الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/02/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- تتمة البحث الثالث عشر ( أنحاء التمسك بالإطلاق ثلاثة) ، مبحث القطع - الاطلاق ومقدمات الحكمة.

والذي نريد أن قوله:- إنَّ ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) يبتني على أنه عند الدوران بين التخصيص والتخصص فالأصل عدم التخصيص فيثبت بذلك التخصّص والخروج الموضوعي ، أما لماذا استدلاله موقوفاً على هذه المقدّمة ؟ وذلك باعتبار أنه في المورد الأوّل - يعني الذي اشترى الجارية وأراد النظر إلى بدنها - فصحيح أنَّ الروايات قد دلت على جواز النظر ولكن هذا لا يلزم منه أن يكون مالكاً ، فلعله ليس بمالك ورغم ذلك يجوز له النظر من باب تخصيص قاعدة ( لا يجوز لغير المالك أن ينظر إلى الجارية ) ، فهذه القاعدة الكلية طرأ عليها تخصيص ، يعني من اشترى جارية ففي الثلاثة أيام رغم أنها ليست ملكاً له لكن يجوز له النظر إليها بل يجوز له أكثر من ذلك فإنَّ الأحكام الشرعية بيد الشارع ، وهذا الاحتمال موجود ، ومع وجوده لا يمكن أن نستنتج أنَّ المشتري مالك في فترة الخيار.

ولا طريق لك في التخلص من هذا الاشكال إلا أن تقول دفاعاً عن الشيخ الأعظم(قده):- صحيح إنه يوجد احتمال تخصيص لهذه القاعدة ولكن في نفس الوقت يحتمل التخصّص والخروج الموضوعي.

وكيف يصير التخصص هنا ؟

إنَّ موضوع القاعدة هو ( لا يجوز لغير المالك النظر المثير ) فنقول هنا يوجد تخصّص يعني هو مالك وهذا خروج موضوعي ، فكما يحتمل أنه ليس بمالك ويجوز له النظر تخصيصاً يحتمل أيضاً أنه خارج موضوعاً من القاعدة يعني هو مالك ، وعند الدوران بين التخصيص والتخصّص الأصل هو عدم التخصيص فيثبت التخصّص يعني أنه مالك ، ولكن قد قلنا إنَّ هذه القاعدة ليست ثابتة.

فإذن هذا إشكال يسجّل على الشيخ الأعظم(قده) فإنَّ تمامية الاستدلال والانتقال من جواز النظر إلى أنه مالك في فترة الخيار يحتاج إلى ضمّ هذه القاعدة وهي ليست بثابتة.

وأما دليله الثاني:- فالكلام نفسه أيضاً حيث نقول إنَّ هذا يتوقف على ضم هذه القاعدة وهي ( أنَّ نماء المبيع لا يكون لغير المالك ) ، فحينئذٍ نقول: يحتمل وجود تخصيص هنا فنقول صحيحٌ أنَّ نماء العين لا يكون لغير المالك ولكن طرأ عليه تخصيص - يعني إلا في بيع الخيار - فيكون النماء لغير المالك ، وهكذا التلف يكون على غير المالك من باب التخصيص ، ولا يمكن للشيخ أن يدافع إلا أن يقول إنه عند الدوران بين التخصيص والتخصّص الأصل عدم التخصيص ، يعني أنَّ هذا الحكم لم يطرأ عيله تخصيص فإذن يوجد تخصّص ، يعني أنه مالك فهو خارج عن هذا الحكم موضوعاً ، فإنَّ الحكم يقول ( لا يكون النماء لغير المالك ) أو ( لا يكون التلف على غير المالك ) فنقول إنَّ هذا الشخص خارج موضوعاً لأنه مالك ، فنحن نحتاج إلى ضم هذه القاعدة وهي لم تثبت.

والذي أريد أن أقوله:- إنه قد يخفى على الفقيه أحياناً أنَّ هذا الاستدلال موقوف على تمامية هذه القاعدة ، وتوجد أمثلة أخرى من هذا القبيل.

وبهذا ننهي كلامنا عن مبحث الاطلاق ومقدمات الحكمة.

