الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/07/13
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- المخصص المجمل مفهوماً أو مصداقاً – مبحث العام والخاص.
الوجه الثاني:- ما ذكره الشيخ العراقي(قده) في المقالات[1] وقد ذكره أيضاً لنفس الهدف في ذكره للبيان الأوّل ، فإنَّ هدفه الأوّلي للبيان الأوّل هو أنه يريد أن يقول إنَّ موضوع العام لا يتضيّق على خلاف ما نقول ، ونحن جعلناه صالحاً لأن يكون وجهاً مستقلاً ، وهذا الوجه أيضاً كذلك ، فهو قد ذكره لإثبات أنَّ الخاص لا يضيّق موضوع العام لكن نحن سوف نسوقه مساق الدليل المستقل ، وهذا الوجه قد ذكره الشيخ العراقي(قده) فقط ولم يذكره غيره فلم يذكره الشيخ الأصفهاني(قده) ، وحاصله:- إنَّ التخصيص هو تضييق لدائرة الحكم ، فهناك حكم ثم يُضيَّق ، وهذا التضييق للحكم هو عبارة عن التخصيص ، فالتخصيص تضييق للحكم والحكم طارئ على موضوعه فهو ينصبّ على الموضوع ، وبهذا تصير مرتبة الموضوع متقدّمة على الحكم ، وبالتالي تكون متقدّمة على التخصيص الطارئ على الحكم ، فكيف يطرأ التضييق الطارئ على الحكم في نفس الوقت على الموضوع ويضيِّق موضوع الحكم فإنَّ هذا معناه أنَّ المتأخر صار مضيّقاً للمتقدّم وهذا شيء لا يمكن فإنَّ ما أُنِشئ وهو مطلقٌ كيف يمكن أن يُضيَّق ؟!!
وفيه:- نحن نسلّم أنّ ما أُنشِئ وهو مطلق لا يمكن أن يضيَّق وإلا يلزم اجتماع المتقابلين ، فما أنشيء مطلقاً الذي هو الموضوع الذي أنشئ في العام وهو مطلق حيث قيل ( أكرم كل نجفي ) لا يمكن أن يُضَّق ، ولكن نقول إنَّ الخاص يكشف عن أنَّ المراد الجدّي من البداية هو مضيَّق لا أنَّ المراد الجدي أوّلاً كان موسّعاً ثم ضُيِّق حتى تقول ما كان موسّعاً لا يمكن أن يطرأ عليه الضيق فإنَّ هذا اجتماع الصفتين المتقابلتين ، كلا بل التخصيص كاشف عن أنَّ المراد الجدّي للمولى هو مضيَّق من البداية ، فهو لا يريد اكرام كل نجفي بل خصوص النجفي غير الفاسق والحجية تدور مدار المراد الجدّي لا مدار المراد الاستعمالي واللفظي - إن صح التعبير - ، فأنت قد سحبتنا إلى عالم الصياغة والانشاء والكلام فقلت ما أنشئ مطلقاً لا يمكن أن يتضيَّق وهذا صحيح ولكنَّ هذا في عالم الانشاء وهو لا ينفعنا ، إنما المهم هو عالم المراد الجدّي ولا إشكال في أنَّ المراد الجدّي هو خصوص المضيَّق يعني ( اكرام النجفي العادل غير الفاسق ) وهذا لا محذور فيه ، يعني الكاشفية بلحاظ عالم الجدّ والارادة شيء وجيه ولا شيء فيه ، نعم إذا كان هناك محذور فهو في عالم الكلام والانشاء لا في عالم المراد الجدّي ، فلا مشكلة.
البيان الثالث:- ما أشير إليه في الكفاية[2] وقد ذكره الآخوند(قده) بعنوان ( قد يقال في توجيه حجية العام في الشبهة المصداقية ) فذكره وناقشه وإلا فهو ليس من البانين على حجية العام في الشبهة المصداقية ، وحاصله أن يقال:- إنَّ المتكلّم لو قال ( أكرم كل نجفي ) فمقتضى اطلاقه أنه يشمل كل نجفي يعني النجفي العادل والنجفي معلوم الفسق ويشمل مشكوك الفسق أيضاً ، فلو كنّا نحن وهذا الدليل وحده لكنّا نقول إنه يجب اكرام حتى معلوم الفسق فضلاً عن مشكوك الفسق - لو كان الدليل العام وحده - ثم جاء المخصّص وقال لا تكرم النجفي الفاسق وهذا الدليل الثاني هو حجة في الفاسق المعلوم فسقه فالمعلوم فسقة الخاص يصير حجة فيه بلا إشكال ودليلاً على عدم جواز اكرامه أما إذا كان مشكوك الفسق فهل يجوز التمسّك بالخاص لإثبات عدم جواز اكرامه ؟ كلا لا يمكن ذلك لأنَّ هذا ليس من المعلوم أنه فاسق فالخاص لا يكون حجة في اثبات عدم جواز اكرامه ، فإذا لم يكن الخاص حجة فيعود العام حجة فيه بلا منازع لأنَّ العام قلنا هو حجة في معلوم العدالة وفي الفاسق معلوم الفسق وحجة أيضاً في مشكوك الفسق فهو حجة في الثلاثة ومعلوم الفسق قد خرج بالسبب الخاص لأنَّ الخاص حجة جزماً في الفاسق المعلوم فسقة ولا يجوز التمسّك آنذاك بالعام وأما مشكوك الفسق فالخاص ليس حجة فيه فيعود العام حجة فيه بلا منازع إذ قد فرضنا من البداية أنَّ العام حجة في الثلاثة فيقتضي وجوب الاكرام.
وفيه:- إنه بعدما ورد الخاص وقال ( لا تكرم النجفي الفاسق ) يلزم من ذلك أن تتضيق دائرة حجية العام فيصير العام حجة في النجفي المقيّد بعدم الفسق وكأنَّ العام يقول هكذا ( أكرم النجفي غير الفاسق ) وحيث نشك في أنَّ هذا فاسق أو ليس بفاسق فلا يكون العام حجة فيه فإنَّ العام لا يثبت موضوع نفسه ، فإذن لا يكون حجة في ذلك وبالتالي لا يجوز التمسّك بالعام.
أقول:- ما هو الذي أبرزناه نحن وأبطلنا به هذه الوجه الثالث وأخفاه هذا لبيان ؟
والجواب:- هو أبرز هذه القضية حيث قال إنَّ العام له اطلاق يشمل النجفي معلوم العدالة والنجفي معلوم الفسق والنجفي مشكوك الفسق فهو يشمل الثلاثة والذي خرج منه بالمخصّص هو معلوم الفسق فيبقى المشكوك العام حجة فيه ، ونحن نقول له:- قف هنا ، فإنه حينما جاء المخصّص هل تضيقت دائرة العام أو لم تتضيق فلماذا تخفي هذا ؟ نعم هي قد تضيقت وصار العام حجة في النجفي غير الفاسق وكأنه ( قيل اكرم النجفي غير الفاسق ) وأنت لم تبرز هذا فلو أبرزته فحينئذٍ لا يجوز التمسّك بالعام ، إذ يشكّ في أنَّ هذا الفرد المشكوك أنه نجفي غير فاسق أو هو فاسق ؟ من المحتمل أن يكون فاسقاً والحكم لا ثيبت موضوع نفسه.
إذن أنت أبرزت شيئاً ليس بالمهم وأخفيت شيئاً مهماً ، ونحن أبرزنا ما أخفيته ، فإذن هذا البيان واضح الوهن.