الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/06/26
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- تتمة العام والخاص ، دوران الأمر بين التخصيص والتخصص.
وفيه:- إن ما ذكره من تعدد الحكاية بتعدد المحكي أي تعدد الدال بسبب تعدد المدلول شيء وجيه ولا نخالف فيه ، بل لا يخالف الشيخ الخراساني(قده) فيه أيضاً ولكن نقول إنَّ هذه الحكايات المتعدد هي حكايات ضمنية تبعية لا استقلالية ، وهذا مطلب صرّح به الشيخ الخراساني(قده) ، ولذلك كان الشيخ الخراساني(قده) يحاول أن يبقي الظهور الاستعمالي في الجميع لأنه إذا سقط فسوف تسقط كل الظهورات ، فهنا الظهور في جميع الأفراد إذا تزعزع فتلك الحكايات والدلالات المتعددة سوف تتزعزع أيضاً وتسقط لأنها حكايات ضمنية لا حكايات استقلالية ، فما ذكره المحقّق العراقي(قده) غريب.
وقد كان الشيخ الخراساني(قده) ملتفتاً إلى ذلك وصرّح به حيث قال:- ( قلت:- لا يخفى أن دلالته على كل فرد إنما كانت لأجل دلالته على العموم والشمول فإذا لم يستعمل فيه ....... كان تعيّن بعضها بلا معيّن ترجيحاً بلا مرجّح ........ ودلالته على كل فرد على حده حيث كانت في ضمن دلالته على العموم لا يوجب ظهوره في تمام الباقي )[1] فهو ملتفت تمام الالتفات إلى ذلك ، فهو يسلّم أنه توجد دلالات متعددة بعدد الأفراد بيد أنها دلالات ضمنية فإذا لم نحافظ على الدلالة المطابقية في الكل وسقطت فسوف تسقط جميع هذه الدلالات الضمنية ، لأنَّ تعيين بعضها في مقابل البعض الآخر ترجيح بلا مرجّح ، فإذن ما ذكره الشيخ العراقي(قده) واضح التأمل.
والنتيجة من كل هذا:- إنَّ ما أفاده الشيخ الخراساني(قده) من أنَّ العام بعد التخصيص مستعمل في العموم شيء وجيه ، وقد قلنا يشهد لذلك الظهور بالوجدان فإننا نبقى نفهم من العام رغم وجود مخصّص من مثل ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ العموم والسعة وهذا شيء وجداني.
وقد تسأل وتقول:- إنَّ الاستعمال في العموم وأن كان وجيهاً ولكن ما المبرر له ؟ يعني لماذا يستعمله المتكلّم في العموم رغم أنَّ العموم ليس بمرادٍ جدّي ؟
نجيب ونقول:- إنَّ المتكلم إما أن يكون هو الشرع المقدّس أو هو الانسان العرفي ، فإن كان هو الشرع المقدّس فهو يستعمله في العموم من باب مصلحة تدريجية الأحكام ، فهو يطرح العام في عمومه ويري عمومه على مستوى الارادة الاستعمالية بل لعلّه يريد بالارادة الجدّية لكن المؤقتة إلى أن يأتي الوقت المناسب للمخصّص ، لأنَّ الشارع يلاحظ هذه القضية ، فهو يذكر مخصّصات بعد ذلك ، وإنما لم يأت بالمخصّصات مع العام لمصلحةٍ من المصالح ، فهو ابتداءً يريد العموم ارادة استعمالية بل ربما يقال يريده ارادة جدّية أيضاً إلى أن يحين الوقت المناسب فيذكر المخصّص حينئذٍ وذلك لأجل مصلحةٍ وهذا لا مشكلة فيه ، وإذا كان المتكلّم انساناً عرفياً فهو يطرح الكلام العام ويستعمله في العموم لأنه لا يدري هل يخصّصه فيما بعد أو لا وإنما يلاحظ الظروف فيقول لك مثلاً ( أكرم كل نجفي ) وكان يتصوّر أن كلّ نجفي عادل ثم بعد ذلك رأى بعد فترة أنه يخرج بعض الناس منه فأخرج جماعة وهكذا أخرج جماعة أخرى بعد فترة أخرى وهكذا وهذا لا مشكلة فيه ، فإذن الاسنان العرفي يستعمله في العموم لجهله أنه هل يحتاج إلى تخصيص أو لا ومتى يخصّص ، فإذن الاستعمال في العموم يكون شيئاً وجيهاً في حقّ الانسان العرفي ، بل وهكذا الشرع كما قلنا من باب ملاحظة مصلحة تدرجية بيان الأحكام ، فإذن الاستعمال في العموم شيء وجيه ولا مشكلة فيه ، فهناك ظهور في العموم وإلى جنبة لا مانع من استعماله في العموم لأنه إن كان هو الشارع فهو يستعمله في العموم ثم يخصّص بعد ذلك لأجل تدرجية بيان الأحكام وإلا ففي البداية هو يريد العموم ارادة استعمالية بل ربما يريده ارادة جدّية ، وإذا كان إنساناً عرفياً فقد قلنا هو يستعمله في العموم لأنه لا يدري هل يخصّص أو لا يخصّص فربما يخصّص وريما لا يخصّص.