 

مبحث القطع والأمارات والأصول العملية[1] :-

ذكر الشيخ الأعظم في أوّل الرسائل وهكذا الشيخ الخراساني في أوّل الجزء الثاني مطلباً واحداً مع اختلاف جزئي لا يؤثر على روح المطلب ، وهو أنَّ المكلف إذا التفت إلى واقعة فإما أن يحصل له العلم بحكمها أو الظن أو الشك ، ثم استمرا في بيان مطلبٍ آخر ، وهذه قضية مشتركة بين الشيخ الأعظم والشيخ الخراساني.

وما هي النكتة لذكر هذا المطلب ؟

والجواب:- إنه توحد نكتتان أحداهما أساسية والأخرى ليست أساسية:-

الأولى:- وهي الأساسية ، وهي أنه أريد بذلك منهجة البحث ، فإن حصل القطع واليقين له فهو حجة من باب حجية القطع ، ومن هنا عقدا بحثاً تحت عنوان حجية القطع وذكرا أبحاثاً لطيفة في هذا المجال ، وأما إذا حصل الظن فهذا مبحث الأمارات ، فإن كان منشأ الظن أمارة معتبرة فيؤخذ به وإلا فلا - أما ما هي الأمارة المعتبرة وما هي الأمارة غير المعتبرة فهذا مبحث الأمارات - ، وأما إذا حصل له الشك فهذا مبحث الأصول العملية ، فإذن بهذه الطريقة أرادا أن يبيّنا منجهة البحث وأنه لماذا نبحث مرةّ في القطع ثم في الأمارات ثم في الأصول العملية فإنَّ المنشأ هو هذا ، وهو شيء ظريف.

الثانية:- إنَّ واقع حال المكلف هو ذلك ، فإنه إذا التفت إلى قضية فإما أن يحصل له العلم بالحكم أو الظن أو الشك ، فذكر هذا التقسيم من باب أنَّ واقع الحال كذلك.

وهناك سؤالان لم يذكرا في الرسائل ولا في الكفاية لا بأس بطرحهما:-

السؤال الأوّل:- هل هذا التقسيم والبحث يختص المجتهد فقط أو يعم غيره من المكلفين ؟ يعني حينما نقول إن حصل له القطع فيلزمه الأخذ به وإن حصل له الظن فإذا كان عن أمارة معتبرة يأخذ به وإلا فلا ، فهل هذا التقسيم الثلاثي ناظر إلى المجتهد فقط أو أنه ناظر إلى طبيعي المكلف بقطع النظر عن كونه مجتهداً أو لا ؟

ذكر الشيخ النائيني(قده)[2] :- أنَّ هذا التقسيم الثلاثي يختصّ بالمجتهد ، وذلك ببيان: أنَّ من يحصل له ذلك عادةً ليس إلا المجتهد وإلا فغير المجتهد كيف يحصل له القطع مرّة والظن أخرى والشك ثالثة ؟!! فإنه لا توجد له قابلية لأن يحصل له قطع أو ظن أو شك.

وبقطع النظر عن ذلك - يعني لو فرض أنه يحصل له قطع أو ظن أو شك - فإنه لا مثبت للحجية في حقه ، يعني لا مثبت لحجية القطع في حقه لو حصل له القطع ولا مثبت لحجية الأمارة في حقه لو فرض أنه التفت إلى أمارة ولا دليل على حجية الشك في حقه يعني الأصل العلمي من براءة أو اشتغال لو فرض حصول الشك له.

فإذن الشيخ النائيني(قده) ذهب إلى اختصاص هذا التقسيم الثلاثي بالمجتهد من ناحيتين ، من ناحية أنَّ مثل هذه الصفات لا يمكن أن تحصل إلا للمجتهد عادةً ، ومن ناحية أنه ولو فرض أنها حصلت لغير المجتهد لكن لا دليل على اعتبار حجية القطع أو الأمارة أو الأصل العملي في حق المكلف العامي إنما هذه وظيفة الفقيه وإلا صار هذا العامي مجتهداً ، فمن هاتين الناحيتين ذهب إلى اختصاص هذا التقسيم الثلاثي بالمجتهد دون المكلّف العامي.


[1] أي بداي الجزء الثاني من المجمل والمبين.
[2] فوائد الأصول، النائيني، ج3، ص3، ط جامعة مدرسين.