الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/03/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حجية القطع.

وفي هذا المجال نقول:- نحن نسلّم بأنَّ الله عز وجل له حق الاطاعة علينا كمسلمين ، ولكن لم له حق الاطاعة علينا ؟ هناك احتمالات:-

الاحتمال الأوّل:- إنه تعالى منعم علينا ، وما دام منعماً علينا فشكر المنعم واجب عقلاً وذلك يتحقق بإطاعته ، ولعلّ هذا هو طريق المتكلمين.

ولكن يمكن أن يقال:- صحيح أنَّ شكر المنعم واجب ولكن شكره بمعنى أنه ما يريد يلزم لزوماً أدبياً وأخلاقياً ، فهذا لزوم أدبي خلاقي وهو أنَّ أطيعه ، أما لو لم اطعه فهل له الحق في أن يعاقبني وهل يتولّد له الحق في عقوبتي ؟! كلا وإنما هو حق أدبي أخلاقي أما أنه يتولد له حق العقوبة بحيث يعذبني بالنار لو خالفته ولم أطعه فهذا ليس بواضح وهو أوّل الكلام.

الاحتمال الثاني:- أن تجب اطاعته من باب أنه خالقنا وموجدنا.

وفيه:- إنَّ مجرّد خالقية الشيء لا يقتضي ثبوت الحق له ، نعم بما أنَّ الخالقية تستلزم المنعمية فيجب الاطاعة آنذاك ، وبناء على هذا رجعنا إلى المنعمية ولم تصر الخالقية بما هي هي عاملاً مستقلاً لوجوب الاطاعة بل ترجع إلى المنعمية ، فخالق الشيء تجب اطاعته على المخلوق لا بما هو خالق له وإنما بما أنَّ الخالقية تستلزم المنعمية فرجع هذا إلى الاحتمال الأوّل فيرد عليه ما أوردناه على الاحتمال الأوّل.

الاحتمال الثالث:- أن يكون منشأ وسبب وجوب الاطاعة هو المالكية ، يعني لأنَّ الله عزّ وجلّ مالكنا لا أنه منعم فقط ولا من حيث أنه خالقنا وإنما هو مالكنا ومالك الشيء له الحق في أن يصنع ما يشاء في مملوكه ويتصرّف فيه.

وربما يظهر هذا الاحتمال من السيد الطباطبائي(قده) في الميزان في تفسير سورة الحمد في الآية ﴿ الرحمن الرحيم ملك يوم الدين ﴾ هنا قد يلوح منه هذا المطلب وهو أنَّ مالك الشيء بالملكية الحقيقية - لا الملكية الاعتبارية كملكيتنا فإنها اعتبارية - له حق التصرّف فيه كما يشاء.

ونذكر جملة معترضة:- وهي أنني سمعت من السيد الشهيد(قده) ذكر مطلباً في مجلس درسه لكنه لم يعاود عليه ثانية بل ولم يُشَر إليه في شيء من كتبه وتقريراته ولكنه ذكره قطعاً وهو أنه كان في صدد الاستدلال على أنَّ الاحتمال منجّز أنَّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان باطلة ، والذي ذكره هو أنه قال إنه لو أردنا تدخين سيجارة مثلاً فإنَّ هذه اليد التي تمسك بها السيجارة هي ملك الله تعالى والشفتين ملك الله تعالى والصدر أيضاً ملك لله تعالى ولا يجوز التصرّف في ملك الغير إلا مع احراز إذنه.

وبعد مرور فترة سألته عن ذلك وقلت له إنك ذكرت هذا يوماً من الأيام ولكن تركته فيما بعد فتبسّم وسكت ففهمت أنه قد أعرض عن ذلك.

وفي الجواب على الاحتمال الثالث نقول:- صحيح أننا مملوكون لله تعالى بالملكية الحقيقية أما أنَّ المالك الحقيقي له الحق في أن يتصرّف في مملوكه بأن يدخله النار ويعذبه فهذا أوّل الكلام ، إلا اللهم أن تقول إنَّ المالكية ناشئة من الموجدية والموجدية تستلزم المنعمية فرجعنا إلى الأوّل ، أما أنه لا نرجع الى الاحتمال الأوّل ونبقى مع الثالث ونقول إنَّ نفس الملكية الحقيقية تقتضي وجوب الاطاعة بحيث من حق المالك الحقيقي أن يعذب كما يشاء فهذا أوّل الكلام وعقلنا لا يحكم بذلك فإنه ليس من الأمور البديهية.

والأنسب أن يعلل وجوب الاطاعة بتعليل آخر وذلك بأن يقال:- إنَّ الله تعالى أوجدنا وخلقنا لمصلحة - ولا يمهنا ما هي تلك المصلحة ولو أنَّ تلك المصلحة هي الارتقاء إلى المراقي العالية والجنان الخالدة - وكلّفنا بالتكاليف لمصلحةٍ أيضاً - وهذا أيضاً مسلّم - وحكم بدخول النار على من خالف تلك التكاليف أيضاً لمصلحة ترجع الى العبد ، فعلى هذا الأساس وجوب الاطاعة ينشأ لا من حيث أنه موجدنا وخالقنا ومنعم علينا بل لأجل الفرار من النار التي توعّد بها من عصاه ، فعقلاً يجب أن تطيعه لا لأجل أنه خالق أو منعم وإنما لأجل أن لا يدخلك النار إذا لم تطع وهو قد قال لك إذا لم تطع فسوف أدخلك النار ، والقدر المتيقن من ذلك هو حالة القطع بالتكليف ففي مثل هذه الحالة هو القدر المتيقن من حكم لعقل بأنه لا تجوز المخالفة وإلا استحققت دخول النار.