الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/12/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مقدمات الحكمة - الاطلاق ومقدمات الحكمة.

ومن قبيل:- رواية المغمى عليه وأنَّ المغمى عليه لا يقضي الصلاة ، وهذه قضية مهمة فإنَّ الاشخاص الذين يكبرون في آخر عمرهم قد ترى ذهنه ليس متوجهاً فهو إما مغمىً عليه أو أنه شبه المغمى عليه فهذا هل يجب القضاء عنه وهل يجب عليه القضاء إذا استعاد ذهنه فإنَّ الرواية تقول لا يجب عليه ذلك وهكذا فتاوى الفقهاء ، الرواية هي صحيحة أيوب بن نوح:- ( كتب إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام يسأله عن المغمى عليه يوماً أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلوات أو لا ؟ فكتب:- لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة )[1] ، وهذه الصحيحة هي مستند فتوى الفقهاء ، إذن المغمى عليه لا يجب عليه القضاء.

والسؤال:- لو فرض أن الشخص صار مغمىً عليه ولكن بإرادته مثل كما لو أجرى عملية جراحية فلعله يبقى مغمىً عليه يوماً أو يومين فهل يلزم عليه القضاء أو لا ؟

هنا على رأي السيد الخوئي(قده) وغيره من الذين يتمسكون بالإطلاق بسعته يقولون إنَّ الرواية مطلقة حيث قالت ( يسأله عن المغمى عليه هل يقضى ما فاته من الصلاة ؟ فكتب:- لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة ) فيتمسك بإطلاقها.

ولكن على هذه المقدّمة التي ذكرناها يمكن أن يقال إنَّ اطلاقها لا ينعقد ، إذ لعلّ مقصود الامام عليه السلام هو المغمى عليه من دون اختيار ، وإذا قيل له إذن كيف أطقت ولم تقيد ؟! فيستطيع أن يدافع عن نفسه ويقول: إنه لا يوجد عندنا شخص عنده اغماء باختباره فإنَّ هذه الحالة ليست موجودة في ذلك الزمان أو أنها نادرة الوجود ، فالاطلاق لا يكون مستهجناً من الامام حينئذٍ ، فلا يمكن التمسّك به.

ومن قبيل:- رواية عدم جواز الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، وهي موثقة ابن بكير:- ( سأل زرارة أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر فأخرج كتاباً زعم أنه املاء رسول الله صلى الله عليه وآله:- إن الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله روثه وكل شيء منه فاسد )[2] ، والكلام هنا هل تشمل الانسان مثل قيء الطفل فإنه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه فهل الصلاة فيه صحيحة أو فاسدة ؟ إنه قد يتمسّك بإطلاق هذه لرواية ، وفي المقابل قد يرد بأنها منصرفة عن الانسان فإذا قبلنا الانصراف فبها ونعمت ، وإذا نقبل الانصراف نتمسّك بما شرنا إليه فنقول إنَّ هذا الاطلاق ليس بمستهجناً - يعني لو كان مقصود الامام عليه السلام غير الانسان من الحيوانات لا يستهجن منه هذا الاطلاق عرفاً - ومادام لا يستهجن فإذن لا يمكن التمسّك بإطلاق هذه الرواية.

ونذكر شيئاً:- وهو أني قد اختلف معك في أنَّ هذا المورد مما يستهجن فيه الاطلاق أو لا ولكن هذه قضية صغروية ، ولكن لو لم يستهجن الاطلاق فقد اتفقنا على أنه لا يجوز التمسّك بالإطلاق.

ومن قبيل:- موثقة سماعة:- ( سألت عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمداً ، قال:- عليه عتق رقبة أو اطعام ستين مسكيناً أو صوم شهرين متتابعين وقضاء ذلك ليوم )[3] ، وقد يتساءل أنَّ هذه الرواية هل تشمل من أتى أهله في نهار شهر رمضان وهي ميّتة ولكن من دون انزال - وإلا مع الانزال فالإنزال كافٍ - فهل يجب عليه ما ذكر من الكفارة والقضاء أو لا ؟ قد يتمسّك بإطلاق الرواية ويقال إنَّ الرواية لم تقيّد بما إذا فرض أنَّ الزوجة كانت حيّة ، وفي جوابه نقول:- إنه حتى لو كان المقصود من الأهل هنا خصوص ما إذا كانت حيّة فالاطلاق لا يستهجن ، إذ من حقّ الامام عليه السلام أن يجيب ويقول ( وأين ذلك الرجل الذي يأتي امراته وهي ميتة ؟!! ) ، فالتقييد لا داعي إليه ، فإذن الاطلاق يكون وجيهاً بلا استهجان ، فإذن لا يمكن التمسّك بإطلاق الرواية لما أشرنا إليه.

هذه بعض الأمثلة التي ذكرناها في هذا المجال كثمرات لهذه المقدّمة التي أشرنا إليها.

