الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/07/10
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- المخصص المجمل مفهوماً أو مصداقاً – مبحث العام والخاص.
ونصّ عبارة الشيخ عبد الكريم الحائري(قده):- ( بعدما صارت عادة المتكلم جارية على ذكر التخصيص منفصلاً عن كلامه فحال المخصّص المنفصل في كلامه حال المتصل في كلام غيره فكما أنه يحتاج في التمسك بعموم سائر المتكلمين إلى احراز عدم المخصّص المتصل إما بالقطع أو بالأصل كذلك يحتاج في التمسّك بعموم كلام المتكلّم المفروض إلى احراز عدم المخصّص المنفصل أيضاً ، فإذا احتاج العمل بالعام إلى احراز عدم التخصيص بالمنفصل فاللازم الاجمال فيما نحن فيه لعدم احراز عدمه لا بالقطع ولا بالأصل أما الأوّل فواضح وأما الثاني فلما مضى من أن جريانه مخصوص بمورد لم يوجد ما يصلح لأن يكون مخصّصاً )[1] وهنا يمكن وجود شيء يصلح أن يكون مخصّصاً وهو المخصّص المنفصل فإنَّ المفروض أنَّ حاله كالمتّصل لأنه يحتمل اعتماد الشارع عليه.
وفيه:- إنَّ ما ذكره وجيه إذا كنّا نعيش فترة وجود الأئمة عليهم السلام بحيث يحتمل ورود المخصّص اليوم أو غد أو ما بعد غد ، أما إذا كنّا نعيش في عصر الغيبة فاحتمال ورود المخصّص المنفصل ليس موجوداً ، والمفروض نحن قد فحصنا فلم نجد مخصّصاً منفصلاً فلماذا التوقّف ، ودعوى أنه سوف يصير احتمال المخصّص المنفصل بمثابة المخصّص المتصل يعني لا ينعقد ظهور أو لا يجوز التمسّك به يتم فيما إذا كان في عصر حضور الامام عليه السلام أما إذا كان في عصرنا فهذا الكلام لا معنى له.
بل سوف نصعّد اللهجة ونقول:- إنه حتى في عصر حضور الامام عليه السلام لا نقبل ما أفاده أيضاً ، فإنَّ لازم ما أفاده تعطيل الاستنباط ، يعني أنَّه لا يجوز التمسّك بعموم الآيات والروايات والاطلاقات بها لاحتمال ورود المخصّص المنفصل في زمان وجود الأئمة عليهم السلام ، فحتى لو أعطاني الامام عليه السلام عاماً وقال ( العيب كل ما زاد أو نقص عن الخلقة ) فهذه الرواية لا يمكن أن أتمسك بها لاحتمال ورود مخصّص بعد ذلك ، فحتى القاعدة العامة التي يعطيها الامام عليه السلام لابد وأن لا نعمل بها لاحتمال ورود المخصّص بعد ذلك ، وهل تلتزم بهذا ؟ إنه لا يمكن الالتزام به.
ولعلّ مدافعاً يدافع عن الشيخ الحائري(قده) ويقول:- يمكن أن يكون مقصوده أنَّ مدرك حجية الظهور هو سيرة العقلاء ، ثم نقول ولا يوجد عند العقلاء سيرة على ظاهرة المخصّصات المنفصلة وإنما العقلاء عادةً يعتمدون على المخصّصات المتصلة ، وفي مثل الشارع الذي يعتمد على المخصّصات المنفصلة على ماذا انعقدت سيرة العقلاء فهل يتمسّكون بالظهور أو لا يتمسكون به في مورد الشك ؟ نحن لا نجزم بانعقاد السيرة إذ المفروض أنَّ العقلاء لم يعهد بينهم الاعتماد على المخصّصات المنفصلة حتى نرى ما هي سيرتهم ، فلا نعرف سيرتهم ، فإذا كنّا لا نعرف سيرتهم - ونحن لا نعرف سيرتهم بسبب عدم وجود ظاهرة الاعتماد على المخصّص المنفصل اي لعدم معهودية المخصّصات المنفصلة في الحياة العقلائية - فإذن لا يمكن أن نقول يجوز التمسّك بالعام في مورد احتمال المخصّص المنفصل ، فلا يمكن أن نقول هو حجة لأنَّ مدرك الحجية هم العقلاء والعقلاء لم يعتادوا على المخصّصات المنفصلة فلا نعرف ما هي سيرتهم ، فإذن لا يجوز التمسّك بالعام لأنه لا يوجد مدرك على حجتيه.
