الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/01/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- البحث السابع تخصيص وتقييد الأكثر- الاطلاق ومقدمات الحكمة.

والجواب:- يمكن أن يقال إنه عرفاً كلاهما مستهجن ، فإذا فرض أن العناوين الخارجة كانت أكثر فالعرف يرى أنَّ المناسب توجيه الحكم لا إلى العنوان الكلي بل توجيهه إلى العنوان الخاص فمثلاً إذا اردت أن تقول أكرم الفقير إلا الفقير من البلد الفلاني ومن البلد الفلاني ومن البلد الفلاني بحيث أخرجت أغلب العناوين وابقيت عنوانين أو ثلاثة فهنا العرف من الأوّل يقول المناسب ليس توجيه الاكرام إلى الفقير بل قل خصّصه من الأوّل وقل أكرم قراء مدينة النجف وكربلاء والكوفة مثلاً لا أنك تطلق ثم تستثني عناوين أكثر فإن هذا مستهجن بل من البداية المناسب توجيه وجوب الاكرام إلى هذه العناوين الاثنين أو الثلاثة ، وهكذا الحال إذا لزم اخراج أكثر الأفراد بحيث يبقى فردان أو ثلاثة أو خمسة أو عشرة فمن الأوّل أنت قل اكرم هذا الفرد وهذا الفرد وذاك الفرد فإنَّ هذا هو المناسب عرفاً لا أنك توجهه إلى العنوان الكلّي ثم تُخرّج منه هذا الفرد وذاك الفرد وذاك الفرد وتبقي ثلاثة أو أربعة بل المناسب من البداية أن يتوجه الحكم إلى الأفراد الثلاثة أو الأربعة ، وهذا مطلب واضح.

وهناك قضية جانبية وهي التخصيص بالحالة النادرة:- التخصيص أحياناً يكون بلحاظ الأفراد وموجباً لبقاء أفراد نادرة وهذا قلنا مستهجن ، ولكن أحيانا يلزم ابقاء حالة نادرة لا فرد نادر ، أي يلزم الخصيص بالحالة النادرة فهل ذلك مستهجن أيضاً أو لا ؟

ونمثل مثالاً فقهياً ومن خلاله يتضح المقصود:- وهي أنه توجد مسألة وهي أنه لو فرض أنَّ المرأة حاضت قبل الاحرام فهل يجوز لها أن تحرم من الميقات وهي حائض ؟ وقعت هذه القضية في الزمن السالف فسألت هذه المرأة القافلة فلم يعرف أحد الجواب فلم تحرم ودخلت إلى الحرم إلى أن التقوا بالإمام والامام قال تخرج إلى ميقات بلدها الأصلي فإن لم يمكنها فتخرج إلى خارج الحرم ولتبتعد عن رأس الحرم بمقدار ما يمكنها فالتي تتمكن يلزم أن تبتعد عن الحرم ، والرواية هي صحيحة معاوية بن عمّار:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا ما ندري أعليك إحرام أم لا وأنت حائض ، فتركوها حتى دخلت الحرم ، فقال عليه السلام:- إذا كان عليها مهلة فترجع إلى الوقت فلتحرم منه فإن لم يكن عليها وقت[1] [ مهلة[2] ] فلترجع إلى ما قدرت عليه بعدما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها )[3] ، فإذن الذي استفدناه من هذه الرواية هو أنها إذا لم تستطع أن تذهب إلى ميقات أهل أرضها فتذهب إلى خارج الحرم وتمشي بالمقدار الذي يمكنها.

ولكن في نفس الوقت توجد عندنا رواية أخرى ذكرت أن شخصاً نسي الاحرام من الميقات إلى أن دخل الحرم فسألوا الامام عليه السلام فقال ليخرج إلى ميقات أهل أرضه وإذا لم يمكنه ذلك فإلى الحرم فيحرم من رأس الحرم ولم يقل يذهب بمقدار ما أمكنه ، وفي مثل هذه الحالة إذا قلنا إن النسيان له خصوصية فنخصص هذا بالناسي وذاك الحكم نخصصه بالحائض ، أما إذا قلنا إنَّ هذا ليست له خصوصية- ولنفترض ذلك - فحينئذٍ ماذا نصنع فإن رواية الطمث تقول عليها أن تخرج خارج الحرم بمقدار ما أمكنها أما هذه الرواية فتقول يُحرِم على رأس الحرم فماذا نصنع ؟ ، والرواية هي صحيحة الحلبي:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم ، قال:- قال أبي عليه السلام:- يخرج إلى ميقات أهل أرضه فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم )[4] ، فنباءً على إلغاء خصوصية المورد ماذا نصنع ؟

هناك رأي يقول:- نخصّص الرواية الثانية بالرواية الأولى ، فإن الرواية الثانية قالت فليذهب إلى أدنى الحل ويحرم وسكتت عن أنه يسير بمقدار ما أمن فهي مطلقة من هذه الناحية فنقيدها ونقول ( هذا إن لم يمكنه ذلك ) والمقيّد هو رواية الطامث.

وأجاب السيد الخوئي(قده) وقال[5] :- إنَّ هذا التخصيص باطل فإنه يلزم منه حمل الرواية على الحالة النادرة ، وهو عبّر بالفرد النادر ولكن هذا تسامح ، بل بالحالة النادرة لأنَّ كون الانسان إذا تمكن من الوصول إلى أدنى الحل ولا يستطيع أن يذهب بعد ذلك متر أو مترين هذه حالة نادرة فإن الذي مشى كل الحرم يستطيع أن يمشي مترين أو أكثر في الحلّ ، فمثل هذه الحالة حالة نادرة فيلزم تخصيص الرواية الثانية بالحالة النادرة.

إذن السيد الخوئي(قده) من خلال هذا المثال ذكر أنَّ تخصيص العام أو الاطلاق بالحالة النادرة مستهجن كاستهجان تخصيصه بالفرد النادر فكما هو بالفرد النادر قبيح هو أيضاً بالحالة النادرة.

ونحن في مقام التعليق نقول:- يمكن أن يقال إنَّ التخصيص بالحالة النادرة لا بأس به ، وإنما المستهجن التخصيص بالفرد النادر ، والوجه في ذلك هو أنه توجد عندنا روايات كفارات الاحرام تقول من ارتكب كذا فعليه بدنة ومن ارتكب كذا فعليه شاة فكل المحرّمات فيها كفارة وهذا الحكم يختص بالعالم العامد وهذا ما ذكره جميع الفقهاء لصحيحة عبد الصمد بن بشير التي تقول: ( أيما امرئ ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه ) ، فإذن كفارات الاحرام خاصة بالعالم العامد وهذا ما يلتم به حتى السيد الخوئي(قده) ونحن نسأله ونقول:- أوليس هذا تخصيص بالحالة النادرة ؟ فهل يوجد عالم عامد يأتي يرتكب محرّمات الاحرام فإنَّ هذه حالة نادرة ولكن رغم ذلك حمل الفقهاء روايات كفارات الاحرام على العالم العامد وهذا ينبئ على أنَّ التخصيص بالحالة النادرة أمرٌ لا بأس به وإنما المحذور في التخصيص بالفرد النادر.


[1] هذا ما موجود في الوسائل.
[2] هذا ما موجود في التهذيب.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج11، ص329، المواقيت، ب14، ح4، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، العاملي، ج11، ص328، المواقيت، ب14، ح1، ط آل البيت.
[5] معتمد العروة الوثقى، الخوئي، ج2، ص435، ط قديمة. تراث السيد الخوئي، الخوئي، تسلسل27، ص343.