الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/07/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- دوران الأمر بين التخصيص والتخصص.

ونذكر مثالاً آخر لأصالة عدم لتخصيص لإثبات لتخصص والذي قلنا هو ليس بحجة:- وهو ما قرأناه في المكاسب[1] ، وهو أنه هناك كلام في باب الخيارات ذكره الشيخ الأعظم(قده) وهو أنه لو كان هناك خيار للبائع أو لكلا الطرفين البائع والمشتري فهل ينتقل المبيع في فترة الخيار ينتقل المبيع أو هو باقٍ على ملك البائع ولا ينتقل الى المشترى إلا حينما تنتهي فترة الخيار ؟ هذا فيه خلاف بين الأعلام ، والذي ينسب إلى الشيخ الطوسي(قده) أنه يقول بأنَّ الملكية للمشتري ليست موجودة أثناء فترة الخيار سواء كان الخيار مشترك بين البائع والمشتري أم كان الخيار خاصاً بالبائع وإنما تثبت له بعد انتهاء الخيار.

وقد استدل الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب في مقابل الشيخ الطوسي(قده) بأمورٍ على أنَّ المبيع الملك للمشتري:- ومن جملة ما ذكره أنه ذكر هذين الوجهين:-

الوجه الأوّل:- إذا اشترى شخص جارية وكان خيار الحيوان لكليهما فهل يجوز للمشتري أن ينظر إلى الجارية نظراً بشهوة أو لا يجوز ؟ إنه دلّت بعض الروايات على الجواز ، فللمشتري الحق في فترة الخيار النظر إليها ، فإذا ثبت أنَّ المشتري يجوز له النظر إليها بشهوة كشف ذلك عن كونه مالكاً فإنه لا يجوز أن ينظر بشهوةٍ إلا المالك أو المحلَّل له ، فإذن هذا يدل على أنه في فترة الخيار هي ملك المشتري.

الوجه الثاني:- أخبار الخيار بشرط ردّ الثمن والذي يسمّى ببيع الشرط ، كما لو كنت محتاجاً الى مبلغٍ من المال فأبيع بيتي لشخصٍ بمبلغٍ من المال ولكن اشترط عليه أن لي الخيار بردّ الثمن لمدّة سنة مثلاً فلو ارجعت له الثمن فلي حق الفسخ ، وهذا ما يعبّر عنه بالخيار بشرط ردّ الثمن أو بشرط ردّ مثل الثمن ، وهذا من أحد الطرق المحلّلة لرهن البيوت ، فعندنا روايات دلت على أنَّ الخيار بشرط ردّ الثمن جائز ، فإذا كان هذا جائزاً فصار هذا المبيع ملكاً المشتري ولكنه ملك ضعيف لاحتمال عودته إلى بائعه بعد سنة ، ولو حصل للمبيع نماء كما لو آجر الدار فالأجرة تصير ملكاً للمشتري ، فالمشتري يصير النماء له ، وإذا حصل تلف فالتلف عليه ومنه ، فالغنم له والغرم عليه كسائر الملاك ، فكل مالك نماء ملكه له وإذا حصلت خسارة ففهي عليه وقد دلت الروايات على أنه في بيع الخيار بشرط ردّ الثمن يكون نماء المبيع للمشتري والخسارة عليه.

الدليل الثاني:- إنَّ النماء في فترة الخيار يكون للمشتري والخسارة عليه وهذا إن دلّ فإنما يدل على أنه مالك ، فإنَّ المالك يكون النماء له والخسارة عليه رغم أنَّ فترة الخيار للطرف الآخر ولكنه مالك ، فإذن هذه الروايات الدالة على أنَّ النماء للمشتري والتلف عليه أيضاً تدل بالالتزام على أنَّ المشتري هو مالك رغم أنه في فترة خيار البائع لكن المبيع يكون ملكاً له وبذلك ثبت مطلوبنا في مقابل الشيخ الطوسي(قده) حيث قال إنه في فترة الخيار لا يكون ملكاً للمشتري ، وقد اتضح أنه يكون ملكاً للمشتري.

ونحن نعلّق ونقول:- هذان الشاهدان مبنيان على جريان أصالة عدم التخصيص لإثبات التخصّص وأنت لا تقول بذلك ، وكيف أنَّ المورد من أصالة عدم التخصيص لإثبات التخصص ؟ نقول للشيخ الأعظم(قده) إنه في الشاهد الأوّل وهو أنَّ المشتري يجوز له النظر الى الجارية قال الشيخ الأعظم(قده) لو لم يكن المشتري مالكاً كيف جاز له النظر ؟! ونحن نقول له: فليكن هذا قد خرج بالتخصيص ، يعني نقول لا يجوز النظر بشهوة إلى الجارية لغير المالك إلا في مورد واحد وهو في فترة الخيار فلو كان هناك خيار للبائع فرغم أن المشتري ليس بمالك لكن يجوز له النظر لأنَّ الرايات دلت على أنه يجوز له النظر ، فنقول إنَّ الروايات التي دلت على أنَّ غير المالك لا يجوز له النظر بشهوة إلى الجارية مخصّصة بهذه الرواية.

ولا يوجد جواب عند الشيخ(قده) جواب إلا أن يقول الأصل عدم التخصيص ولا يوجد عنده شيء آخر فنحن نجزم بأن هذا المورد قد خرج من الروايات التي قالت غير المالك لا يجوز له النظر بشهوة إلى الجارية فهذا المورد نجزم بأنه قد خرج ولكن لا ندري هل خرج بالتخصيص أو بالتخصّص والشيخ يريد أن يجري أصالة عدم التخصيص في الدليل المذكور حتى يثبت أن هذا خارج من ذلك العموم بالتخصّص يعني يجوز له النظر من باب أنه فردٌ من المالك لا أنه غير مالك لكن يجوز له النظر بالتخصيص.

وهكذا في الشاهد الثاني وهو أنَّ الخسارة على المشتري والنماء له أيضاً ، فهو أراد أن يستنتج من هذا أن المشتري صار مالكاً في فترة الخيار ، ونحن نقول له: تعال والتزم أنه ليس بمالك ولكن رغم ذلك يكون النماء له والخسارة عليه لأجل الرواية الدالة على أنه في فترة الخيار بشرط ردّ الثمن يكون النماء للمشتري والخسارة عليه ، فنقول تصير هذه الرواية مخصّصه لهذه القاعدة الكلّية ، وليس للشيخ الأعظم(قده)من جواب إلا اجراء أصالة عدم التخصيص لإثبات التخصّص يعني لإثبات أنه مالك.

فإذن هذان شاهدان ودليلان ذكرهما الشيخ الأعظم(قده) وكلاهما مبنيّان على اجراء أصالة عدم التخصيص لإثبات التخصّص ، وقد صحّ ما قلت من أنَّ تطبيق هذا الأصل خفي فالتفت الى ذلك.


[1] المكاسب المحرمة، الانصاري، ج6، ص164، 165.