الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/08/19
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- استصحاب العدم الأزلي.
الكلام في المقدّمة الثالثة:- وفي هذا المجال نقول: نحن نسلّم أنَّ استصحاب العدم المحمولي لإثبات العدم النعتي مبنيّ على حجية الأصل المثبت ، ولكن عندنا كلام في أنه لِمَ قلنا إنَّ العدم الأزلي دائماً هو محمولي حتى يترتّب على ذلك أنه يكون استصحابه لإثبات العدم النعتي مبنيّ على حجية الأصل المثبت ، بل تعال لنقترح أنَّ استصحاب العدم الأزلي هو نعتي أيضاً وليس محمولياً ؟ فإذا كان عدماً نعتياً فسوف يرتفع الاشكال ، لأننا نستصحب العدم النعتي الأزلي لإثبات العدم النعتي بعد الوجود ، فهو عدمٌ واحد سوف نستصحبه فلا إشكال حينئذٍ.
وهذا ليس إشكالاً على المقدّمة الثالثة وإنما هو مناقشة في أطرافها.
والآن نأتي ونقول:- إنَّ العدم الأزلي السابق إذا سلّمت أنه محمولي فيلزمك أن تسلّم شئت أم أبيت إنه في نفس الوقت هو عدم نعتي ، فمادام قد سلّمت أنه يوجد عدم محمولي فحتماً يوجد عدم نعتي ، فإذا سلّمت أنَّ العدم المحمولي كان ثابتاً سابقاً فذلك العدم المحمولي هو أيضاً عدم نعتي حتماً ، والوجه في ذلك أن يقال: إذا كانت الذات - أي المرأة - قد ثبت إلى جنبها عدم الاتّصاف - أي عدم الاتصاف بالقرشيّة - فهي إذن متّصفة بعدم القرشيّة ، وهذا ينبغي أن يكون من المطالب البديهية ، نظير أن يقال أنا يوجد معي عدم الجهل مثلاً الذي هو عدم محمولي فإذا كان يوجد معي عدم الجهل فبالتالي أنا متّصف بعدم الجهل وإلا يلزم خلف الفرض يعني أنَّ عدم الجهل لم يكن معي ، فأنت مادمت قد سلّمت أنَّ عدم الجهل معي بنحو العدم المحمولي فلابد أن تسلّم بأنّي متّصف بعدم الجهل ، ونفس الكلام بالنسبة إلى ذات المرأة فإنَّ ذات المرأة إذا كان يعيش معها وإلى جنبها عدم الاتّصاف بالقرشيّة فهي إذن متّصفة بعدم القرشيّة شئت أم أبيت فالاتصاف بعدم القرشيّة ثابت في الأزل مادام العدم المحمولي ثابتاً في الأزل فيلزم أن يكون الاتصاف بعدم القرشية ثابتاً في الأزل أيضاً ولا مناص من ذلك.
وربما تقول:- إنَّ الاتصاف بالعدم هو نحو وصفٍ وبالتالي هو وصفٌ والوصف يحتاج إلى موصوفٍ متحقق والمفروض أنَّ ذات المرأة لا ثبوت لها فكيف يثبت لها الاتّصاف بعدم القرشيّة والحال أنَّ الاتصاف بالعدم بما أنه وصفٌ فهو يحتاج إلى وجود الموصوف وهنا لا يوجد موصوف ؟
والجواب:- إنَّ عدم الاتّصاف بالقرشيّة الذي هو عدم محمولي لأيّ شيء كان ثابتاً فهل كان ثابتاً للا شيء أو كان ثابتاً للشيء ؟ فإذا قلت هو ثابت للا شيء فالعدم المحمولي لم يثبت سابقاً ، إذن افترضت أنَّ العدم المحمولي ثابت لذات المرأة ومادام ثابتاً لذات المرأة قبل وجودها وخلقتها فهذه الذات التي فرضت إلى جبنها عدم القرشيّة نقول هي متّصفة بعدم القرشيّة ، فإذن ثبوت العدم المحمولي يلازم دائماً ثبوت العدم النعتي.
إن قلت:- أنا أسلّم بما قلت ولكن يبقى في وجداني شيء لابد من ازالته ، فأنا كيف أصدّق أن الاتصاف بالعدم وهو وصفٌ هو ثابت لذات المرأة فإنَّ هذا يصعب عليّ تقبله وجداناً لكن استدلالك متين ؟
والجواب:- إنَّ الذات يمكن أن نقول هي لها نحو من الثبوت في عالم الواقع وفي لوح الواقع ، فعندنا لوح الوجود الخارجي وعندنا لوح الوجود الذهني وعندنا لوح الواقع الذي هو أعم من لوح الوجود فقد يكون الشيء ثابتاً في لوح الواقع وليس بثابتٍ في لوح الوجود الخارجي ، مثل ( شريك الباري ممتنع ) فهذا الامتناع هو حكمٌ وهل هو ثابت للعدم واللا شيء ؟ كلا فإنَّ الحكم بلا موضوع لا يمكن ، فكيف ثبت الحكم لشريك الباري بالامتناع والحال أنه لا وجود له إذ لو كان له وجود لما كان ممتنعاً فكيف يكون هذا الحكم بالامتناع ثابتاً وهو لا تحقق له فإنَّ ثبوت الحكم فرع تحقق ثبوت المحكوم عليه ؟! نقول آنذاك: هناك لوح الواقع وهو أعم من لوح الوجود وبلحاظه تصحّ النسبة فنقول ( شريك الباري ممتنع ) وإلا إذا كان لا يوجد عندنا لوح الواقع فهذا الحكم سوف يصير باطلاً ولا مصداقية له ، فإذن لابد أن نقول يوجد عندنا لوح الواقع حتى نحكم عليه بالامتناع ، وهنا أيضاً كذلك ، فأنت حينما قلت يوجد العدم المحمولي إلى جنب ذات المرأة فذات المرأة كيف يوجد إلى جنبها العدم المحمولي ؟ إنه لابد أن تلاحظ المرأة في لوح الواقع ، فإذا كان البناء هكذا فنقول إنه مادام في لوح الواقع يصحّ أن نحكم على ذات المرأة بأنها ليست متّصفه فهي إذن متّصفة بالعدم النعتي ، فبناءً على هذا الكلام سوف يتحوّل كلّ عدمٍ محمولي أزلي إلى عدمٍ نعتي.
وبالتالي نخلص إلى هذه النتيجة:- وهي أنه هناك طريقان لإثبات صحة استصحاب العدم الأزلي ، الطريق الأوّل هو الذي سلكه صاحب الكفاية(قده) حيث قال إنَّ المخصص يخرج القرشيّة فقط ويبقى جميع الأفراد تحت موضوع العام ومنها المرأة زائداً عدم القرشيّة الذي هو العدم المحمولي ، والثاني ما بينّاه الآن وهو أنَّ العدم المحمولي إذا سلّمنا بثبوته سابقاً لذات المرأة فيلزم أن نسلّم العدم النعتي فيجري استصحاب العدم النعتي الأزلي ، فيجري استصحاب العدم الأزلي مرّةً للعدم المحمولي - هذا على رأي صاحب الكفاية(قده) - ، ويجري مرّةً للعدم النعتي - بناء على ما ذكرناه - ، ولا يخفى لطفه.