وفي الجواب نقول:- إنَّ كلامك هذا إن تم فهو يتم في زمان الحضور أما في زمان الغيبة بعد فرض أنَّ احتمال مجيئ مخصّص منفصل ليس بموجود وبعد فرض أنَّ الفقيه قد فحص فلم يجد مخّصصاً منفصلاً فهل تحتمل أنَّ العقلاء يتوقفون ؟!! إنَّ العاقل لا يتوقف في ذلك ، لأنه إذا أراد أن يتوقف فهو إما أن يقول يحتمل أن يأتي المتكلم بمخصّصٍ منفصل بعد يوم أو يومين أو أكثر ، وهذا لا يتم لأنَّ المفروض أننا في زمن الغيبة ، أو أنه يفترض أنه لا يوجد فحص ويوجد مخصّص منفصل وقد فرضنا من لابدّية الفحص ، فلماذا تقول ليس من المعلوم أنَّ السيرة منعقدة على ذلك فإنَّ هذا الكلام ليس بصحيح.
بل نصعّد اللهجة ونقول:- إنه في زمان الأئمة عليهم السلام هل كانوا يتمسّكون بالاطلاقات والعمومات أو لا ؟ ولا تقل لم يكونوا يتمسّكون بها فإنهم إذا لم يكونوا يتمسّكون بها فهذا يعني أنه لا يوجد استنباط مع أنَّ الامام عليه السلام كان يدفعهم إلى الاستنباط ويقول لهم استنبطوا وفرّعوا الفروع على الأصول فهذا أصلٌ ينفتح منه ألف باب ومن كلّ باب ألف باب ، فبعض الأصول التي كان يعطيها الأئمة عليهم السلام مثل أصل الطهارة أو أصل الحلّية ينفتح منه ألف باب فإنَّ الكثير من الأحكام يمكن اخراجها منه ، فإذن كانوا يستنبطون وهم عقلاء ، ولا أقل قل هم متشرعة فتثبت حجية فعلهم لأنَّ الامام عليه السلام قد أمضاه ، فأصلاً لا يوجد موجب للتوقّف من هذه الناحية.
وهناك كلام آخر غير شبة الشيخ عبد الكريم الحائري(قده) نذكره من باب النكات الفنية الموجودة فيه وحاصله:- إنه يوجد مبنيان للشيخ النائيني(قده) لو ضممنا أحدهما إلى الآخر فسوف نخرج بنتيجة وهي أنه لا يجوز التمسّك بالعمومات في صورة احتمال المخصّص المنفصل الذي هو محل كلامنا:-
والمبنى الأوّل:- إنَّ استفادة العموم فرع جريان مقدّمات الحكمة في مدخول الأداة ، وهذا المبنى يقول به صاحب الكفاية(قده) أيضاً ، فحينما تقول ( أكرم كلّ نجفي ) فلو أردنا أن نستفيد العموم هنا فلابد أن نجري مقدّمات الحكمة في المدخول الذي هو ( النجفي ) فإذا ثبت أنه مطلق والمراد هو الطبيعة فتأتي أداة ( كل ) فتفيد عموم ما يراد من المدخول ، فاستفادة العموم فرع جريان مقدّمات الحكمة في المدخول.
المبنى الثاني:- إنَّ انعقاد الاطلاق في المطلق يتوقف على عدم ورود القرينة المتصلة بل المنفصلة - إذ لعلّ بعض كلماته تدل على هذا ولكن السيد الشهيد ينسب إليه هذا بضرس قاطع- ، وعلى هذا المبنى سوف لا نستطيع أن نستفيد الاطلاق مادمنا نحتمل ورود قرينة منفصلة ، فحينئذٍ لا يوجد ظهور في الاطلاق.
فإذا ضممنا أحد هذين المبنيين إلى الآخر فسوف تصير النتيجة هي أنه مادمنا نحتمل ورود قرينة منفصلة فلا ينعقد ظهور في الاطلاق ، لأنَّ الظهور في الاطلاق موقوف على عدم القرينة المتصلة والمنفصلة ، إذ الظهور في العموم فرع جريان مقدّمات الحكمة والمفروض أنَّ مقدّمات الحكمة لا تجري مادمنا نحتمل مجيء مخصّص منفصل ، فإذن لابد من اجراء مقدّمات الحكمة ، ففي مثل هذه الحالة إذا لم تجرِ مقدّمات الحكمة لأننا نحتمل مجيء مقيّدٍ منفصل فإذا لم تجرٍ مقدّمات الحكة فسوف لا ينعقد ظهور في العموم ، وحينئذٍ في مورد احتمال القرينة المنفصلة لا يمكن التمسّك بالعموم من باب أنه لا يوجد ظهور في العموم لأنَّ أصل الظهور في العموم موقوف على جريان مقدّمات الحكمة ، ومقدّمات الحكمة لا تجري لأننا نحتمل أن المولى يذكر قرينةً منفصلةً ، فلا يوجد ظهور في العموم ، فلا يمكن التمسّك حينئذٍ بالظهورات في العموم ، وهذا وإن لم يقل به الشيخ النائيني(قده) ولكن بالتالي نجمع بين هذين المينيين ونخرج بهذه النتيجة ، فكيف الجواب عنه ؟