وأما الاشكال الوارد على هذه المقدّمة:- فيمكن أن يقال: إنه بناءً على هذه المقدمة سوف يلزم تأسيس فقه جديد ، فيلزم عدم جواز الوضوء بالماء المقطر لأن الآية الكريمة حينما قالت ﴿ يا ايها الذين آمنوا ّإ قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ﴾ صحيح أنها أطلقت وقالت اغسلوا وجوهكم بالماء ولم تقيد بأن يكون الماء هو من نوعية خاصة ولكن الاطلاق لا يصح التمسك به لإثبات جواز الوضوء بالماء المقطر إّ لعل المقصود خصوص الماء المتعارف في تلك الفترة فالاطلاق لا يكون مستهجناً لو كان مراد المتكلم هو الماء المتعارف كمياه الانهار والبحار وغير ذلك فيلزم أنه لا يجوز الوضوء بالماء المقطر ، وهكذا في الموارد الأخرى ، ونفس هذا المثال الذي ذكرناه وهو أن الأهل إذا كانت حية فحينئذٍ تجب الكفارة وإذا كانت ميتة فالنص لا يشملها وإذا لم يشملها فحينئذٍ لا يجب والحال أنَّ هذه أسوأ حالاً فعدم وجود الكفارة شيء غريب ..... وهكذا ، إذن سوف نخرج بنتائج غيبة من هذا القبيل الذي أشرنا إليه.

وفي مقام الجواب نقول:- صحيح أنَّ الاطلاق لا يمكن التمسّك به ولكن يوجد شيء بديل يمكن الاستعانة به ، وذلك البديل هو الجزم بعد الخصوصية عرفاً ، وذلك بأن يقال:- إنَّ الآية الكريمة صحيح أنَّ موردها هو الماء المتعارف في تلك الفترة الزمنية ولكن نحن نجزم بعدم الخصوصية ، فنتعدّى حينئذٍ بواسطة ضم عدم الخصوصية ، وببركة ضم فكرة الجزم بعدم الخصوصية لا يلزم حينئذٍ تأسيس فقهٍ جديد ، نعم لا يمكن التمسّك بالإطلاق ولكن يوجد عند بديل يمكن التمسّك به.

إن قلت:- إذا كان البديل موجوداً وبالتالي لا يلزم تأسيس فقه جديد فلا ثمرة إذن في اضافة هذه المقدمة فإنها سوف لا تغير شيئاً من الواقع ، يعني إذا لم يمكن التمسّك بالإطلاق نتمسك بالبديل وحينئذٍ ننتهي إلى نتيجة الاطلاق غايته لا من الاطلاق بل بالوسيلة البديلة فإذن ضم هذه المقدّمة لا يغير شيئاً ؟

قلت:- إنه ليس في جميع الموارد يمكن ضم فكرة الجزم بعدم الخصوصية ، ففي بعض الموارد صحيح نجزم بعدم الخصوصية من قبيل الآية الكريمة ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم للصلاة فاغسلوا وجوهكم .... ﴾ فإنها نجزم أنه لا خصوصية لمياه الأنهار بل لعلّ الوضوء بالماء المقطر أفضل ، فعلى أي حال نجزم عرفاً بأنه لا خصوصية ، وهكذا مثال من أتى أهله وهي ميتة فهنا أيضاً نجزم بعدم الخصوصية فلا خصوصية لكون الأهل ذات حياة فلا فرق عرفاً بين كونها ذات حياة أو كونها ميتة ، ولكن في مثل ( صم للرؤية وافطر للرؤية ) بعدما سقط الاطلاق لا يوجد بديل يمكن الرجوع إليه لأنَّ البديل هو أن نقول إنه من خلال العرف أنا نجزم بعدم الخصوصية للعين المجرّدة وأنه لا فرق بينها وبين العين المسلحة ، فإنه لابد أن نقول هكذا ، ولكن هذا الكلام باطل ومرفوض إذ نحتمل أنَّ الشرع لا يرتضي إلا الرؤية بالعين المجرّدة لأنه إذا أمكنت الرؤية بالعين المجردّة فهذا معناه أنَّ الهلال صار في مرحلةٍ يمكن رؤيته بهذه العين العادية فبداية الشهر الشرعي تكون آنذاك بينما الرؤية بالعين المسلحة قد تكون قبل ذلك بساعات فلا تكون بداية للشهر الشرعي ، إذن احتمال الخصوصية للعين المجرّدة موجود هذا مورد من موارد الثمرة.

وهكذا في مثال المغمى عليه الوارد في التوقيع المبارك ، فإن الامام عليه السلام أجاب بأنَّ المغمى عليه لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة وهنا قلنا لا يمكن التمسّك بالإطلاق ، والبديل أيضاً لا يمكن التمسك به لاحتمال أنَّ هذا تخفيف من الشرع لمن طرأ عليه الاغماء من دون اختيار أما من كان ذلك باختباره فلا يخفّف عنه شيء ، فإذن احتمال الخصوصية موجود.

والخلاصة:- إنَّ الجزم بعدم الخصوصية ليس قضية سيّالة في جميع الموارد وإنما هي تامة في بعض الموارد دون بعض ، وعلى هذا الأساس تظهر الثمرة لإضافة هذه المقدّمة.


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج8، ص259، ابواب قضاء الصلوات، ب8، ح2، ط مؤسسة آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج4، ص345، ابواب لباس المصلي، ب2، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج10، ص49، ابواب ما يمسك عنه الصائم، ب8، ح13، ط آل البيت.