الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/03/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث التجرّي - مبحث القطع والأمارات والأصول العملية.

الرأي الثالث:- وهو الصحيح ، وهو ما ذهب إليه غير واحد من الأعلام منهم السيد الخوئي(قده) والسيد الشهيد(قده) ، وهو أنَّ العفل المتجرّى به هو بنفسه قبيحاً وصدوره أيضاً يكون قبيحاً ، ونحن قد ذكرنا أنَّ قبح الصدور يسري إلى قبح الفعل ، وقد قلنا إنَّ هذه قضية سيّالة في جميع الموارد فإنَّ قبح الصدور يسري إلى الفعل فيصير الفعل قبيحاً ، وحسن الصدور يسري إلى الفعل فيصير الفعل حسناً ، حتى في الصدق والكذب هذا الأمر سيّال فيهما ، ومستند ذلك هو الوجدان ، فالكذب إذا لم تكن هناك ضرورة في صدوره فسوف يكون صدروه قبيحاً والفعل قبيح أيضاً وهذا القبح جاء بسبب قبح الصدور.

بهذا انتهينا من النقطة الأولى في مبحث التجرّي.

النقطة الثانية:- هل الفعل المتجرّى به حرام أو لا ؟

وقبل أن ندخل في هذا البحث نقول: إنَّ هذا البحث أليق أن يكون فقهياً ، كما أنَّ البحث عن القبح أليق أن يكون عقلياً ، والبحث عن استحقاق المتجرّي للعقاب أليق أن يكون كلامياً ، ولكن حيث إنَّ الأصوليين ذكروا مبحث التجرّي هنا والحال أنَّ المباحث التي تبحث فيه هي إما عقلية أو كلامية أو فقهية فلا بأس بالاشارة إليها هنا .

فإذن الكلام يقع في حرمة الفعل المتجرّى به - وإن كان الأليق أن يكون هذا البحث فقهياً كما ذكرنا - ، كيف نثبت حرمة الفعل المتجرى به ؟

نقول:- تارةً نثبت حرمة الفعل المتجرّى به من خلال الأدلة الأولية ، يعني دليل حرمة الخمر به نثبت حرمة الفعل المقطوع بكونه خمراً وإن كان في الواقع هو ماءً فذاك الدليل الأولي الذي يقول ( يحرم شرب الخمر ) هو بنفسه نثبت حرمة هذا الفعل المتجرّى به ، وتارة نتمسّك بقاعدة الملازمة - وسيأتي بيانها ، وتارة بالأخبار الواردة في باب التجرّي .

فإذن هذه ثلاث طرق لإثبات حرمة الفعل المتجرّى به.

التمسّك بالأدلة الأولية:- ربما يقال: إنَّ نفس دليل وجوب الاجتناب عن الخمر هو يدل على حرمة ما يقطع بأنه خمر رغم كونه ماء في الواقع ، وذلك ببيان:- أنَّ كل تكليف مجعول من قبل الله عزّ وجلّ هو بداعي التحريك ، فـالداعي إلى جعل ( أقيموا الصلاة ) هو تحريك المكلف نحو الصلاة ، والتحريك لا يكون نحو ذات الشيء - أي نحو ذات الخمر - فعلاً أو تركاً فإنَّ الذوات ليست قابلة للتحريك نحوها فعلاً أو تركاً ، وإنما القابل للتحريك هو إرادة الانسان ، فالله عزّ وجلّ من خلال التكليف يريد أن يحرّك إرادة المكلّف نحو فعل الصلاة ونحو ترك شرب الخمر ، والارادة تتأثر بالقطع بالشيء دون الوجود الواقعي وهذا ما قد يعبّر عنه بأنَّ التحريك والتحرّك فرع الوجودات العلمية دون الوجودات الخارجية ، يعني لو كنت جالساً في مكان فإذا لم أكن أعلم بأنه يوجد أسد خلفي فسوف أجلس وأتكلم في تمام الراحة ولا أتحرك ، ولكن إذا علمت ولو اشتباهاً وليس حقيقةً وإنما تصوّرت وقطعت يأنه يوجد أسد فحينئذٍ سوف أهرب ، فإذن حركات الانسان تابعة للعلم وليس للوجود الحقيقي للشيء.

فإذن فهمنا أنَّ التكليف مجعول بداعي التحريك ، والتحريك لا يكون لذات الشيء وإنما يكون للإرادة والارادة تتأثر بالقطع ولكن مطلق القطع ولو كان مشتبهاً.

ثم نقول:- إذن التكليف دائماً - يعني وجوب الاجتناب عن الخمر - الغرض منه تحريك المكلّف نحو إرادة ترك الخمر المقطوع ولو بالقطع الخاطئ ، ولا يمكن أن يدور مدار القطع المصيب بأنَّ يقول المولى ( تحرّك عن قطعك المصيب للواقع في علم الله ) فإني أجيب وأقول إنَّ هذا خارج عن الاختيار ولا يمكن إناطة التكليف بالشيء الخارج عن الاختيار ، فما يدريني أنَّ هذا القطع مصيب للواقع ؟!!.

وسوف تصير النتيجة:- هي أنَّ الدليل الأوّلي لحرمة شرب الخمر يدل على حرمة شرب مقطوع الخمرية ولو كان بالقطع الخاطئ ، فإذن استفدنا من الدليل الأوّلي حجية القطع الخاطئ ، وهذا البيان مركّب من أربع مقدّمات:-

الأولى:- التكليف مجعول بداعي التحريك.

الثانية:- التحريك لا يكون نحو ذوات الأشياء فإنها ليست قابلة لذلك وإنما التحريك دائماً يكون للإرادة.

الثالثة:- الارادة تابعة للعلم لا لواقع الشيء.

الرابعة:- ليس المدار في تحرّك الارادة على العلم المصيب فإنَّ تعليقها على القطع الصيب هو تعليق على شيءٍ خارج الاختبار فلا يمكن.

وبهذا سوف يثبت أنَّ الأدلة الأوّلية لجميع المحرّمات هي تثبت حرمة الفعل المتجرّى به ، يعني المقطوع بالقطع الخاطئ أنه خمر مثلاً.

وهي محاولة ظريفة بغضّ النظر عن نقاط الخلل فيها.