الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/08/17
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- استصحاب العدم الأزلي.
الاشكال الثاني:- إنه ذكر شقّين في كلامه فقال إذا أخذ عدم الاتصاف بالقرشيّة الذي هو عدم محمولي في موضوع التحيّض إلى خمسين فمن ناحية العدم النعتي إما أن نفترض الاطلاق أو نفترض التقييد ، والمقصود من التقييد يعني يقيد موضوع الحكم بكلا العدمين ، يعني تصير العبارة هكذا ( المرأة تتحيّض إلى خمسين فيما إذا لا اتصاف لها بالقرشيّة وأيضاً لها اتصاف بعدم القرشيّة ) ، وهذا الشقّ الثاني نسلّم للشيخ النائيني(قده) بأنه باطل جزماً كما قال ، لأنه إذا اشترط العدم النعتي ففي ضمنه يوجد عدم محمولي فإنَّ العدم النعتي هو عدم محمولي مع زيادة فجمعهما واعتبارهما معاً في موضوع الحكم لا معنى له بل يكفي العدم النعتي فإنه فيه العدم المحمولي وزيادة.
ولكن نخالفه في الشق الأوّل:- فإنه قال في الشق الأوّل أن يكون موضوع الحكم بالتحيّض إلى خمسين مقيّداً بعدم الاتصاف الذي هو عدم محمولي ولكن بالنسبة إلى الاتصاف بالعدم فهو مطلق وهنا قال الشيخ النائيني(قده) هو باطل ، وأوضح ذلك حيث قال: إنَّ الاطلاق باطل لأنَّ نتيجة الاطلاق هنا هي أنَّ المهم في التحيّض إلى خمسين الذي هو عدم الاتصاف وأما الاتصاف بالعدم فلا يهمني ولا يكفيني وسواء تحقق أو لم يتحقق العدم النعتي فليس بمهم بل المهم هو العدم المحمولي.
ولو فَسَّر الاطلاق بهذا التفسير فالحق معه فإنه كما قال ، فإنَّ هذا لغوٌ ، إذ لا معنى لأن يقول المولى ( أنا أريد العدم المحمولي - أي عدم الاتصاف - وأما العدم النعتي فلا يهمني ولا ينفعني حتى لو تحقق نعم هو لا يضرّ ولكن تحققه لا ينفعني بل المهم أني أريد العدم المحمولي فقط ) ، ولكن هذا لغوٌ ، إذ لو تحقق العدم النعتي تحقق في ضمنه العدم المحمولي وزيادة ، مثل مَن حصّل الانسان فهو قد حصّل الحيوان ولا معنى لأن تقول يهمني الحيوان ولا يكفيني تحقق الانسان فإنَّ هذا لغوٌ لأنه إذا تحقق الانسان فقد تحقق الحيوان ، فإذا فسّرنا الاطلاق كما ذكر الشيخ النائيني(قده) فالحق معه.
لكن نحن نقول:- إنَّ تفسير الاطلاق بها الشكل مرفوض ، والصحيح أن نفسّر الاطلاق هكذا: ( إنَّ عدم الاتصاف يكفي في التحيّض إلى خمسين ولا يلزم أن يتحقق الاتصاف بالعدم لا أنه لا يكفي ) ، فهو فسّر الاطلاق بـ( لا يكفي ) فإذا فسّره هكذا فهذا واضح الوهن كما قال لأنه كيف لا يكفي والحال أنَّ العدم النعتي هو عدم محمولي وزيادة ، أما إذا فسّرنا الاطلاق بجملة ( لا يلزم ) يعني أنَّ المقدار اللازم هو عدم الاتّصاف ولا يلزم أن يتحقق الاتّصاف بالعدم فلو تحقق فهو يكفي ولكن لا يلزم ذلك فلا يرد اشكال اللغوية ، إذ أني أنا المولى أريد أن أقول ( يكفي في التحيّض إلى خمسين تحقق عدم الاتصاف ولا يلزم أن تثبت الاتصاف بالعدم فإذا ثبت الاتصاف بالعدم فهذا زيادة خير ولكنه ليس بلازم ) ، فإذا فسّرنا الاطلاق بهذا الشكل فلا يلزم محذور.
إن قلت:- هذا جيد ولكنه يحتاج إلى مثبت ، يعني كيف نثبت أنَّ التفسير الصحيح للإطلاق هو ما اخترناه نحن وليس ما اختاره الشيخ النائيني(قده) فالإشكال بَعدُ باقٍ ؟
قلت:- يوجد عندنا مثبت وهو أنَّ عدم الاتصاف يعني العدم المحمولي هو بمثابة الأعم والاتصاف بالعدم هو بمثابة الأخص - لأنّ فيه عدم محمولي وزيادة ، يعني أنَّ العدم المحمولي بمثابة الحيوان والعدم النعتي بمثابة الإنسان وأنت إذا كان غرضك يتحقق بمطلق الحيوان فماذا تقول للخادم ؟ إنك تقول له ( اذبح لنا حيواناً ) أما من ناحية الخصوصية فمطلق ، يعني أنه يكفيني لو ذبحت بقرة أو جملاً أو خروفاً ، فأنا أريد أن أقول لك يكفيني الأعم ولا يتوقّف هدفي على تحقق الأخص أي على تحقق ببذح البقرة أو الشاة ، ولو سألني العبد وقال هل يلزم أن أذبح شاة ؟ فأقول له: كلا بل يكفيني مطلق الحيوان ولا يهمني أن يكون هو عنوان الشاة أو عنوان البقرة أو غيرهما لا أنه لا يكفي فإنَّ هذا غير صحيح ، بل نقول لا ألزمه بعنوان الشاة ، نعم لو انعكس الأمر أي قلت له ( اذبح لنا شاة ) أي طلبت منه الأخص فمن ناحية الأعم - يعني الحيوان - كيف ينبغي أن نفسّر الاطلاق ؟ لابد أن نفسّره هكذا: ( إنَّ هدفي لا يتحقق إلا بالأخص وهو الشاة ولا يكفيني الأعم ).
إذن هذه نكتة واضحة ، فإذا كان متعلّق الهدف هو الأعم - وهو الحيوان - فالإطلاق سوف يصير معناه ( لا يلزمك الشاة ) ، أما إذا كان متعلّق الهدف هو الأخص فسوف يصير معنى الاطلاق ( لا يكفيني الأعم ).
وتعال إلى موردنا:- فإنه في موردنا مادام قد فرضنا أنَّ متعلّق هدف المولى قُيّد بالعدم المحمولي فالإطلاق بلحاظ العدم النعتي يصير معناه ( لا يلزمك ) لا أنَّ معناه ( لا يكفي ).