الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/08/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- تتمة مبحث العام والخاص ، استصحاب العدم الأزلي.

تفصيلٌ للشيخ النائيني(قده):- إنَّ للشيخ النائيني في أجود التقريرات[1] كلاماً حاصله التفصيل بين أمور ثلاثة:-

الأوّل:- أن يفترض أنَّ المخصّص اللبّي يخصص موضوع الحكم - والمقصود من المخصّص اللبّي مثل القطع العقلي - كما إذا قال ( أكرم كل نجفي ) وقطعنا أنه لا يريد النجفي على اطلاقه بل النجفي غير الفاسق.

الثاني:- أن يكون هذا المخصّص اللبّي مقيداً ومضيقاً للملاك ، فالملاك مقيّد ومختصٌّ بحالة عدم الفسق ، لا أنَّ عدم الفسق أخذ قيداً في موضوع الحكم.

الثالث:- أن يفترض أنا نشك أنَّ هذا المخصص اللبّي يقيد الموضوع أو يقيد الملاك دون الموضوع.

فإن فرض الحالة الأوّلى- ففي مثل ذلك لا يجوز التمسّك بعموم العام في مورد الشك ، يعني إذا خصّص القطع العقلي ( أكرم كل نجفي ) بالنجفي غير الفاسق وبعد ذلك شككنا في نجفيٍّ أنه فاسق أو ليس بفاسق بنحو الشبهة الموضوعية فهنا لا يجوز التمسّك بعموم ( أكرم كل نجفي ) من دون فرقٍ بين أن يكون المخصّص اللبّي واضحاً جداً أو لم يكن بتلك الدرجة من الوضوح فإنه على كلا التقديرين لا يجوز التمسّك بالعموم.

وإن فرض الحالة الثانية:- فيجوز التمسّك بعموم العام في الشبهة الموضوعية ، والوجه واضح حيث إنَّ موضوع الحكم وسيع ولم يتقيّد وإنما الملاك قد تقيّد ، يعيني أنَّ الملاك تقيّد بأن لا يكون الشخص فاسقاً فنأخذ بإطلاق الحكم بعدما كان الحكم وكموضوع حكم ليس مقيّداً فيؤخذ بإطلاق الحكم وبإطلاق موضوعه ، إذ المفروض أنَّ الحكم بموضوعه ليس مقيّداًً ، وايضاً من دون فرق بين أن يكون هذا المخصّص اللبّي واضحاً جداً أو لا يكون بتلك الدرجة من الوضوح ، فمادام موضوع الحكم باقياً على الاطلاق فنتمسّك بعموم العام واطلاق المطلق.

وإن فرض الحالة الثالثة:- فهنا فصّل وقال: إذا كان المخصّص اللبّي واضحاً جداً فهنا لا يجوز التمسّك بالعام في مورد الشبهة الموضوعية ، وأما إذا لم يكن واضحاً بتلك الدرجة فيجوز التمسّك بالعام في مورد الشك ، والوجه في ذلك: هو أنَّ المخصّص اللبّي إذا كان واضحاً جداً يصير المورد ممّا اتصل بالعام ما يصلح للقرينية فيصير مجملاً ، أما كيف صار من هذا القبيل ؟ وذلك باعتبار أننا نحتمل أنَّ الموضوع مقيّد ، ومادمنا نحتمل أنَّه مقيد والمفروض أنَّ المخصّص واضح جداً فيصير بسبب وضوحه الشديد من قبيل المتّصل ، وإنما قلنا ممّا يحتمل قرينيته ولم نجزم بقرينيته باعتبار أنّا لا نجزم برجوعه إلى الموضوع فلعله راجع إلى الملاك ، فباعتبار احتمال رجوعه إلى الموضوع يصير الكلام من قبيل اتصال العام بما يصلح للقرينية ، فلا ينعقد ظهور للعام في العموم.

هذا بخلافه إذا لم يكن المخصص اللبّي بهذه الدرجة من الوضوح فإنه لا يكون من قبيل العام الذي اتصل به ما يصلح للقرينية فنتمسّك حينئذٍ بعموم العام في مورد الشك.

وفي مقام التعليق نقول:-

أما ما ذكره في الحالة الأولى:- فهو شيء وجيه ، وهو ما ذكرناه سابقاًً ، فإننا ذكرنا في مقام الردّ على الشيخ الخراساني(قده) وقلنا مادام المخصّص اللبّي كشف عن ضيق الموضوع فلا يجوز التسّمك بعموم العام بل يصير هذا من قبيل اثبات الحكم لموضوعه ، أي صار الموضوع مقيّداً ولا يبقى على اطلاقه ، فإذا صار مقيّداً والمفروض أنَّ الحكم لا يثبت موضوع نفسه - موضوعه الذي هو مقيّد - فلا يمكن التمسّك بعموم العام لإثبات أنَّ هذا فرد من العام ، فالحقّ إذن مع الشيخ النائيني(قده) ، وهذا مطلب قد أشرنا إليه سابقاً.

