الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
39/01/17
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- :- البحث السادس ( نحو التقابل بين الاطلاق والتقييد ) - الاطلاق ومقدمات الحكمة.
البحث السادس:- نحو التقابل بين الاطلاق والتقييد.
هناك كلام في أن التقابل بين الاطلاق والتقييد هل هو تقابل التناقض أو التضاد أو العدم والمكلة ، وينبغي أن نلتفت إلى أن الكلام تارة يقع بلحاظ عالم الاثبات وأخرى بلحاظ عالم الثبوت.
أما بلحاظ عالم الاثبات:- فقد اتفقت الكلمة على أنَّ التقابل هو تقابل الملكة والعدم ، وينبغي أن يكون ذلك من الأمور الواضحة ، والمقصود من عالم الاثبات هو عالم الدلالة ، فكلامي متى يدل على الاطلاق ؟ إنه يدل على الاطلاق إذا امكن أن أبيّن القيد ولم أبيّنه بأن قلت ( اعتق رقبة ) وكان بإمكاني أن أقول ( مؤمنة ) ولم أذكر ذلك فهنا نستكشف الاطلاق ، أما إذا لم يمكن أن أبيّن قيد ( المؤمنة ) بأن يفترض كان يوجد شخص بجانبي يقول لي إنك بمجرد أن تقول ( مؤمنة ) فسوف أقتلك فهنا لا يمكن أن أبيّن قيد المؤمنة فمن عدم ذكره لا يمكن استكشاف الاطلاق وهذا من الأمور الواضحة ولا يتاج إلى بيان واثبات ، فالشخص الذي يمكنه أن يبيّن القيد بلسانه أو بقلمه ولم يذكره فيمكن أن نستكشف من ذلك الاطلاق ، أما إذا لم يمكن ذلك فلا يمكن أن نستكشف الاطلاق من عدم ذكر القيد.
إذن الاطلاق اثباتاً هو عدم ذكر القيد في المورد الذي يمكن فيه ذكر القيد هذا معناه أنَّ التقابل معناه تقابل الملكة والعدم.
إنما الكلام بلحاظ عالم الثبوت والاحتمالات في ذلك ثلاثة:-
الأوّل:- ما صار إليه الشيخ النائيني(قده)[1] حيث ذكر أنَّ التقابل بينهما تقابل الملكة والعدم ، يعني هكذا قال إنه ثبوتاً بقطع النظر عن عالم البيان الدلالة إذا امكن ثبوتاً التقييد ولم يقيد المولى بعد إمكان التقييد هنا عدم التقييد يكون اطلاقاً أما إذا لم يمكنه التقييد لأن يلزم محذور الدور ثبوتاً مثلاً فعدم التقييد هذا لا يكون اطلاقاً ثبوتاً بقطع النظر عن عالم الدلالة ، وعلى هذا الأساس قال مثلاً تقييد الحكم بالعلم به ثبوتاً مستحيل وإذا لم يمكن فحينئذٍ عدم التقييد بالعلم لا يكون اطلاقاً ثبوتاً فثبوتاً بلحاظ لعلم ليس مقيداً بالعلم كما أنه ليس مطلقاً بل هو مهمل لا مطلق ولا مقيد وقد التزم(قده) بذلك ، وقال إن هذا خلافاً للشيخ الأنصاري(قده) حيث ذهب إلى أنه امكن أو لم يمكن فعدم التقييد معناه الاطلاق ولكن الصحيح ما ذكرناه ، أما ما هو دلليه ؟ إنه ذكر دعوى من دون دليل.
الثاني:- أن يكون التقابل بينهما تقابل التضاد، وهذا ما بنى عليه السيد الخوئي(قده)[2] ، ولماذا التقابل بينهما تقابل التضاد ؟ قال:- إنَّ التقييد ثبوتاً عبارة عن لحاظ القيد والاطلاق معناه لحاظ القيود ثم رفضها فالاطلاق لحاظ رفض القيود بعد ملاحظتها ، وأنا قلت في المحاضرة السابقة يأتي في البحث الآتي بيان ذلك وهو اشارة إلى هذا ، فالسيد الخوئي فسّر الاطلاق بلحاظ رفض القيود يعني يلحظ القيود ثم يرفضها والتقييد هو لحاظ القيد فسوف تصير النسبة بينهما نسبة التضاد لأنَّ هذا لحاظ أخذ القيد وذاك لحاظ رفض القيد فكلاهما أمر وجودي والتضاد يكون بين الأمور الوجودية وهنا كلاهما أمر وجودي فإن التقييد لحاظ والاطلاق لحاظ واللحاظ وجود ذهني غايته التقييد لحاظ القيد والاطلاق لحاظ رفض القيد بعد ملاحظة القيد ، وبناءً على هذا ذكر أنَّ الأحكام حيث إنه لا يمكن تقييدها بالعلم فالتقييد ليس ممكناً فيتعيّن بذلك الضدّ الآخر وهو لحاظ القيود ثم رفضها ، فيصير الثاني وهو الاطلاق ضرورياً بعد فرض عدم وجود ضدّ ثالث فإنَّ الاهمال في الواقعيات أمرٌ غير ممكن وبالتالي المولى إما أن يقيّد الحكم بالعلم أو يطلقه أما أن تقول هو مهمل لا مقيد بالعلم ولا مطلق فإنَّ هذا مستحيل واقعاً من المولى العاقل ، فالاهمال لا يمكن والتقييد لا يمكن فيتعيّن بذلك الاطلاق.
