الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/01/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- البحث الحادي عشر ( التمسك بالإطلاق مع الحاجة إلى المؤونة الثبوتية )- الاطلاق ومقدمات الحكمة.

والمثال الثاني:- نفترض أنَّ امرأة كانت حاملاً واضطرت إلى اسقاط حملها ونفترض أنَّ الاسقاط يكون قبل ولوج الروح[1] ، فهي مادامت مضطرة فيشملها حديث ( رفع عن أمتي ما اضطروا إليه ).

وقد يقال:- إنَّ هذا حديث امتناني ويلزم من ذلك خلف المنّة في حق الحمل ؟

فيجاب ويقال:- إنَّ هذا الحمل لم تلجه الروح فلا يصدق خلاف المنّة عليه ، نعم هذا الكلام مقبول لو ولجته لروح أما قبل ولوجها فلا مشكلة ، فحينئذٍ تطبق حديث نفي الاضطرار فيجوز لها الاسقاط ، وكيف تسقطه ؟ إنه إذا كانت هناك أقراص تسقطه فتتناولها وهذه طريقة ، أو أنها تصعد الدرج وتنزل مرّات عديدة إلى أن تسقطه وهذه طريقة ثانية ، ولكن كلامنا فيما إذا أرادت الذهاب إلى الطبيبة وقال لها الطبيبة لابد لك من اسقاط هذا الحمل فتطلب المرأة من الطبيبة أن تسقطه فهل يجوز للطبيبة ذلك ، لأنه الطبيبة ليست مضطرة حتى تطبّق حديث نفي الاضطرار على نفسها فما هو المخرج الشرعي للطبيبة والمفروض أنَّ روايات قد دلت على أنَّ النطفة إذا انعقدت لا يجوز للحامل ولا للغير اسقاطها فكيف تسقطها الطبيبة فإنها ليس مضطرة إلى ذلك ؟

وهذا السؤال يأتي لو فرضنا أنه لا توجد رواية تقول ( الحامل إذا اضطرت إلى الاسقاط جاز لها الاسقاط ) فإذا كانت توجد عندنا رواية تقول هكذا فنفس هذه الرواية تدل بالدلالة الالتزامية العرفية بأنه يجوز للطبيبة ذلك ولا مشكلة في البين ، ولكن نفترض أنه لا توجد عندنا رواية وإنما نريد أن نثبت جواز الاسقاط بالنسبة إلى الطبيبة عن طريق حديث نفي الاضطرار ، والمشكلة التي تواجهنا هي أنَّ حديث نفي الاضطرار لا يمكن أن نطبقه على الطبيبة لأنها ليست مضطرة ، فماذا نصنع ؟

وربما يخطر إلى الذهن:- إننا نطبقه على الحامل فنقول هي مضطرة فهي مصداقٌ للحديث فيثبت لها جواز الاسقاط ، وإذا شملها اطلاق الحديث فبالدلالة الالتزامية يثبت أنَّ الطبيبة يجوز لها لاسقاط وإلا يلزم لغوية شمول اطلاق الحديث لهذه الحامل.

ونحن في مقام الجواب نقول:- إنّه لو ثبت أنَّ هذا الاطلاق يشمل هذه المرأة الحامل جزماً لكانت هذه المحاولة صحيحة ومقبولة ، ولكن من أين لك اثبات أنه يشملها فإنَّ هذا اوّل الكلام ؟!! فإنَّ هذا هو محل كلامنا ونزاعنا وأنَّ الاطلاق هل يشمل هذه المرأة الحامل أو لا ، فإنَّ لازم شمول اطلاق حديث ( رفع عن أمتي ما اضطروا إليه ) لهذه الحامل المؤونة الثبوتية ، وما هي المؤونة الثبوتية هنا ؟ هي تقييد دليل عدم جواز اسقاط حمل الحامل فإنه توجد عندنا روايات تدل على ذلك ومن فعل ذلك فعليه الديه حتى النطفة فضلاً عن أنه اسقط حملها وثبوت الدية معناه أنه حرام.

