الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/08/05
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- استصحاب العدم الأزلي.
الأقوال في المسألة:- الأقوال المعروفة ثلاثة:-
القول الأوّل:- حجية الاستصحاب في الأعدام الأزلية بشكلٍ مطلق ، وممّن تبناه الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية تحت عنوان ( إيقاظ )[1] ، ووافقه على ذلك السيد الخوئي(قده) والسيد الشهيد(قده).
القول الثاني:- انكار ذلك مطلقاً ، ومن رواده الشيخ النائيني(قده).
القول الثالث:- التفصيل بين لوازم لماهية ولازم الوجود ، وقد اختاره الشيخ العرقي(قده).
أدلة القول الأوّل:-
يكفي لأصحبا القول الأوّل التمسك بإطلاق دليل حجية الاستصحاب ، أي ( لا تنقض اليقين بالشك ) فإنه بإطلاقه يشمل الأعدام الأزلية والمانع هو الذي يحتاج إلى مقيّد لهذا الاطلاق ، ونحن سوف نذكر وجوهاً لإثبات حجية الاستصحاب في الأعدام الأزلية ، بيد أن دور هذه الوجوه دور نفي المانع لا دور اثبات المقتضي وإلا فالمقتضي ثابت بإطلاق رواية ( لا تنقض اليقين بالشك ) ، فمن خلال هذه الوجوه يراد نفي الموانع فهي في الحقيقة يرجع إلى ذلك بعدما عرفنا أنَّ المقتضي للحجية ثابت وهو اطلاق حديث ( لا تنقض اليقين بالشك ) ، والوجوه هي:-
الوجه الأوّل:- ما تمسك به في الكفاية[2] وحاصل ما ذكره: إنَّ المولى إذا قال المرأة تحيض إلى خمسين ثم جاء دليل منفصل قال تتحيض القرشية إلى ستين فوظيفة هذا المخصص هي اخراج القرشية من دائرة الدليل الأول ، فقط وفقط يراد اخراج القرشية ، وهذا المخصص لا يوجب تعنون الخارج بعنوان خاص يعني عنوان المرأة المتصفة بغير القرشية ، يعني لا يصير موضوع التحيض إلى خمسين هو المرأة المتصفة بغير القرشية والذي كنا نصطلح عليه سابقاً المرأة الملحوظة بنحو العدم النعتي يعني أخذ عدم القرشية بنحو العدم النعتي ، كلا ليس هكذا بل الموضوع للتحيّض إلى خمسين هو المرأة وهذا هو الجزء الأوّل والجزء الثاني هو عدم كونها قرشية بنحو العدم المحمولي ، فالمهم أنَّ صاحب الكفاية(قده) يريد أن يؤكد هذه القضية وهي أنه بعد مجيء المخصص موضوع العام ماذا يصير هل هو المرأة المتصفة بغير القرشية ؟ فإذا صار الموضوع هو هذا فلا يمكن حينئذٍ اجراء استصحاب العدم الأزلي لأنَّ العدم الأزلي هو عدم محمولي بينما هذا العدم أي الاتصاف بعد القرشية هو عدم نعتي واستصحاب العدم الأزلي لإثبات العدم النعتي أصل مثبت فلذلك صاحب الكفاية يؤكد على أن وظيفة المخصص فقط اخراج القرشية وإلا فكل العناوين باقية تحت العام ومن جملة العناوين الباقية تحت العام المرأة زائداً عدم القرشية فجميع الأفراد باقية تحتها يعني مثلاً المرأة من العشيرة الفلانية والمرأة من العشيرة الفلانية أي كل العناوين موجودة ومن جملة الموجود المرأة زائداً عدم القرشية فصار الموضوع مركّباً من جزأين من مرأة زائداً عدم القرشية ، فمرأة ثابت بالوجدان وعدم القرشية هذا عدم محمولي وليس الاتصاف بالعدم بل عدم القرشية فباستصحاب العدم الأزلي نثبت عدم القرشية ، ولكن النقطة المهمة التي يؤكد عليها صاحب الكفاية(قده) هي أنه بعد التخصيص لا تتصوّر أنَّ الباقي يتعنون بعنوان المرأة المتّصفة بعدم القرشية بل قبل أن يأتي المخصّص ماذا كان تحت العام ؟ كانت كلّ النساء بأيّ وصفٍ من الأوصاف ووظيفة المخصّص هي اخراج القرشيّة ويبقى تحت العام كل الأفراد ما عدى القرشية وواحد من الأفراد الباقية هو المرأة زائداً عدم القرشيّة ، فإذا كان كذلك فاستصحاب العدم الأزلي يمكن اجراؤه ، ونصّ عبارته:- ( أيقاظ: إنَّ الباقي تحت العام بعد تخصيصه ..... لما كان غير معنون بعنوان خاص بل بكل عنوان لم يكن بالعنوان الخاص كان احراز المشتبه منه بالأصل الموضوعي .... ممكناً فبذلك يحكم عليه بحكم العام ).
