الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/08/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- استصحاب العدم الأزلي.

وفيه:-

أوّلاً:- فهو قد ذكر أنَّ وصف القرشية في الشق الأوّل - يعيني إذا أخذ وصف القرشية عن وجود المرأة - قال إنَّ رتبته تصير متأخرة عن وجود المرأة ، ونحن نقول: هذا مقبول ، ثم قال: وإذا كان وصف القرشية متأخراً عن وجود المرأة فالنقيض وهو عدم القرشية أيضاً بما أنَّ النقيضين في رتبة واحد ووصف القرشية متأخر عن وجود المرأة فعدم القرشية أيضاً يكون متأخراً عن وجود المرأة ، ونحن نقول له:- قف هنا فإن هذا غير صحيح لأن تأخر شيء عن شيء يحتاج إلى نكتة وملاك والملاك موجود بالنسبة إلى وصف القرشية فإنه أخذ في لسان الدليل في طول وجود المرأة وقيل المرأة الموجودة إذا كانت قرشية فالملاك لوصف القرشيّة أنه أخذ في طول وجود المرأة ومتأخراً عنها في لسان الدليل فهذا هو ملاكة أما عدم القرشية الذي هو النقيض لماذا يلزم أن يكون متأخراً فما هو دليلك عليه ؟ ليس لك دليلاً إلا أن تقول إنَّ رتبة لنقيضين واحدة ونحن نقلو افترض أنَّ الرتبة واحد ولكن تأخر شيء عن شيء يحتاج إلى ملاك والملاك موجود في أحد النقيضين أما في النقيض الثاني الملاك ليس موجوداً فلا يلزم أن يكون متأخراً وهذا قد بيّناه في مبث الضدّ ، ونضرب لك مثالاً لذلك لكي يتضح:- مثل وجود المعلول فإنه متأخر عن العلّة من باب أنَّ العلة هي التي تؤثر والمعلول هو المتأثر فيصير المعلول متأخرا ولكن عدم المعلول الذي هو في رتبة وجود المعلول هل يلزم أن يكون متأخراً عن وجود العلة ؟ كلا ثم كلا وما ذاك إلا لأجل أنَّ وجود المعلول توجد نكتة لتأخره لأنه معلول فهو متأثر فيلزم أن يكون متأخراً ، أما عدم المعلول فليس متأثراً وليس معلولاً عن وجود العلّة حتى يكون متأخراً عن وجود العلّة فلا داعي أن يكون عدم المعلول متأخراً عن وجود العلة.

وفي موردنا أيضاً كذلك فإنَّ وصف القرشيّة بما أنه أخذ في لسان الدليل متأخراً عن وجود المرأة فالنكتة هي أنَّ الدليل أخذه موضوعاً يعني أخذ وجود المرأة بمثابة الموضوع والعلّة لوصف القرشية فوصف القرشيّة جعله الدليل متأخراً عن وجود المرأة ووجود المرأة جعله بمثابة الموضوع لوصف القرشيّة الوصف متأخر عن الموصوف ، ولكن هذا صحيح في وصف القرشيّة أما عدم القرشيّة فليس موضوعه وجود المرأة حتى يلزم أن يكون متأخراً عن وجود المرأة فلا موجب لأن يكون متأخّراً.