فإذن يلزم أن تكون هناك مؤونة ثبوتية وهي تقييد دليل حرمة اسقاط حمل الحال أنه لا مثبت لذلك التقييد ، فعلى هذا الأساس هنا لم يثبت شمول الاطلاق لهذه المرأة الحامل المضطرة حتى نتمسّك بالدلالة الالتزامية في حق الطبيبة . هذا كلّه في تبيان المدّعى.

وأما الدليل على عدم الجواز:- فوجهان:-

الأوّل:- إنَّ مدرك حجية الاطلاق هو سيرة العقلاء وفي مثل هذه الحالة التي يلزم من التمسّك بالإطلاق في المورد مخالفة دليل آخر ، يعني فررت من حرام فوقعت في حرام آخر - وهو أنَّ الطبيب سوف يسقط الحمل وهذا لا يجوز - ، ففي مثل هذه الحالة يعني تقييد دليل آخر ، يعني يلزم مؤونة ثبوتية ، فهل يُجزَم بأنَّ السيرة قد انعقدت على الاطلاق أو أنه يوجد تردّد ؟ وأنا أرى وجود تردّد ويكفينا التردّد ، وهذا دليل قوي ومختصر.

نعم يتمسّكون بالإطلاق إذا لم يلزم مخالفة دليل آخر من ناحية ثانية ، مثلاً عندنا دليل ( أكرم كل نجفي ) ونشك أنّ هذا الشخص هل يجب اكرمه أو لا وشكنا كان ناشئاً من أنَّ سيرته لم تكن جيدة فهل يجب اكرامه أو لا فهنا التمسّك بالإطلاق لا يلزم منه مخالفة دليل آخر فنتمسّك به ، أما إذا كان يلزم منه مخالة دليل آخر فانعقاد السيرة على التمسّك به ليس بمعلوم.

الثاني:- إنَّ المورد من التزاحم بين اطلاقين ولماذا نقدّم هذا دون العكس ؟!! ، فإنه يوجد عندنا اطلاقان الأوّل هو ( رفع عن أمتي ما اطروا إليه ) وهذا له اطلاق يشمل هذه المرأة الحامل ، ويوجد اطلاق ثانٍ وهو ( لا يجوز اسقاط حمل الحالم حتى إذا كانت مضطرة ) فحينئذٍ يصير عندنا اطلاقان وأنت تريد أن تحافظ على الاطلاق الأوّل رغم أنه سوف يلزم تقييد الاطلاق الثاني ، ولكن لِـمَ لا تعكس فتحافظ على الاطلاق الثاني وبالتالي لا يجوز التمسّك بالإطلاق الأوّل فنقيّده بغير الحامل المضطرة ؟

إن قلت:- إنَّ حديث نفي الاضطرار - الذي هو الاطلاق الأوّل - هو دليل عنوان ثانوي ، وأدلة العناوين الثانوية حاكمة على أدلة العناوين الأوّلية ، فبالنسبة إلى الطبيب دليل ( لا يجوز له اسقاط حمل الحامل ) هو دليل عنوانٍ أوّلي فيكون محكوماً لدليل رفع الاضطرار الذي هو دليل ثانوي ، فالاطلاق الأوّل مقدّم على الثاني من باب حكومة أدلة العناوين الثانوية على أدلة الأحكام الأوّلية ؟

قلت:- إنَّ هذا تام بالنسبة إلى المضطر ، لا أنَّ أدلة الحكم الثانوي لشخصٍ تكون حاكمة على أدلة الأحكام الأوّلية لشخصٍ آخر فإنَّ هذا لا معنى له ، إنما الحكومة ثابتة مادام كلا العنوانين لشخصٍ واحد فدليل الحكم الثانوي حينئذٍ يكون حاكماً ومقدّماً على دليل الحكم الأوّلي ، وهذه نكتة ظريفة ينبغي الالتفات إليها.


[1] وإلا لو ولجت لروح فحينئذٍ يكون الأمر مشكلاً فإن الامر يدور بين قتلين ولا موجب لتقديم الحفاظ على نفس المرأة على الجنين، وهذه مسألة خلافية من هذه الناحية.