الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
39/02/08
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مبحث القطع والامارات والأصول العملية.
السؤال الثاني:- هل هذا التقسيم الثلاثي يعمّ غير البالغ أو يختص بالبالغ ؟ فمثلاً يقال إنَّ فخر الدين صار مجتهداً قبل بلوغه ، فهو غير بالغ ولكنه مجتهد - وإلا لو فرضناه غير مجتهد فهذا يدخل في السؤال الأوّل - ، وسؤالنا هو أنَّ هذا التقسيم الثلاثي هل يختص بالبالغ أو يعم غير لبالغ لو كان مجتهداً ؟
والجواب:- يمكن أن يقال بالتعميم ، إذ لا موجب لاختصاصه بخصوص البالغ فإنه مجتهد حسب الفرض ، فإذا حصل له أحد هذه الأمور الثلاثة من علمٍ أو ظن معتبر فيأخذ به وإذا شك تمسك بالأصل العملي فإنه لا مانع من ذلك .
أجل كيف نتصوّر صغرى هذا البحث ؟ فالمفروض أنه غير بالغ وإذا لم يكن بالغاً فلا حكم في حقّه حتى يكون القطع بهذا الحكم أو الظن المعتبر منجزاً لأنه لا حكم في حقه لأنَّه ( رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ).
والجواب:- يمكن أنَّ يتصوّر ذلك في بعض الحالات ، كما إذا فرض أنه شك هل يتحقق البلوغ بدخول السنة الخامسة عشرة أو بإكمالها ، فهو حينئذٍ يشك في أنَّ البلوغ يتحقق في حقه أو لا وبالتالي هل الأحكام ثابتة في حقه بحيث يلزمه أن يصلّي ويصوم ، فبناءً على أنَّ هذا التقسيم الثلاثي يشمل غير البالغ سوف يشمله حينئذٍ حتى لو لم يكن بالغاً واقعاً لأنه سوف يتصوّر ذلك في حقه ، أو نفترض أنه يشك هل يتحقق البلوغ بإنبات الشعر ولو غير الخشن على العانة أو بشرط أن يكون من الخشن ، فإذن يتصوّر الشك حينئذٍ ، وفي مثل هذه الحالة يرجع إلى ما تقتضيه الأدلة ويعمل بذلك ، وحينئذٍ في مقتضى الأدلة أن يقال عندنا دليلان دليل ( أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة و ....... ) وهو بإطلاقه شامل للبالغ وغير البالغ وجاء مخصّص أخرج غير البالغ - وهو حديث رفع القلم - ونشك في هذا المخصص بين السعة والضيق فهل البالغ وسيع يشمل حتى من دخل في السنة الخامسة عشرة ولو لم يكملها أو أنه ضيّق يختص بمن أكملها ، وهذا معناه أنَّ أمر المخصّص دار بين السعة والضيق مفهوماً فهو مجمل مفهوماً ودار أمره بين السعة والضيق وفي مثل هذا نتمسّك بعموم العام في مورد الشك ، يعني لا يمكن التمسّك بالعام في المقدار المتيقن الذي خرج بالمخصّص ، والذي خرج بالمخصّص جزماً هو من لم يدخل في السنة الخامسة عشرة وهذا قدر متقين ، وكذلك الذي أكمل السنة الخامسة عشرة هو قدر متيقن أنه بالغ ، أما من دخل في السنة الخامسة عشرة ولم يكملها فهل دليل الخاص يشمله أو لا يشمله ؟ فحيث إنه مشكوك فنتمسّك بعموم العام ، وسوف تصير النتيجة أنه تجب عليه الصلاة والصوم وما شاكل ذلك وإن لم يكمل السنة الخامسة عشر ، ولا تصل النوبة إلى الاستصحاب ، لأنه قد يقول قائل:- إنه يوجد طريق آخر لإثبات عدم الوجوب فإنه سابقاً حينما كان عمره أربعة عشر سنة لم يجب عليه والآن نشك هل وجب عليه أو لا فنستصحب عدم الوجوب ، وجوابه قد اتضح:- وهو أنه مع وجود الدليل الاجتهادي وهو عموم العام لا يمكن التمسّك بالاستصحاب.
وعلى أيّ حال هذا ليس مهماً لنا الآن ، لأنَّ هذه القضية - وهي أنَّ الأدلة ماذا تقتضي - نتركها إلى فخر الدين لأنه مجتهد ، ولكن لو كنّا مكان فخر الدين لكنّا نقول إنَّ المناسب هو التمسّك بعموم أدلة الأحكام ، لأنَّ المخصّص يدور أمره بين السعة والضيق فيتمسّك بعموم العام في مورد الشك ، ومورد الشك عندنا هو من دخل في السنة الخامسة عشرة لم يكملها فنتمسّك بعموم العام.
توجيه عملية الافتاء:-
توجد في عملية الافتاء - أي في بعض مساحتها - مشكلة عليمة ، وتوضيح ذلك:- إنه لا إشكال في أنَّ المستفاد من الأدلة ان المجتهد يجوز له الافتاء - أو يجب عليه على كلام - ويجوز للعامي بل يجب عليه التقليد وهذا مما لا كلام فيه ، وإنما الكلام فيما إذا فرض أنَّ المجتهد أراد استنباط حكم يرتبط بالنساء مثلاً ، كما إذا فرض أن المجتهد شك في حكم المرأة وأن حيضها ينتهي بالنقاء أو بعد الغسل فماذا يصنع ؟ إنه إن كانت هناك آية أو رواية يستفاد منها أنَّ الطهارة تحصل بالنقاء بلا حاجة إلى غسل فلا مشكلة ، أو فرض أنه دلّ على أنَّ الطهارة لا تحصل إلا بالغسل ولا يكفي النقاء فلا مشكلة أيضاً ، إنما المشكلة فيما إذا لم يكن هناك دليل اجتهادي وانتهت النوبة إلى الاستصحاب ونحن نعرف أنَّ الاستصحاب يحتاج إلى يقين وشك ، حينئذٍ نقول: كيف يستصحب الفقيه هنا ؟ فهل يستصحب الحكم الثابت في حقّ نفسه ؟ والمفروض أنه لا يقين بثبوت حكمٍ في حقه وإنما اليقين بثبوت الحكم في حقّ المرأة لأنها هي التي تحيص وتنقى ، فهو ليس لديه يقين سابق بالحكم وشك لاحق حتى يستصحب ، أو أنَّ الاستصحاب يجري بلحاظ المرأة والمفروض أنها غافلة وليس عندها يقين وشك إذ هي أصلاً لا تلتفت إلى أنَّ الطهارة تحصل بالنقاء أو بالغسل فهي لا يوجد عندها شك فعلي ، فعلى هذا الأساس كيف يستصحب بلحاظها ؟
وإذا قلت:- إنه يلاحظ الشك التقديري ، يعني يقال: هي لو التفتت فسوف يحصل لها الشك فيجري الاستصحاب.
أجبنا:- بأنَّ ظاهر دليل ( لا تنقض اليقين بالشك ) هو اليقين الفعلي والشك الفعلي والشك هنا ليس شكا ًفعلياً وإنما هو شك تقديري فلا يكون مشمولاً لروايات ( لا تنقض اليقين بالشك ) ، فإذن كيف يجري الفقيه الاستصحاب وبالتالي كيف يفتي ؟