ثانياً:- سلّمنا أنَّ النقيض وهو عدم القرشيّة متأخر أيضاً عن وجود المرأة ، ثم قلتَ ( وعليه فالعدم السابق حيث إنه متقدم فاستصحابه لا ينفع لأنه ليس نقيضاً لوصف القرشية إذ ذلك العدم متقدّم على وجود المرأة ووصف القرشيّة وهكذا نقيضه متأخر عن وجود المرأة فذلك العدم ليس نقيضاً ) نقول له: هذا صحيح ذلك العدم ليس نقيضاً بالمعنى المنطقي أو الفلسفي للنقيض ولكن بالتالي هو عدم لوصف القرشيّة سواء كان نقيضاً بالمعنى المنطقي والفلسفي أو لكن لم يكن فإذا استصحبته يثبت لي عدم وصف القرشيّة وكفى ، فبالتالي هذه المرأة سوف لا تتحيض إلى ستين فإنَّ الأثر لم يترتب على عدم وصف القرشية بشرط أن يكون هذا العدم نقيضاً في مصطلح المناطقة أو الفلاسفة فإنَّ هذا ليس مقبول فإن هذا لا دليل على اعتباره ، بل يكفيك أن يكون عدماً للقرشيّة فإنَّ الأحكام الشرعية والآثار والأدلة لا تتبع عنوان النقيض بمصطلحه المنطقي أو الفلسفي ، وهذا خطأ في مجال تطبيق المصطلحات المنطقية والفلسفية فإنَّ الدليل الشرعي رتّب الأثر على وصف القرشية أو عدم وصف القرشية بواقعه لا بعنوانه الفلسفي أو المنطقي فإذا استصحبنا عدم القرشية وثبت انتفاء وصف القرشيّة ، فهذه المرأة سوف لا تتحيّض إلى ستّين سواء كان هذا العدم لا يصدق عليه بنظر المناطقة أو الفلاسفة أنه نقيض فليكن هو ليس نقيضاً فإنَّ هذا ليس مهماً.

ثانياً:- أنت قلت نذهب إلى عالم التشريع ونلاحظ الدليل في عالم التشريع كيف أخذ وصف القرشيّة فهل أخذه متأخراً عن وجود المرأة أو أخذه في مرحلة ذات المرأة وعلى الأوّل كذا وعلى الثاني كذا ، ونحن نقول له:- من أين تحصل على عالم التشريع وترى لسان الدليل فما يدريك كيف يشرّع الله تعالى ؟!! إلا إذا قلت:- نعرف ذلك من خلال لسان الروايات ، فأقول لك:- إنَّ لسان الرواية من هو الذي ينقله ؟ فهذه الدّقة وهي أنَّ التشريع يقول ( المرأة الموجودة - هذا يأخذه أوّلاً - إذا كانت قرشية ... ) فمرّة يأخذ القرشية في طول وجود المرأة هكذا ومرّة يقول ( المرأة القرشيّة ) فهذه دقّة لا تلتفت إليها أذهاننا نحن الطلبة إلا بعد الدراسة والتنبيه أما الإنسان العرفي فلا يلتفت إليها مهما كان ذكياً ، والراوي هو إنسان عرفي وحينما ينقل فهو لا ينقل نصّ الألفاظ بل ينقل المعنى حسب فهمه من دون زيادةٍ ونقيصةٍ ولا يلتفت إلى هذه النكات التي ذكرها الشيخ العراقي(قده) فكيف تريد أن تستفيدها من النصّ ؟!! والأئمة عليهم السلام جوّزوا النقل بالمعنى ، كما ورد ذلك في كتاب القضاء في أبواب صفات القاضي وقد نقلت سابقاً رواية صحيحة قال الراوي فيها للإمام عليه السلام أنا أريد أن أنقل نفس ألفاظكم ولكني لا أستطيع فيحصل تغيير مني ، فقال له الامام عليه السلام:- إذا أردت معناه وتنقل المعنى كفى ذلك .

وكذلك جرت سيرة العقلاء على ذلك ، فنحن حينما ننقل فلا ننقل نصّ الألفاظ وإنما ننقل المعنى فنحن قد نغير بعض الألفاظ ولكن نأتي بمرادفها ، فنحن ننقل ما نفهم ، أما ما ذكره الشيخ العراقي(قده) هي دقّة فوق حدود الانسان العرفي ، ولا أقصد من الإنسان العرفي عوام الناس بل أنا وأنت ، فنحن رغم دراستنا لا نلتفت إلى هذه النكات إلا إذا نبّهنا إليه.

فإذن هذه نكات عالية لا يلتفت إليها الانسان المتعارف الفاضل فلا يمكن استفادتها في عالم التشريع ؟!! ومن الواضح أنَّ هذا الكلام سوف يؤثر بعض الأحكام التي يقول فيها فقيه بأنّ الرواية عبّرت بكذا ولم تعبّر بكذا مثلاً عبّرت بكلمة ( ثم ) ولم تعبّر بكلمة ( و ) ، يعني يذهب إلى الدّقيّات التي فوق المستوى هذا تحميل على الإنسان العرفي فوق طاقته ، واستنباط أحكامٍ شرعيةٍ مبنيّة على هذه النكات الدقيقة محل تأمل.