الثالث:- وهو ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري والسيد الشهيد(قده) وهو تقابل النقيضين ، ولماذا التقابل تقابل التناقض ؟ باعتبار أنَّ التقييد هو لحاظ القيد والاطلاق ليس هو لحاظ القيد ثم رفضه كما فسّره السيد الخوئي(قده) وإنما هو عدم لحاظ القيد ، فإذا صبّ الحكم على الطبيعة المطلقة ولم يلحظ القيد كان ذلك اطلاقاً ، فالاطلاق هو عدم لحاظ القيد لا لحاظ عدم القيد أو الرفض القيد كما فسّر بلك السيد الخوئي(قده).
وهذ الاحتمال هو الوجيه:- فإنه هو المطابق للوجدان ، إذ يكفي لسريان الحكم إلى جميع أفراد الطبيعة صبّ الحكم الى الطبيعة من دون تقييدها بقيد يسري إلى جميع أفرادها وهذا هو عبارة عن الاطلاق ، ولا يحتاج إلى لحاظ القيود ثم رفضها فإنه لا يحتاج إلى تطويل المسافة بل هذا التطويل مخالف للوجدان فإنه بالوجدان لا نبقى نلحظ القيد الأوّل هو قيد ( مؤمنة ) ثم نرفضه ثم كونها ( طويلة أو قصيرة ) ثم نرفضه ... وهكذا فإنه لا يوجد عندنا هكذا وسوف يستلزم أن تصير عملية الاطلاق عملية متعبة وتحتاج إلى وقت طويل ، بل يستلزم كون الاطلاق مستحيلاً في حقّ الممكن ، لأنَّ طاقتنا محدودة فلا يمكننا أن نلاحظ كل القيود لأنَّ قيود الرقبة كثيرة جداً ولا يمكن احصاؤها بل سوف تفوت علينا بعض الأوصاف حتماً ولا نحيط بكل الأوصاف إلا الخالق للرقبة وهو الله عزّ وجل ، فعملية الاطلاق تكون صعبة بل تكون متعذّرة على رأي السيد الخوئي(قده) ، ونصّ عبارته:- ( لأنَّ كلاً منهما أمر وجودي متقوم باللحاظ فالتقييد عبارة عن لحاظ قيد وأخذه في الماهية والاطلاق عبارة عن لحاظ القيود ورفضها في مقام الحكم ).
فإذن ما ذكره مخالف للوجدان ، بل غير ممكن في حق الانسان العادي .
فالصحيح إذن أنَّ الاطلاق هو عبارة عن عدم لحاظ القيد لا لحاظ عدم القيد ، فيكفي في الاطلاق صبّ الحكم على الطبيعة من دون لحاظ القيد.
إن قلت:- إن ما ذكرته يتناغم مع ما أفاده الحاج ميرزا علي الايرواني حيث ذكرنا في أبحاث سابقة أن الحاج ميرزا علي الايرواني قال إنّنا لا نحتاج إلى مقدمات الحكمة ، لأنَّ الاطلاق لازم ذاتي للطبيعة ، فكل طبيعة لازمها الذاتي الاطلاق ، فمثلاً الانسان هو طبيعة ومن لوازمها الذاتية أنه قابل للانطباق على العادل والفاسق والصغير والكبير والأسود والأبيض ..... وهكذا ، فالاطلاق هو لازم ذاتي للطبائع من دون حاجة إلى مقدّمات الحكمة ، وهذا الذي ذكرتموه - من أنه يكفي في الاطلاق عدم لحاظ القيد فإنه إذا لم نلحظ القيد ووجهنا الحكم إلى الطبيعة ثبت بذلك الاطلاق مادمنا لم نلحظ القيد - يتناغم مع ما أفاده الحاج ميرزا علي الايرواني ، يعني أنه يكفي عدم لحاظ القيد في الاطلاق من باب أنَّ الاطلاق والشمولية هي لازم ذاتي للاطلاق ، ونحن فيما سبق رفضنا ما أفاده الحاج ميرزا علي الايرواني أشد الرفض فما عدى مما بدى ؟ ، يعني أنتم الآن تقولون بتقابل التناقض الذي يلتئم مع ما أفاده الحاج ميرزا علي الايراني(قده) ؟!