الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
39/03/07
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- حجية القطع.
وهل حقّ الطاعة يختص بحالة القطع أو يعم حالة الظن والاحتمال ؟
وفي الجواب نقول:- إذا سلّمنا بقاعدة قبح العقاب بلا بيان فيلزم من ذلك أنَّ حق الاطاعة بنحوٍ له التعذيب يكون ضيقاً بحالة القطع لأنه يقبح العقاب بلا بيان أي بلا قطع ، أما إذا أنكرنا قاعدة قبح العقاب بلا بيان وقلنا هي بلا أساس - كما سوف نثبت ذلك - فلا محذور في أن نقول إنَّ حق الاطاعة يشمل حتى حالة الشك بعدما فرض أنَّ العقل لا يحكم بمؤمّنية الشك ، فعلى هذا الأساس يكون هذا حق الطاعة الموجود وسيعاً ، ومن هنا سوف ننتقل إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان لنلاحظ هل هي تامة أو ليست بتامة ، ومدّعانا أنها ليست بتامة عقلاً ولا عقلائياً.
وقبل أن نبيّن ذلك نود الاشارة إلى شيء:- وهو أنَّ الألفاظ الإعلام في مجالاته له تأثير ، فالطالب حينما يسمع بأنه ( يقبح العقاب بلا بيان ) لا يسأل عن مدرك ذلك وإذا أراد أن يسأل عن مدرك ذلك نستغرب منه فإنه إذا لم يكن هناك بيانٌ فمن الواضح أنه لا يصح العقاب ، وهل يصح العقاب على الشيء المجهول ؟!! ، إنَّ أصحاب هذه القاعدة استعانوا بكلمة البيان ، ولكن ولابد من تصحيح المصطلحات والألفاظ ، فمن المناسب أن تحذف كلمة ( البيان ) وتستبدل بكلمة ( العلم ) أو ( القطع ) فيقال ( يقبح العقاب بلا قطع وإن كان هناك ظنّ بدرجة سبعين أو ثمانين فإنه مادام لا يوجد قطع مائة بالمائة أو ما هو بمثابة العلم وهو الاطمئنان فيقبح العقاب ) ، فإذا أبدلنا كلمة البيان بالقطع فهل تبقى من المؤيدين لهذه القاعدة ؟! كلا ، بل يصبح أصحابها قليلون وإنما توصل أصحاب هذه القاعدة إلى قبول الفضلاء والأعلام والطلبة بلفظ ( البيان ) فلاحظ كم هو تأثير الألفاظ فالتفت إلى هذه القضية فإن البيان هنا يقصدون منه خصوص القطع يعني يقبح العقاب بلا قطع وإن كان هناك ظنٌّ بدرجة ثمانين بالمائة وتسليم أحد بهذا أوّل الكلام ، بل لا أقل يشك لا أنه يقطع بها ، وهذه قضية مهمة يجدر الالتفات إليها.
وبعد الالتفات إلى هذا نرجع إلى أصل الموضوع:- فقد قلنا إن قاعدة قبح لعقاب بلا بيان ليست تامة لا عقلاً ولا عقلائياً :-
أما أنها ليست تامة عقلاً:- فلأنه ما يستدل به من العقل عليها وجوه نذكر منها ثلاثة:-
الوجه الأوّل:- ما ذكره الشيخ النائيني(قده)[1] وحاصله:- إنه لا مقتضي للتحرك عن التكليف إذا لم يصل ، وإذا لم يُعلَم به فحينئذٍ هو لم يصل ، فلا مقتضي للتحرك عنه ، وبالتالي تكون العقوبة عقوبة على ما لا مقتضي للتحرّك عنه.
والمناقشة واضحة فإننا نقول:- إنَّ المقدمة الأولى مسلّمة - وهي أنه لا مقتضي للتحرك إذا لم يصل - أما أنك تقول ( إذا لم يعلم به فلم يصل ) فهنا نقول إنَّ هذا معناه أنك فرضت أنَّ الوصول يتحقق بالعلم فقط ، ومن أين لك هذا ؟!! فإنَّ هذا عين المتنازع فيه ، بل لنقل إنَّ الظن والشك مرتبة من مراتب الوصول فإنَّ الوصول له مراتب مرتبة قوية ومرتبة أخف وكلّها نحو من الوصول ، فإذن لا يمكن أن تقول إذا لم يُعلَم فهو بالتالي لم يصل والعقاب لا يصحّ لأنه عقاب على ما لا مقتضي للتحرّك عنه.
الوجه الثاني:- ما ذكره الشيخ الأصفهاني(قده)[2] وحاصله: إنَّ جميع أحكام العقل العملي ترجع إلى قضية واحدة وهي حسن العدل وقبح الظلم ، والظلم عبارة عن مخالفة ما قامت عليه الحجّة ، وحيث إنَّ الحجة هو العلم والقطع فعلى هذا الأساس يقبح العقاب على التكليف عند عدم الحجة يعني عند عدم العلم يعني قبح العقاب بلا بيان.
والجواب عليه واضح حيث يقال:- إنَّ المقدمة الأولى مقبولة - وهي أنَّ جميع أحكام العقل العملي ترجع إلى قضية حسن العدل وقبح الظلم - ، وكذلك نقبل المقدمة الثانية - وهي أن الظلم يكون بمخالفة التكليف عند قيام الحجة عليه - ولكنه حصر الحجّة بخصوص العلم ، ولكن من قال إنَّ الحجة هي خصوص العلم فقط فإنَّ هذا أوّل الكلام.
الوجه الثالث:- وهو للأصفهاني(قده)[3] وحاصبه: إنَّ التكليف ينقسم إلى قسمين حقيقي وغير حقيقي ، والحقيقي ما أُنشِئ بداعي التحريك ، فإذا أنشأ المولى تكليفاً بداعي تحريك المكلف فهو تكليف حقيقي أما إذا لم يوجد داعياً للتحريك فهذا ليس تكليفاً حقيقياً كما في الامتحان فإنه قد يقال ليس الداعي هو التحريك بل غيره فهذا لا يكون تكليفاً حقيقياً ، والتحريك فرع وصول التكليف ، إذ مع عدم الوصول لا يمكن التحرّك ، والوصول فرع العلم ، فمع عدم العلم لا وصول ، فلا يمكن التحرك ، فلا يمكن أن يكون التكليف مجعولاً بداعي التحريك ، فإذن لا تكليف حقيقي ، فإذن ينتفي العقاب من باب أنه لا تكليف حقيقي حتى يصحّ العقاب عليه ، لأنه لا يمكن التحرك بعد فرض عدم الوصول.
وجوابه واضح أيضاً حيث يقال له:- صحيح أنَّ العقاب يكون على التكليف الحقيقي ، يعني المجعول بدعي التحريك والتحرّك فرع الوصول ، أما انك حصرت كون الوصول لا يكون إلا بالعلم فهذا هو أوّل الكلام.
فإذن هذه الأدلة العقلية محلّ تأمل.