هذا كلّه في بحث حجية العام في الباقي.
دوان الأمر بين التخصيص والتخصص.
هذا البحث من الأبحاث التي يحتاج إليها الفقهي في مقام الاستنباط أحياناً كما يسوف نبيّن ولكن لم تسلط عليه الأضواء بشكلٍ واضح في كتبنا الأصولية ، لكنه موجود في الكفاية في مبحث العموم وقد ذكره الشيخ الآخوند(قده) ذيلاً ومرّ عليه مرّ الكرام ، ولكن كما قلت هو شيء مهم ، وحاصله:- إنه تارةً نقول ( أكرم كل عادل ) ثم بعد ذلك نقول ( لا تكرم زيداً ) وأنا لا أعلم لماذا حكم بعدم وجوب اكرام زيد ؟ فهل لأجل أنه عادل لكن رغم ذلك هو لا يريد اكرامه لأجل أنه متشدّد وعنده احتياطات زائدة أو بالعكس فهذا يصير تخصيصاً ، أو أنه قال ( لا تكرمه ) من باب أنَّ هذا الشخص ليس بعادلٍ فهو يريد أن يشهد ويقول إنَّ هذا الرجل ليس بعادلٍ فهذا الفرد يكون خروجه من العام بالتخصّص
وتظهر الثمرة بين كونه تخصيصاً وبين كونه تخصّصاً فيما إذا كان تخصّصاً ، يعني أنّ المولى شهد بأنَّ هذا ليس بعادلٍ فإذن لا تصح الصلاة خلفة لأني سوف اثبت آثار عدم العدالة , وأيضاً لا تقبل شهادته في باب القضاء وفي باب الطلاق .... وهكذا ، فإذن سوف تترتب آثار كثير ، ففي مثل هذه الحالة هل نتمكن أن نقول إنَّ الأصل هو العموم وعدم التخصيص لأنه كلّما شككنا في التخصيص وعدمه نبني على العموم وعدم التخصيص فإذا لم يكن تخصيصٌ فبالتالي سوف يثبت التخصّص.
إذن سوف يصير السؤال هو أنه هل يمكن أن نجري أصالة العموم - أي أصالة عدم التخصيص - لا ثبات التخصّص حتى نثبت حينئذٍ آثار التخصّص وهي أنَّ زيداً ليس بعادلٍ فلا نصلّي خلفه جماعة ولا نقبل شهادته ولا غير ذلك ؟
وأما المثال الشرعي:- فإنه توجد عندنا رواية مضمونها أنَّ كل ماء قليل ينجس بملاقاة النجاسة ، وهي رواية أبي جعفر الأحول عن الصادق عليه السلام نصّها:- ( ماء الاستنجاء لا بأس به ) ولكن ( لا بأس ) به من أيّ باب فهل من باب أنَّ الماء القليل لا يتنجّس أصلاً بملاقاة نجاسة البول والعذرة وبإلغاء الخصوصية يعمّ جميع النجاسات وحينئذٍ سوف يصير هذا الماء ليس بنجس ، وسوف يعارض تلك الروايات التي تدل على أنَّ الماء القليل يتنجّس ، أو انها تدل على أنه نجس ولكنه لا يمنع من صحّة الصلاة ، فهو لا يعارض تلك الرواية وإنما يخصص الروايات التي تقول لا تجوز الصلاة في الثوب النجس فنخصّصها ونقول ( إلا إذا كان التنجس في باب الاستنجاء ) ، فهذا تخصيص وليس تخصّصاً ، ففي مثل هذه الحالة هل يمكن أن نبني على أصالة عدم التخصيص في عموم كلّ ماء يتنجّس بملاقاة النجاسة حتى نثبت بأصالة عدم التخصيص فيما دل على أنَّ الآثار تترتب على المتنجّس ، فالأصل عدم التخصيص في دليل الآثار فيثبت بذلك التخصّص ، فأصلاً هذا الماء ليس بمتنجّس ، وهذه ثمرة كبيرة.