الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/07/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- المخصص المجمل مفهوماً أو مصداقاً – مبحث العام والخاص.

وفيه:- إننا قد فرضنا أنَّ العقل بم حكم وبم قطع ؟ هل قطع بأنَّ هذا العدو من الجيران لا يريد المولى اكرامه ثم أنَّ هذا العدو أنه على على نحو القضية الجزئية أو فرضنا أنَّ العقل قطع بأنَّ كل عدوّ لا يريد المولى اكرامه لا هذا العدوّ أو ذاك العدوّ الثاني أو ذاك الثالث كلا بل بالعنوان الكلّي فكلّ عدوّ من جيراني لا يجوز اكرامه هكذا العقل يقول باعتبار أنه يعرف حال المولى وأنه لا يريد اكرام الأعداء ، فهنا القطع بماذا ؟ القطع بالقضية الوسيعة لا القضية الضيقة ، والقضية الوسيعة هي ( لا تكرم كل عدوّ من الجيران ) ، فالمخصّص العقلي قال هكذا ، فإذا قال هكذا فالعام سوف تتخصص حجيته وتصير النتيجة هي أنه يجب اكرام كل الجيران إلا العدو منهم بنحو العنوان الكلّي وليس بنحو العنوان الجزئي ، فإذن تخصّصت حجية العام بغير العدو من الجيران ، والمفروض أني لا أجزم بكون هذا المشكوك فرداً من موضوع العام الحجة فإنَّ موضوع العام الحجة صار هو الجيران غير العدوّ هذا الشك هل هو مصداقٌ أو لا فكيف تتمسّك بعموم العام في مثل ذلك ؟! فالمناسب عدم جواز التمسّك بالعام في مثل هذه الحالة بعدما كان العقل يحكم بنحو القضية الكلّية لا بنحو القضية الجزئية.

ولو سألتني وقلت:- من أين جاء العقل بهذا القطع فهل العقل يتدخّل في هكذا أمور ؟

قلت:- لا تقل إنَّ العقل يحكم بذلك بل أنا أعرف من طبع المولى أنه يكره الجيران العدوّ ولا يريد اكرامه ، فحصل قطع بهذا ولكن بالعنوان الكلّي ، فإذا صار قطع بالعنوان الكلّي تخصّص موضوع حجّية العام لا أنه صار قطعاً بالفرد الجزئي حتى يأتي صاحب الكفاية(قده) ويقول إنَّ القطع إنما يكون حجة فيما إذا تحقق في حقّ كل فردٍ فرد ، فإنَّ هذا إذا كانت القطوع متعلّقة بالأفراد الجزئية لكن المفروض أنَّ العبد قد جزم بأنَّ كلّ عدوّ لا يجوز اكرامه بنحو القضية الكلّية.

وأما ما أفاده من أنَّ العقلاء والسيرة العقلائية تذمّ العبد إذا لم يكرم هذا الجيران فعهدته عليه.

فردٌ آخر وآخر:- ذكرنا فيما سبق أنَّ المصداق للتمسّك للعام في الشبهة المصداقية هو أن يأتي عام ويأتي مخصّص منفصل يخصّص العام ، الأوّل يقول ( أكرم كل نجفي ) والثاني يقول ( لا تكرم النجفي الفاسق ) وهنا لو كان هناك شخص نجفي جزماً لكن شككنا في أنه فاسق أو ليس بفاسق فهل نتمسّك بعموم العام لإثبات وجوب اكرامه بعد فرض أنَّ الفاسق قد خرج بالمخصّص ؟ ، هذا هو مورد كلامنا.

