء بنينا على أنَّ التجرّي قبيح أم لم نبن عليه ، فلا يمكن الصدور التقرّبي مادامت الأمارة تدل على الحرمة ، نعم إذا كانت الرواية تدل على عدم الوجوب فيمكن ذلك ، فإذن هذه الثمرة باطلة.

 

أقسام القطع

القطع على قسمين ، قطع طريقي، وقطع موضوعي، والفرق بينهما أنَّ القطع الموضوعي هو ما أخذ في موضوع الحكم بحيث لا يثبت الحكم إلا بعد ثبوت القطع ، ومثاله النجاسة فإنه لابد من القطع بنجاسة الشيء حتى يثبت الحكم بالنجاسة ، فكل شيء طاهر حتى تعلم نجاسته ، وأما إذا لم يؤخذ في موضوع الحكم فهو طريقي ، كما إذا قيل ( الخمر حرام ) فالقطع لم يؤخذ كجزء للموضوع ، نعم القطع هو محرز للموضوع ، وأما الحرمة فهي منصبّة على الخمر لا على مقطوع الخمرية ودور القطع دور الطريق، وكل ما تقدم من الكلام هو عن القطع الطريقي وفيما يأتي نتكلم عن القطع الموضوعي.


[1] نهاية الأفكار، العراقي، ج٣، ص42.