الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/07/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- المخصص المجمل مفهوماً أو مصداقاً – مبحث العام والخاص.

والجواب:- إنَّ هذا المطلب لو تم فهو يتم في زمان حضور الامام أما في زمان الغيبة فاحتمال ورود قرينة منفصلة ليس موجوداً حتماً بل بعد الفحص نقطع بعدم القرينة ، لأنَّ الفقيه يفحص لا أنه يتمسّك بالظهور في العموم من دون فحصٍ عن المخصّصات ، فإذا فحص إلى حدٍّ حصل معه الاطمئنان بعدم القرينة المنفصلة فلا مانع من تطبيق مقدّمات الحكمة آنذاك فتجري في المدخول ويثبت الظهور في العموم حينئذٍ فنتمسّك به ، نعم الكلام يتم في زمان الحضور لاحتمال أنه سوف يأتي المخصّص المنفصل بعد ذلك من الامام التالي.

بل نصعّد اللهجة ونقول:- إنَّ هذا لا يتم حتى في زمن الحضور ، وذلك باعتبار أنَّ أصحاب الأئمة عليهم السلام قد قدّم لهم الأئمة جملة من القواعد العامة مثل ( كلّ شيء لك نظيف حتى تعلم أنه قذر ) و ( كل ما زاد أو نقص عن الخلقة فهو عيب ) و ( كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام ) و ( كل ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر ) وغير ذلك ، فهذه قواعد قدّمها الأئمة عليهم السلام إلى أصحابهم حتى أنه في بعض القواعد العامة كان الامام عليه السلام يقول ( هذا باب ينفتح منه ألف باب ) لأنه سوف نستفيد منه فوائد كثيرة ، وبناءً على هذا نقول: إنه يلزم أن لا يمكن الاستفادة من هذه العمومات ، لأنه بالتالي يحتمل مجيء المخصّص المنفصل بعد شهر أو سنة من الامام التالي ، فليس لها عموم وإذا لم يكن لها عموم فلا يمكن أن استفيد منها ، يبقى أنه ما فائدة بيان الامام لهذه العمومات ؟ إنه لا فائدة منها ، فحتماً كان الأصحاب يعملون بهذه العمومات ولا يعيرون أهمية لاحتمال مجيء المخصّص المنفصل.

فإذن ما ذكر لا يتم في زمان الغيبة ، بل ولا يتم في زمان الحضور ، وهذا الذي ذكرته ليس شيئاً جديداً يغاير ما ذكرته في مناقشة الشيخ عبد الكريم الحائري(قده) ، فصحيح أنهما طريقان ولكن الردّ عليهما واحد وليس مختلفاً.

الصورة الرابعة:- أن يكون المخصّص المجمل فهوماً دائراً بين المتباينين ويكون منفصلاً .

ومثاله ( أكرم كل نجفي ) ثم بعد ذلك قال بكل منفصل ( لا تكرم زيداً النجفي ) وزيد النجفي له فردان كلّ واحد من عشيرة فهذا دوران بين متباينين ، وكان كلا الزيدين موجود ولكن نعلم أنَّ واحداً منهما لا يجوز اكرامه جزماً فهل يجوز التمسّك بظهور العام باعتبار أنَّ المخصّص منفصل فالظهور ينعقد ؟

والجواب:- أما بالنسبة إلى كليهما فلا يجوز التمسّك بالعام للعلم بسقوط العام عن الحجة بلحاظ أحدهما ، وأما بلحاظ أحدهما فهو كما قلنا ترجيح بلا مرجّح ، حيث قلنا لماذا تطبق ( أكرم كل نجفي ) على هذا دون ذاك ، يبقى الاحتمال الآخر وهو أن نطبّقه على الفرد الذي لم يخرج بالتخصيص فإنَّ هناك فرداً خرج بالتخصيص جزماً والزائد عليه نشك هل خرج بتخصيصٍ آخر أو لا فهنا لا بأس بأن نتمسّك بظهور العام ، وحينئذٍ نقول سوف يثبت وجوب اكرام زيد الآخر الذي لم يخرج بنحو الجزم من العام بالتخصيص ، وحينئذٍ ماذا نصنع فإنَّ واحداً منهما خرج بالمخصّص جزماً والثاني يجب اكرامه فماذا نصنع ازاء هذين ؟ بيّنا ذلك فيما سبق ، فإذا فرضنا أنَّ التخصيص كان يقتضي الحرمة يعني حينما قال ( إلا زيداً ) يعني يحرم اكرامه فإذا كان يحرم فسوف تثبت حرمة اكرام واحد ووجوب اكرام واحد وحيث لا تعيّن في البين فالمكلف بالخيار بين أن يكرم هذا ويترك اكرام ذاك وبين العكس أما أن يتركهما معاً فهذا مخالفة قطعية أو أنه يترك اكرامهما معاً فهذا مخالفة قطعية أيضاً ، وأما إذا كان يباح ترك اكرامه لا أنه يلزم ترك اكرامه فإذا كان يباح ترك اكرامه فسوف يصير أنه يباح ترك اكرام واحد ويجب اكرام واحد وسوف تصير شبهة محصورة أحد أطرافها مباح والآخر واجب فمن باب تنجيز العلم الاجمالي يجب اكرامهما معاً كما في سائر الموارد ، كما إذا علمت إما بوجوب الظهر أو بوجوب الجمعة فهنا يجب أن أصليهما معاً لأنَّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، فهنا أيضاً كذلك.