ويوجد فردان آخران ، أحدهما أن يفترض عدم وجود مخصّص بل يوجد عام فقط وفقط من دون مخصّص مثل أن يقول ( اكرم كلّ نجفي ) ورأينا شخصاً لا ندري أنه نجفي أو لا فهنا أيضاً الشبهة تكون مصداقية لكن ليست مصداقية للمخصّص فنشك في كونه مصداقاً للمخصّص أو كونه مصداقاً للعام ، كلا بل المخصّص ليس موجوداً بل الموجود هو العام فقط وهو ( أكرم كل نجفي ) وهنا يكون التمسّك بالعام إذا أردنا التمسّك به لإثبات وجوب الاكرام يكون تمسّكاً به في الشبهة المصداقية ولكنها ليست مصداقية للمخصّص أو للعام ولا ندري أنَّ هذا مصداق للمخصّص أو للعام وإنما نشك في كونه مصداقاً للعام أو لا ، وهذا لم يشر إليه صاحب الكفاية(قده) وكان من المناسب بيانه ، والمناسب هنا عدم جواز التمسّك بالعام ، ولكن ما هو تقريب عدم جواز التمسّك بالعام وما هو الدليل ؟ لابد وأن نذكر هذه الصياغة وهي أنَّ الحكم لا يثبت موضوع نفسه ، أو إنَّ الدليل على الحكم لا ثبيت موضوع نفسه ، فإنَّ هذا البيان يأتي هنا ، أما ذلك البيان - وهو نه بعد مجيء المخصص تحصل لدينا حجتان هما العام فإنه حجة في غير عنوان الخاص والحجة الثانية هي الخاص وادخال المشكوك تحت العام ليس بأولى من ادخاله تحت الخاص - فلا يأتي هنا ، وإنما الذي يأتي هنا ما أشرنا إليه من البيان الآخر وهو أنَّ الحكم العام لا يثبت موضوع نفسه.

إذن هذا فردٌ للتمسّك بالعام في الشبهة المصداقية ولكن بشكلٍ آخر إذ لا يوجد مخصص.

ويوجد فردٌ ثالث:- وهو أن نفترض أنَّ الشك في المفهوم وليس في المصداق ، كما إذا فرض أنه كان يوجد شخص نجفي لكنه ترك النجف وسكن في مكانٍ آخر لمدة عشر سنوات مثلاً فهو قد انقضى عنه المبدأ والتلبّس وفي يوم من الأيام جاء إلى النجف فهنا هل يجب اكرامه أو لا ؟ هنا الشك ليس في المصداق كما كان في النحو الأوّل والثاني بل الشك هنا في أصل المفهوم فمفهوم النجفي الذي هو مشتقّ لا ندري هل هو موضوع لخصوص المتلبّس بالمبدأ أو هو موضوع للأعم منه وممّن انقضى عنه المبدأ ، فإذا كان موضوعاً لخصوص المتلبّس فهذا ليس بنجفي فلا يجب اكرامه ، وإذا كان موضوعاً للأعم فيجب اكرامه ، وهنا الشك بنحو الشبهة المفهومية وليس بنحو الشبهة المصداقية ، فأصلاً هذا الفرد يختلف عن الفردين السابقين ففي السابقين الشك في المصداق مع وضوح المفهوم أما هنا فالشك في أصل المفهوم أنَّ النجفي وسيع أو ضيق ، وكما قلت هذا ليس مصداقاً وفرداً ومثالاً للشبهة المصداقية وإنما هو فرد للشبهة المفهومية ولذلك قلت في العنوان ( فرد آخر ) يعني للشبهة المصداقية ( وآخر ) يعني فرد آخر غير تلك الأفراد ولم أقل فردين اشارة إلى هذا ، وهنا هل يجوز التمسّك بالعام أو لا ؟ المناسب أنه لا يجوز التمسّك لأنَّ هذا شك في سعة المفهوم وضيقة والمناسب عدم جواز التمسّك بعموم العام في مورد اجمال المفهوم ودورانه بين السعة والضيق لأنَّ العام يقول ( أكرم النجفي ) أما أنَّ هذا نجفي أو ليس بنجفي فهو لا يثبته ، فنفس الدليل الذي ذكرناه في الشبهة المصداقية بتقريبه الثاني يأتي هنا وهو أنَّ دليل الحكم لا يثبت موضوع نفسه.

الشبهة الصدقية:- جاء في تقرير دليل العروة الوثقى[1] أنَّ الشيخ الأعظم(قده)[2] يرى أنَّ الشبهة على ثلاثة أقسام مفهومية ومصداقية وصدقية.


[1] دليل العروة الوثقى( تقرير درس الشيخ حسين الحلي)، الشيخ حسن سعيد، ج1، ص13.
[2] كتاب الطهارة، الشيخ الأعظم، ج1، ص67.