الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/07/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- المخصص المجمل مفهوماً أو مصداقاً – مبحث العام والخاص.

ثم ذكر الميرزا علي الايرواني كلاماً ليته لم يذكره حيث قال:- إذن المناسب في الاثنين معاً التمسّك بالظهور في العموم - أي حتى في الشبهة المصداقية - ولكني رغم هذا لا أتمسّك بالعام لأنَّ ظهور العام وإن كان حجة في كلا الموردين لكن يمكن أن نقول إنَّ أهل اللسان والعقلاء والعرف أحياناً يرفعون اليد عن الحجة من دون وجود حجة أخرى كما في هذا المورد فإنَّ ظهور العام حجة هنا ولكنهم لم يعملوا به من دون وجود حجة في مقابله ، لأنَّ الحجة في مقابله هي أنَّ معلوم الفسق قد خرج بالتخصيص جزماً أما غير معلوم الفسق نشك في خروجه بالتخصيص فلا توجد حجة على التخصيص الزائد ولكن مع ذلك رفعت اليد عن تلك الحجة وهي ظهور العام في العموم من دون حجة في مقابلها ، فالعقلاء قد يفعلون هذا أحياناً وأنا اقول المناسب التمسّك بظهور العام حتى في الشبهة المصداقية ولكن حيث إنَّ أهل اللسان والعقلاء لم يتمسكوا بظهور العام في الشبهة المصداقية فأنا أيضاً لا أتمسّك بظهور العام رغم أنه لا توجد حجة في مقابله.

أما ما أفاده أوّلاً من نه لا فارق بين الموردين أي بين الشبهة المفهومية وبين الشبهة المصداقية فنحن نقول:- بل يوجد الفارق ، والوجه في ذلك:-

أما في الشبهة المفهومية:- فالمخصّص موجود بالمقدار المتيقن والمخصص بالمقدار المتيقن هو فاعل الكبيرة ، فمقدار عنوان فاعل الكبيرة كلّنا متفقون على أنه خرج من العام ، لأنَّ فاعل الكبيرة هو فاسق جزماً ، فالتخصيص بمقدار فاعل الكبيرة جزماً قد طرأ على العام ، وأما عنوان فاعل الصغيرة هل خرج من العام أو لا ؟ إنه شك في التخصيص الزائد فيتمسّك بظهور العام لنفيه.

وأما في الشبهة المصداقية:- يعني نعلم أنَّ المخصص ليس دائراً بين السعة والضيق بل هو معلوم وهو فاعل الكبيرة فقط ففاعل الكبيرة جزماً خرج من العام فهذا الرجل الذي لا نعلم أنه فاعل للكبيرة أو ليس بفاعل لها هنا هل يوجد شك في التخصيص الزائد في حقه ؟ كلا فإنَّ المخصص واحد وهو فاعل الكبيرة حيث خرج من العام سواء كان مصاديق فاعل الكبيرة عشرة أو مائة أو مائتين فالتخصيص لا يزداد ولا يصير أوسع بل المخصص واحداً ، ففاعل الكبيرة خرج جزماً ولكني لا أدري هل هذا الرجل فاعل للكبيرة أو لا فهنا الشك ليس في التخصيص الزائد حتى ننفيه بظهور العام ، وهذه قضية واضحة ولا ندري كيف اشتبه فيها الميرزا علي الايرواني ، والعصمة لأهلها.

وأما ما ذكره في كلامه الثاني من أنه تعال لنقل إنَّ العقلاء يرفعون اليد عن الحجة من دون أن يكون مقابلها حجة أخرى فنقول:- إنَّ هذا مرفوض ، بل هي أشد من الأولى ، فإنَّ العاقل لا توجد عنده قضايا تعبّدية فكيف يرفع اليد عن الحجة من دون حجة ؟! إنَّ هذا ليس بعاقل ، فإذن ما ذكره ليس مقبولاً ، ولكنه بسبب هذه الشبهة لم يعرف كيف يتخلص من المشكلة فإنَّ المناسب لما ذكره أن يلتزم بأنه يجوز التمسّك بظهور العام حتى في الشبهات المصداقية في الفرد المشكوك أيضاً لنفي الفرد المشكوك ولكنه يشعر بوجدانه العرفي أنَّ هذا لا يمكن فتمسّك بهذا الكلام فقال إنَّ العقلاء قد يرفعون اليد عن الحجة من دون وجود حجة أخرى وقد قلنا إنَّ هذا ليس بوجيه فإنَّ العاقل كيف يرفع يده عن الحجة من دون حجة أخرى ؟! والصحيح أنه يوجد فارق بين الموردين بالشكل الذي أوضحناه.

