الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/04/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث التجرّي - مبحث القطع والأمارات والأصول العملية.

هذا وقد استدل على استحقاق المتجرّي للعقوبة ببعض الوجوه:-

الوجه الأوّل:- ما نقله الشيخ النائيني(قده) في أجود التقريرات[1] عن استاذه الميرزا الشيرازي وقد ذكر الشيرازي(قده) بياناً مطوّلاً مركّب من مقدمات أربع ، ولكن قلنا إنَّ المقدمة الثالثة هي بنفسها تصلح أن تكون وجهاً مستقلاً ، كذلك المقدّمة الرابعة أيضاً تصلح أن تكون وجهاً مستقلاً ، ونحن سنذكر الذي ذكره في المقدّمة الثالثة بعنوان الوجه الأوّل ، ثم بعده نذكر الوجه الذي ذكره هو بعنوان المقدمة الرابعة بعنوان الوجه الثاني:-

الوجه الأوّل - أي المقدّمة الثالثة- :- وحاصله: إنَّ المدار في وجوب الاطاعة واستحقاق العقوبة هو على العلم بالتكليف فمن علم أنه يجب عليه كذا تجب عليه الاطاعة ويستحق العقاب إذا خالف من دون مدخلية لمصادفة القطع للواقع وعدم مصادفته ، فإن المصادفة للواقع ليست شرطاً لاستحقاق العقوبة ووجوب الاطاعة بل المدار على العلم بما هو علم ، والدليل على ذلك هو أنه إذا كانت المصادفة شرطاً لوجوب الاطاعة واستحقاق العقوبة على المخالفة فلازمة عدم وجوب امتثال أي تكليف من التكاليف ، لأنَّ غاية ما يحصل العلم وأنا لا أجزم أنَّ علمي هذا مصادف للواقع ، فلا يلزم الامتثال إذا كانت المصادفة شرطاً ، إذن المصادفة ليست شرطاً لوجوب الاطاعة واستحقاق العقوبة وإنما المدار على العلم بالتكليف بما هو علم أما كونه مصادف أو لا فليس بمهم ومن الواضح أنَّ العلم بالتكليف ثابت في مورد التجرّي فإنه عالم بالتكليف فيستحق حينئذٍ العقوبة لأنَّ المدار على العلم وهو عالم غايته أنعلمه لا يصادف الواقع ولكن قلنا إن استحقاق العقوبة تدور مدار العلم وليس مدار مصادفة العلم للواقع.

أجاب الشيخ النائيني عن كلام استاذه وقال:- صحيح أنَّ وجوب الاطاعة واستحقاق العقوبة يدور مدار العلم ولكني أقول إذا لم يكن مصادفة فهذا ليس بعلم بل هو جهل ، فإذن لا يوجد علم ، فنحن نسلّم أنَّ المدار على العلم كما قال ولكن نقول إنَّ العلم يحصل إذا كانت هناك مصادفة أما إذا لم تكن مصادفة فهذا جهل فإذا كان هذا جهلاً فلا تجب الاطاعة ولا استحقاق للعقوبة.

ونحن نقول:-

أما ما أفاده الشيخ النائيني(قده) فجوابه:- نحن عن أي علمٍ نتكلّم فهل نتلكم عن العلم المنطقي ؟ نعم يوجد كلام بين المناطقة أو الفلاسفة أنَّ العلم يشمل كل الاعتقاد أو بشرط المطابق ؟ ، هذه اصطلاحات ولنتركها جانباً ، إنما المقصود من العلم هنا هي حالة الجزم فإذا كان يوجد عندي جزم مائة بالمائة فها يعبر عنه علم ، وإذا قلت إنَّ التعبير بالعلم ليس بصحيح ، فأقول أنا أقبل بذلك ولكن نقول فلنعبر عنه بالجزم ، فإنَّ شرط ثبوت التكليف ووجوب الاطاعة واستحقاق العقوبة على المخالفة هو الجزم ، يعني أنَّ الميرزا الشيرازي حينما عبّر بالعلم فليس مقصوده هو العلم المنطقي وإنما مقصوده هو الجزم مائة بالمائة فلا لمناقشته في أنه إذا لم تكن مطابقة فذها جهل وليس علماً.

وأما بالنسبة إلى ما افاده الميرزا الشيرازي فيرد عليه:-

أوّلاً:- إنه قال إنَّ المدار في استحقاق المؤاخذة على العلم بالتكليف وإن لم يكن مصادفاً للواقع إّلا المصادفة لو كانت شرطاَ يلزم عدم وجوب امتثال أي تكليف من التكاليف ، ونحن نقول:- إنَّ هذا غريب منه ، وإنما المصادفة للواقع شرط ، لأنَّ كل شخص جازم بشيء - عالم بشيء - فهو جازم بالمصادفة للواقع ، أما إذا لم يكن جازماً بالمصادفة للواقع فلا جزم عنده ، هذا من الأمور البديهية ، يعني أنا حينما أعلم - أجزم - بأنه الآن نهار فأنا أجزم بالمصادفة في نفس الوقت أما إذا لم اجزم بالمصادفة وإنما كانت هناك ذرة احتمال لعدم المصادفة فلا جزم عندي، فإذن المصادفة شرط وقولك أنه يلزم عدم وجوب اطاعة أي تكليف مردود فإنَّ أي جازم إذا جزم بشيء فهو يجزم أن جزمه مطابق للواقع وإلا لم يكن جازماً فيجب عليه الامتثال حينئذٍ لأنه جازم بالمطابقة.

ثانياً:- أنت قلت إذا كانت المصادفة شرطاً فإذن لا يجب امتثال اي تكليف ، ونحن نقول:- لنسلّم لك أنَّ ما قلته صحيح وسوف تصير النتيجة هي أنَّ الامتثال واجب في كل علم وإن لم يكن مصادفاً ، إلا أنَّ كلامنا في باب التجرّي ليس في وجوب الامتثال وإنما في العصيان ، ولا محذور أن يدور العصيان مدار أمرين هما العلم زائداً المصادفة.

فإذن نفرّق بين الامتثال وبين العصيان ففي الامتثال نقول يجب مطلقاً ، فليست المصادفة شرطاً بل متى ما جزم الشخص وعلم كفى ذلك لوجوب الامتثال ، أما إذا عصى فهو يستحق العقوبة شريطة أمرين وهو أنه يوجد عنده جزم زائداً مصادفة للواقع .

فإذن أنت غاية ما ذكرته يأتي في وجوب الامتثال بينما كلامنا هو في عصيان المتجرّي ، فإذن قياس هذا على ذاك في غير محلّه.

 


[1] هذا قد ذكرناه سابقاً.