بيد أننا نذكر له مكمّلاً عليماً لا عرفياً:- وهو أنَّ هذا يتم فيما إذا فرض أنَّ الحكم كان مجعولاً بنحو القضية الحقيقة كما هو المتعارف في باب الأحكام ، وأما إذا كان مجعولاً بنحو القضية الخارجية كما إذا فرض أنَّ المولى صبَّ حكماً على الأفراد الخارجيين وقال ( أكرم كلّ هؤلاء ) بنحو القضية الخارجية ولم يأخذ عنواناً كلّياً ثم قطع العبد بأن العدو لا يريد اكرامه وشككنا في فردٍ أنه عدو أو ليس بعدو فهنا نتمسّك بعموم العام ، لأنَّ المفروض أنَّ الحكم مجعولٌ بنحو القضية الخارجية ، ومادام مجعولاً بنحو القضية الخارجية فمعناه أنَّ المولى قد أحرز أنَّ كل شخص ليس بعدو وصبّ الحكم عليه فنأخذ بعمومه وننفي احتمال العداوة ونقول مادامت القضية خارجية فلابد أن يكون المولى قد أحرز أنهم ليس فيهم عدو ، لكن هذا يتم في القضية الخارجية التي هي مجرّد افتراض في باب الأحكام ، فإنه في باب الأحكام الشرعية عادةً تكون بنحو القضية الحقيقة ، فالمولى حينئذٍ لا يتكفّل بيان من هو عدوه ومن هو ليس عدوّه ، بل هو يصدر الحكم على العنوان الكلي لا على الأفراد الخارجيين ، فحينئذٍ لا يجوز التمسّك بعموم بالعام في باب العموم المجعول بنحو القضية الحقيقية.

فإذن ما أفاده الشيخ النائيني(قده) في الحالة الأولى تام ونوافقه عليه مادام الحكم مجعولاً بنحو القضية الحقيقة كما هو المتداول عادةً في باب الأحكام الشرعية ، أما إذا كان مجعولاً بنحو القضية الخارجية فلا يتم ما ذكره ، لأنَّ نفس الجعل بنحو القضية الخارجية يرشد إلى أنَّ المولى قد أحرز أنَّ كل فرد من الأفراد ليس بعدوٍّ فيتمسّك بالعموم.

وأما ما ذكره في الحالة الثانية:- من أنه إذا كان المخصّص اللبّي راجعاً إلى الملاك فيبقى موضوع الحكم على سعته واطلاقه فحينئذٍ نتمسّك بالعموم ويجوز التمسّك بالعموم ولا يكون المورد من باب اثبات الحكم لموضوع نفسه إذ المفروض أنَّ الموضوع ملحوظ بنحو الاطلاق لا أنه مقيّد بقيد غير الفاسق ، فما ذكره الشيخ هنا أيضاً تام ووجيه ولا توجد مناقشة لنا فيه.

إلا أننا نقول:- إنه عادةً متى ما تقيّد الملاك فسوف يتقيّد موضوع الحكم أيضا لا أنه يبقى مطلقاً ، ولا نقول هناك ملازمة عقلية بل نقول هناك ملازمة عرفية فمتى ما كان ملاك الحكم ضيّقاً يسري إلى موضوع الحكم فيتضيق موضوع الحكم ايضاً فما ذكره هنا في الشق الثاني مجرد فرض علمي بحت ليس له واقع عادة ًولكن لو كان له واقع فالحق معه.

وأما ما ذكره في الحالة الثالثة فيمكن أن يقال:- إنَّ حالة التردّد على ما أفدنا في الحالة الثانية عادةً هي مفقودة فإنه متى ما تضيّق ملاك الحكم تضيّق الموضوع فحالة التردّد إما هي ليست موجودة أو أنها نادرة ولكن لو فرض أنها موجودة فالحق معه وما ذكره من التفصيل شيء وجيه ، ولكن عادةً متى ما تضيّق الملاك تضيق موضوع الحكم فحالة التردّد ليست موجودة حتى يأتي التفصيل الذي ذكره.

والنتيجة التي نخرج بها:- هي أنَّ الأمر ينحصر بالحالة الأولى فإنَّ الموجود هو الحالة الأولى وهي أن يكون المخصّص اللبّي مقيداً لموضوع الحكم وأما الحالة الثانية والثالثة فهي افتراضات علمية ، فهذا تفصيل ظاهري وإلا ففي الواقع هو منحصر في الحالة الأولى ونسلّم أنه متى ما كان المخصّص اللبّي مضيّقاً لدائرة موضوع الحكم فلا يجوز التمسّك بعموم العام وهذا كلام ذكرناه سبقاً وهو وجيه.

وبهذا ننهي كلامنا عن مبحث العام والخاص.

 

استصحاب العدم الأزلي:

هذا العنوان يذكر في مباحث العام والخاص والحال أنه يلزم أن يذكر في باب الاستصحاب ، والنكتة في ذلك هو أنه إذا كان موضوع العام مركّباً من جزأين من ملاقاة النجاسة مثلاً وعدم كرّية الماء فيقال الملاقاة ثابتة بالوجدان وعدم الكرّية ثابتة بالعدم الأزلي فيثبت موضوع العام وبالتالي يثبت الحكم ، بهذه المناسبة ذكروا استصحاب العدم الأزلي في مباحث العام والخاص لأنه إذا لم ندخل استصحاب العدم الأزلي هنا فلا يمكن أن نحرز الموضوع ويكون التمسّك بالعام تمسّكاً به في الشبهة المصداقية وهو لا يجوز ، فلأجل أن لا يصير من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية نحاول أن نحرز الموضوع فنقول إنَّ الموضوع مركّب من جزأين عدم الكرّية والملاقاة ، والملاقاة محرزة بالوجدان عدم الكرّية نثبته باستصحاب العدم الأزلي فنتمسّك بعموم العام من هنا وقع الكلام هل يمكن التمسّك باستصحاب العدم الأزلي أو لا ، فهو ذكر هنا لأجل هذه النكتة أي حتى لا يلزم محذور التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية.


[1] أجود التقريرات، الخوئي، ج1، ص475.