المحصّص اللفظي واللُّبي:-

قد يفصّل في باب التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية ويقال إذا كان المخصّص للعام لفظياً فلا يجوز التمسّك بالعام في الفرد المشكوك وإذا كان لبّياً فيجوز ، وممن مال إلى هذا الرأي صاحب الكفاية(قده)[1] ولكنه أدخل عليه تعديلاً ، وحاصل ما ذكره:- هو أنَّ المخصّص إذا كان لبّياً - أما إذا كان المخصص لفظياً فقد اتفقنا على أنه لا يجوز وإنما الكلام فيما إذا كان لبّياً - فالمخصّص اللُّبي على نحوين ، فتارةً يكون واضحاً جداً ، وأخرى لا يكون واضحاً بهذه المثابة ، فإن كان واضحاً جداً فهنا لا يجوز التمسّك بالعام في الفرد المشكوك كما لو قال ( اكرم كل نجفي ) ويوجد مخصّص واضح جداً وهو النجفي الفاسق الفاجر القاتل العدو لأهل البيت فهذا من الواضحات أنه خارج ، فهو لم يبيّن ذلك لوضوحه ، ثم رأينا شخصاً لا نعلم أنه جامع لتلك الأوصاف أو لا فقال هنا لا يجوز التمسّك بالعام لأنّ المخصّص اللّبي إذا كان واضحاً جداً صار بمثابة المخصّص المتصل وقد عرفت أنَّ المخصّص إذا كان متصلاً لفظياً لا ينعقد للعام ظهور في العموم حتى يتمسّك به في مورد الشك ، فالنتيجة هي انه إذا كان هذا المخصص اللّبي واضح جداً يكون كالمخصّص اللفظي المتصل فلا ينعقد للعام ظهور في العموم فلا يجوز التمّسك حينئذٍ بالعام ، وأما إذا لم يكن المخصص واضحاً جداً فنتمسّك بظهور العام لإثبات وجوب الاكرام.

وما هي النكتة الفارقة بين المخصّص اللفظي حيث قلت لا يجوز التمس بالعام وفي اللّبي غير الواضح قلت يجوز التمسّك بالعام ؟

إنَّ النكتة الفارقة هي أنه في المخصّص اللفظي أنَّ المولى ألقى وبيّن وذكر حجتين أحدهما العام حيث قال ( كرم كل نجفي ) والثانية هي الخاص حيث قال ( لا تكرم النجفي الفاسق ) وبعد وجود حجتين فإدخال المشكوك في العام ليس بأولى من ادخاله تحت الخاص إذ كلاهما حجة ، فتوجد حجتان فلماذا تدخل المشكوك تحت العام بل أدخله تحت الخاص ، فإذن في المخصّص اللفظي توجد حجتان وادخاله تحت هذه دون تلك بلا مرجح ، فيحصل اجمال ولابد حينئذٍ من الرجوع إلى الأصول العملية ، وهذا بخلافه في المخصّص اللّبي فإنَّ المولى قد ألقى وذكر حجةً واحدة وهي ( أكرم كل نجفي ) غايته يوجد عندنا قطع بأنَّ المولى لا يريد اكرام النجفي الفاسق ، وفي مثل هذه الحالة المولى لم يذكر حجتين حتى تقول إنَّ إدخال المشكوك في العام دون الخاص بلا مرجح ، كلا بل هو ألقى حجة واحدة وهي العام فيلزم ادخال المشكوك تحت العام في موردنا إذ لا توجد حجة أخرى ، نعم الحجة الأخرى ليست إلا القطع والقطع إنما يكون حجة في مورده ، والقطع الموجود بالنسبة إلى هذا الفاسق أما المشكوك فسقه فلا يوجد عندي قطع بأنه فاسق ، فلا توجد حجة ثانية مقابل العام ، فيبقى العام حجة صادرة من المولى بلا منازع ولا معاند فيلزم التمسّك بظهور العام في العموم.

ثم صعّد اللهجة وقال:- بل تمكن أن نقول: لا أنه يمكن أن نتمسّك بالعام فقط بل نقول أكثر وهو أنه بتمسّكنا بعموم العام نستكشف أنَّ هذا المشكوك ليس من أفراد الخاص ، يعني ليس من أفراد الفاسق بالدلالة الالتزامية ، فإذا كان ظهور العام حجة فسوف استكشف أنَّ هذا ليس من أفراد الفاسق ، وتظهر الثمرة لا في وجوب اكرامه فقط بل استكشف أنه ليس بفاسق وأرتب آثار غير الفاسق عليه فأقتدي به في صلاة الجماعة وأقبل شهادته وغير ذلك ، وعلى هذا الأساس جاء في الحديث الشريف ( لعن الله بني أمية قاطبة ) خرج بالمخصّص اللّبي الأموي العادل - مثلاً معاوية بن يزيد - فإذا شكننا أنَّ شخصاً منهم أنه مؤمن أو ليس بمؤمن وأنه خارج من اللعن أو ليس بخارج منه فنتمسّك بعموم العام ونقول يجوز لعنه وبالتالي نستكشف أنه ليس بمؤمن فنرتّب عليه آثار عدم الايمان الأخرى مشن جواز غيبته وغير ذلك.


[1] كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ص222، 223، ط مؤسسة آل البيت.