هذه هي الصورة الرابعة قد فرغنا منها ، وبالفراغ منها قد فرغنا من الشبهة المفهومية بأقسامها الأربعة.

ونتكلم الآن في الشبهة المصداقية أو قد يعبّر عنها بالموضوعية:-

الشبهة المصداقية:- ففي مقابل المفهومية المناسب أن تصير مصداقية وليست موضوعية فأن الموضوعية مقابل الحكمية وإن كانت الموضوعية مع المصداقية بينهما اتحاد عادةً في عالم الصدق الخارجي فكل شبهة مصداقية هي حتماً موضوعية وكل موضوعية هي مصداقية لكنَّ الموضوعية تستعمل مقابل الحكمية والمصداقية تستعمل مقابل المفهومية ، فتلك شبهة مفهومية وهنا اجمال المخصّص مصداقاً ، فلو فرض أنَّ المولى قال ( اكرم كلّ نجفي ) ثم بعد ذلك قال ( لا تكرم الفاسق بمعنى فاعل الكبيرة ) ورأينا شخصاً نجفياً وشككنا هل يجب اكرامه أو لا فإن كان فاعلاً للكبيرة فلا يجب اكرامه وإذا كان ليس فاعلاً لها فيجب اكرامه فهنا هل يجوز التمسّك بعموم العام لإثبات وجوب اكرامه ؟

والجواب:- ينبغي أن نفترض أنَّ المخصّص منفصل وليس متصلاً لأنه إذا كان متصلاً فحتماً لا ينعقد ظهور للعام في العموم يعني هكذا قال المولى ( أكرم كل نجفي غير فاعل الكبيرة ) فمن البداية لا ينعقد في العموم حتى نتمسّك به في مورد الشك إنما ينعقد الظهور في العموم إذا كان المخصّص منفصلاً فهل يجوز التمسّك بعموم العام إذا كان المخصّص منفصلاً والشبهة كانت مصداقية ؟ هناك على ما يقال أقوال ثلاثة ، قول بالجواز مطلقاًً ، وقول بالعدم مطلقاً ، وقول بالتفصيل بين ما إذا كان المخصّص لفظياً فلا يجوز وبين ما إذا كان لبّياً فيجوز كما ربما يلوح من بعض كلمات صاحب الكفاية.

والمعروف في زماننا أنَّ العام ليس بحجة في الشبهة المصداقية ، ولو قال به أحد فهو من القدماء ، وتوجد عبارة في الجواهر يظهر منها أنَّه يبني على جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية حيث يقول إنَّ المحرِم لا يجوز له قتل الصيد البرّي ويجوز له الصيد البحري فلو شككنا في حيوان أنه برّي أو بحريّ كالسلحفاة ، والشك يصير تارةً يعني في أصلها هل هي برّية أو بحرية فهذا بنحو الشبهة الكلّية ، ومرّة يصير بنحو الشبهة الجزئية كما إذا شككنا في أنَّ هذا بالخصوص برّي أو بحري فالشبهة تصير موضوعية خاصة ، فهو قال حققنا في علم الأصول أنه يجوز التمسّك بالعام وهذ الشبهة هنا شبهة مصداقية ، ونصّ عبارته:- ( ولو اختلف جنس الحيوان كالسلحفاة فإنَّ منها برية ومنها بحرية فلكلٍّ حكم نفسه ومع الاشتباه فالمتجه الحرمة بناءً على ما حررناه في الأصول من أنَّ فائدة العموم دخول الفرد المشتبه )[1] ، مقصوده من العموم هو عموم ﴿ حرّم عليكم صيد البّر ما دمتم حرماً ﴾ فحينئذٍ يتمسّك بذلك العموم ، فعبارته واضحة في أنه يتمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية.


[1] جواهر الكلام، الجواهري النجفي، ج18، 296.