الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/12/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مقدمات الحكمة - الاطلاق ومقدمات الحكمة.

إن قلت:- إنَّ إلغاء الخصوصية هو وليد الاطلاق ، يعني ببركة الاطلاق ننفي الخصوصية المحتملة فكيف أنت الآن تريد بقطع النظر عن الاطلاق تقول إنَّ الاطلاق ليس بموجود وتنفي الخصوصية ، فإذن هذا خلف كون إلغاء الخصوصية قضية مستفادة من الاطلاق ؟

قلت:- إنَّ إلغاء الخصوصية لا يستند دائماً إلى الاطلاق ، نعم أحياناً يستند إلى الاطلاق مثل ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ فإننا ننفي بالإطلاق احتمال العربية والماضوية وغير ذلك ، وأحياناً لا يوجد اطلاق ولكن رغم ذلك ننفي الخصوصية من قبيل ( أصاب ثوبي دم ، قال:- اغسله ) فإن الرواية واردة في ثوبي وفي الدم الحاصل منّي فكيف نتعدّى إلى بقية الموارد مع فرض عدم وجود الاطلاق لأنَّ الرواية خاصة ؟ هنا نتمسّك بالجزم بعدم الخصوصية.

إذن إلغاء الخصوصية ليس دائماً وأبداً ينحصر منشؤه بالإطلاق ، بل أحياناً يستند إلى الاطلاق وأخرى لا يستند إليه ، ففي موردنا هكذا نقول:- إنَّ الموارد التي لا يستهجن فيها الاطلاق نقول إنَّ الاطلاق ليس بموجود ونأخذ بالقدر المتيقن وهو المقيّد ولكن نتعدّى إلى البقيّة من أنه عرفاً يجزم بعد الخصوصية لهذا المورد الخاص والضيق الذي عبّرنا عنه بالمقيّد.

هذا كله بالنسبة إلى الاشكال على هذه المقدمة التي أضفناها.

وهناك إشكال آخر على هذه المقدمة التي أضفناها:- وهو أن مرجع هذه المقدّمة إلى التمسّك بالانصراف فبدلاً من اضافة هذه المقدمة لنتمسّك بالانصراف ، فلماذا حذفت مصطلح الانصراف وذكرت هذه المقدمة والحال أنهما من وادٍ واحد ، فروح هذه المقدّمة يرجع إل التمسّك بالانصراف وقد ذكر الأصوليون أنَّ شرط انعقاد الاطلاق عدم وجود الانصراف ، فإذن هذه ليست مقدّمة جديدة ؟

وفيه:- أحياناً لا يمكن دعوى الانصراف ، كما في مثل رواية المغمى عليه لا يقضي صلاته ولا صومه فإن الامام عليه السلام أجاب وقال ( لا يقضي المغمى عليه الصلاة ولا يقضي الصوم ) هنا نقول هل أنَّ المنصرف إليه هو الاغماء غير الاختياري ؟ إنَّ هذه الدعوى هي أوّل الكلام ، ولو قبلناها فهو انصراف ناشئ من غلبة الوجود فلا ينفع ، فلو كنّا نحن وفكرة الانصراف فهو لا يمكن التمسّك به إما لإنكار الانصراف من الأساس أو أنه انصراف ناشئ من كثرة الوجود ، وهذا بخلاف هذه المقدّمة فنحن حينما نذكرها لا مجال لأنَّ يتكلَّم الطرف ويناقش ، بخلاف الانصراف حيث يقول لا انصراف أو أنَّ هذا انصراف ناشئ من كثرة الوجود ، أو أنا بيني ما بين الله لا أتمكن أن أركن إلى الانصراف لأنه ليس واضحاً عندي ويحتمل أنه انصراف ناشئ من كثرة الوجود ، بخلافه حينما نذكر هذه المقدّمة فإني استطيع أن أقول لا اطلاق بقلب مطمئن ، وهكذا في مثل قاعدة التجاوز ( رجل شك في الأذان وقد دخل في الصلاة ...... ) ، فهنا هل يمكن دعوى انصرافها إلى خصوص باب الصلاة ؟ قد لا أقبل دعوى الانصراف وأقول إنه لا معنى للانصراف فإن الامام عليه يعطي قاعدةً عامة فلماذا الانصراف فإنه عليه السلام يعطي قاعدة عامة ويقول ( يا زرارة كل شيء شككت فيه ... ) ، فيبقى الانصراف قضية غير واضحة يعني سوف استند إلى الانصراف بقلبٍ غير مطمئن فأنا قد أرفضه ، بخلاف ما إذا كان المستند هو هذه المقدّمة فأنا بقلبٍ مطمئن أقول إنَّ الاطلاق ليس بمستهجن لو كان المراد واقعاً هو باب الصلاة فيحتمل أنَّ مراده خصوص الصلاة وإنما أطلق ولم يبيّن من باب أنها محلّ الحوار فلا داعي لأن يذكر القيد.

إذن هذه المقدّمة سوف ننتفع بها وتعطينا أشياء جديدة لا أنها نفس فكرة الانصراف.