هذا ما قلت وهو أنَّ أصل المقتضي موجود وهو بهذا البيان أراد به نفي المانع لا أنه يثبت المقتضي وإلا فالمقتضي ثابت بإطلاق روايات ( لا تنقض اليقين بالشك ).
وفيه:- إنَّ ما أفاده على ظاهره يرد عليه إشكال فإنه قال الباقي تحب العام هو المرأة بكل عنوان كان فجميع العناوين موجودة تحت العام وهذا يرد عليه إشكال فإنه مبني على أنَّ الاطلاق عبارة عن الجمع بين القيود والصحيح أنه رفض القيود ، يعني حينما أقول لك ( جئني بماء ) فهو يقول هذا مطلق ومعنى مطلق يعني جئني بماءٍ سواء كان الماء ماء الفرات أو ماء دجلة أو الماء المقطر أو ماء زمزم ..... فإذا كان المتكلم قد لاحظ جميع هذه الأفراد فهذا عبارة الجمع بين القيود فالإطلاق يعني أنَّ المولى يلاحظ كل العناوين - والمقصود من القيود هنا العناوين والأوصاف - ويقول لك جئني أي واحد منها فهذا جمع بين القيود ، إنَّ الاطلاق معناه ليس هذا وإنما جئني بالطبيعة من دون قيدٍ ، فالملحوظ هو ذات الطبيعة فهذا هو رفض القيود ، فهو يلاحظ ذات طبيعة الماء ويغضّ النظر عن الزائد ، وعبارة صاحب الكفاية(قده) توحي بالأوّل لأنه قال إنَّ الباقي تحت العام هو كل عنوان يعني المرأة من هذه العشيرة والمرأة من تلك العشيرة .... وهكذا وهذا جمعٌ القيود وهذا المبنى باطل لوجوه ثلاثة:-
الأوّل:- مخالفته للوجدان ، فإنَّ الوجدان قاضٍ بأنه حينما نصب حكماً على المطلق ونريد المطلق لا نبقى نلاحظ الأفراد بل نصبّ الحكم على الطبيعة من دون قيد.
الثاني:- لو كان الاطلاق عبارة عن الجمع بين القيود يلزم أن يكون الاطلاق قضية صعبة ، لأنه يحتاج إلى وقت حتى يلاحظ كل الأفراد ، فمثلاً في الماء يلزم أن يلاحظ ماء الفرات وماء دجلة والماء الصافي والماء الملوّث .... وهكذا وهذا يحتاج إلى وقت طويل ، وأصلاً لا يستطيع أن يحصي كلّ هذه الأوصاف إلا علام الغيوب ، فإذن سوف تحتاج عملية الاطلاق إلى فترة طويلة والحال أنها تحصل في لحظة.
ثالثاً:- إنه يلزم أن تكون في باب الاطلاق أحكاماً متعددة لا حكماً واحداً ، فلو كانت الأوصاف التي لاحظتها مائة فسوف يصير مائة موضوع ومائة حكم والحال أنَّ الاطلاق حكماً واحداً.
فلو كان صاحب الكفاية(قده) يقصد رفض القيود لكان من المناسب أن يقول ( إنَّ الباقي تحت العام لما كان هو الطبيعة ) لا أنه يقول ( كلّ عنوان ) فإنَّ هذا التعبير يبتني على أنَّ الاطلاق عبارة عن الجمع بين القيود ، فما أفاده مورد للإشكال من هذه الناحية.
اللهم إلا أن يقال:- إنَّ مقصوده هو أنَّ الموضوع هو طبيعي المرأة والخارج هو عنوان القرشيّة ، فإذا كان يقصد هذا فسوف يمكون شيئاً وجيهاً ، وبالتالي يجري استصحاب العدم الأزلي ، لأنَّ الموضوع هو المرأة وهذه مرأة بالوجدان وخرج عدم القرشيّة بنحو العدم الأزلي فحينئذٍ يجري الاستصحاب بلا مشكلة ويتم الموضوع.
نعم لابدّ وأن نستعرض الدليل الثاني:- أي لابد أن نستعرض كلام الشيخ النائيني(قده) الذي ذهب إلى الاستحالة ، فإذا لاحظنا دلليه وتمكنّا أن نردّه فحينئذٍ لا نواجه مشكلة ، أما إذا لم نتمكن من ردّه فالمشكلة تأتي من الجهة التي يفيدها الشيخ النائيني(قده) وإلا فلحدّ الآن لا مشكلة في كلام صاحب الكفاية(قده).