الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/12/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مقدمات الحكمة - الاطلاق ومقدمات الحكمة.

هذا ما ذكره الشيخ الخراساني وما ذكره القوم في الاشكال عليه.

وفي مقام التعليق نقول:- إنَّ ما ذكره الشيخ الخراساني(قده) من دون ادخال ترميمٍ عليه يكون مورداً للإشكال كما ذكر الأعلام ، ولكن يمكن على ضوء ما سوف نذكره فيما بعد حيث نضيف مقدّمة جديدة على مقدّمات الحكمة وهي أن يكون الاطلاق مستهجناً من المتكلم على تقدير ارادته للمقيّد ، فإنه إذا استهجن الاطلاق آنذاك يصحّ التمسّك بالإطلاق ونفي القيد المحتمل واقعاً وأما إذا لم يستهجن الاطلاق فلا يمكن نفي القيد ويبقى احتمال ارادة المقيّد وارداً ولا يمكن التمسّك بالإطلاق ، إنه بناءً على هذه المقدّمة يمكن أن ندافع عن الشيخ الخراساني(قده) ونقول في مثل صحيحة زرارة التي كان الحوار فيها بين الامام وبين زرارة حول الصلاة من أوّل الرواية إلى آخرها إنَّ هذا الحوار يمنع من التمسّك بالإطلاق ، فإنه لو أشكل على الامام عليه السلام وقيل له: لماذا أطلقت وقلت ( يا زرارة كل شيء شككت فيه وقد خرجت منه ودخلت في غيره فشكك ليس بشيء ) فلماذا أطلقت ولم تقيّد بباب الصلاة ؟ يتمكن أن يدفع عن نفسه ويقول: إنَّ حوارنا كلّه كان عن باب الصلاة فلماذا أقيد ؟!! ، فهو يتمكن أن يدافع بذلك ولا يستهجن منه الاطلاق ، ومادام لا يستهجن منه الاطلاق - لأنَّ الحوار كان من بدايته إلى نهايته عن الصلاة والرواية كانت ليست قصيرة بل كانت مجموعة أسئلة كلّها عن باب الصلاة - فحينئذٍ مادام الحوار عن باب الصلاة فالاطلاق لا يكون مستهجناً ، ومعه لا يمكن التمسّك بالإطلاق والرواية تكون مجملة ، وأنا لا أريد أن ادّعي في مثل هذه الموارد أنَّ لكلام يصير ظاهراً في التقييد ،كلا بل أريد أن أقول يصير الكلام مجملاً لا يصلح التمسّك بإطلاقه فليس فيه ظهور في الاطلاق كما ليس في ظهور في التقييد ، فتصير الرواية مجملة ، إنه إذا أدخلنا هذه المقدّمة في الحساب سوف يتم ما ذكره صاحب الكفاية(قده) ، ولعلّ صاحب الكفاية كان يشعر في أعماقه وفي حسّه العرفي وطبيعته العرفية بهذا وإن خانه التعبير ولذلك ارتأى أنَّ القدر المتيقن في مقام التخاطب يمنع من التمسّك بالإطلاق ، فإذن نقول للأعلام أنَّ مدعى صاحب الكفاية تام بناءً على هذه المقدّمة التي نضيفها فيما بعد.

ولكن ألفت النظر إلى شيء:- وهو أنه لعلّ القدر المتيقن في مقام التخاطب أحياناً لا يمنع من استهجان الاطلاق بل يبقى الاطلاق مستهجناً ، كما لو كان السؤال سؤالاً مختصراً ولم تكن أسئلة متعدّدة ترتبط ببابٍ واحد ، كما لو قال السائل للمولى ( هل يلزم أكرام المؤمن العادل ؟ فأجاب: أكرم المؤمن ) ، فالقدر المتيقن في مقام التخاطب هو المؤمن العادل لأنَّ السؤال عن المؤمن العادل ولكن الجواب كان عاماً حيث قال ( أكرم المؤمن ) ولم يقل العادل فهنا ربما يقال - والأمر إليك وهذا نقاش صغروي - لو كان مراد المولى هو المقيّد - يعني خصوص المؤمن العادل - ففي هذه الحالة يلزمه أن يقيّد ويستهجن منه الاطلاق ، ولكن هذه قضية صغروية ، والذي أريد أن أقوله في نصرة صاحب الكفاية(قده) هو أن القدر المتيقن في مقام التخاطب عادةً أسلّم أنه يمنع من التمسّك بالإطلاق لأنه عادةً لا يستهجن الاطلاق إذا كان مراد المتكلّم واقعاً هو المقيد لأنَّ الحوار هو في حالة المقيد فالاطلاق لا يستهجن اعتماداً على كون الحوار عن المقيّد كما مثلّنا بصحيحة زرارة.

وبهذا أيضاً يندفع الاشكال عن الشيخ خراساني من أنَّ القدر المتيقن في مقام التخاطب إذا كان يمنع من التمسّك بالإطلاق فليمنع القدر المتيقن من الخارج أيضاً من التمسّك بالإطلاق ، والجواب:- هو أننا نقول إذا كان القدر المتيقن من الخارج كما إذا قال ( اعتق رقبة ) فإنَّ القدر المتيقن من الخارج هي المؤمنة الطيّبة التقيّة يلزمه أن يقيد وإذا لم يقيد فسوف يستهجن منه العرف الاطلاق لو كان مراده واقعاً هو المقيّد ، والعرف ببابك ، أما إذا كان القدر المتيقن من الحوار فهنا لا يستهجن الاطلاق لأنه يرى هذا الحوار بمثابة القرينة المتصلة الصالحة لتقييد الاطلاق ، فإذن الفارق بين هذا القدر المتيقن وذاك القدر المتيقن واضح كما أشرنا.

وأيضاً يندفع الاشكال بأنه الكثير من الروايات واردة في موارد خاصة مثل ( أصاب ثوبي دم خرج مني فأجاب الامام عليه السلام اغسله ) فإنَّ الحوار هو عن ثوبي أنا ودمي أنا فالقدر المتيقن في مقام التخاطب هو ثوبي ودمي فكيف تعيدينا إلى كل دم وكل ثوب وتمسّكنا بالإطلاق ؟ والجواب:- إنَّ هذا من خلال إلغاء الخصوصية عرفاً ، فالرواية موردها خاص بدم فلان وثوب فلان ولكن العرف يلغي هذه الخصوصية ، كما لو قال الامام عليه السلام ( يا زرارة إذا أصاب دمك ثوبك فاغسله ) فإنَّ المورد خاص ولكن نلغي المورد من باب أنَّ العرف يرى إلغاء الخصوصية ، وهذا ليس تمسكاً بالإطلاق ، وهكذا الحال بالنسبة إلى بئر بضاعة فإنه نتعدّى بإلغاء الخصوصية.

والخلاصة من كلّ هذا:- إنَّ ما أفاده صاحب الكفاية(قده) من أن القدر المتيقن في مقام التخاطب يمنع من التمسّك بالإطلاق وجيه بناءً على المقدّمة التي أضفناها إلى مقدّمات الحكمة فإنه متى ما لم يستهجن الاطلاق عرفا ًعند ارادة المقيّد واقعاً فالاطلاق حينئذٍ لا يمكن التمسّك به.

وبهذا فرغنا من كلام صاحب الكفاية(قده).