الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/06/22
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- العام والخاص.
الاشكال الثاني:- وهو للشيخ الأصفهاني أيضاًً ، وحاصل ما ذكره: إنه قال إنَّ للكلام المشتمل على العام ظهورين ظهور في أنه استعمل في العموم لأنه قال ( أكرم كل عالم ) ثم بعد ذلك منفصلاً أخرج غير العدول فالكلام الأوّل ( أكرم كل عالم ) ظاهر في أنَّ هذه الجملة قد استعملت في العموم ، والظهور الثاني أنَّ هذا الظهور في العموم مراد جداً - والفرق بين هذا وذاك هو أن ذاك نراد استعمالاً وهذا مراد جداً يعني الظهور لأول يقول إن ظاهر الكلام ان العموم مراد استعمالي وقد استعمل العام في جميع الأفراد أما هذا الظهور الثاني فنريد ان نقول إن ظاهر الكلام أن هذا الظهور في الاستعمال في الجميع هو مراد جدي لا أنه مراد استعمالي فقط - ، والجمع بين هذين الظهورين ليس بممكنٍ لأننا نعلم إنه قد خرج البعض بالمخصّص وهم غير العدول ولكن الأمر يدور بين احتمالين بين أن نحافظ على الظهور الأوّل يعني نتصرّف في الظهور الثاني ، والمقصود من المحافظة على الظهور الأوّل وقد قلنا الظهور الأوّل هو الظهور في الاستعمال في العموم ( يعني أكرم كل عالم ) قد استعمل في جميع العلماء فهذا الظهور نحافظ عليه فنقول هو مستعمل في العموم وليس في الباقي ولكن نتصرّف في الظهور الثاني فنقول لكن المراد الجدّي ليس هذا الظهور بجميع دائرة ومساحته - أي الظهور في الاستعمال في العموم - وإنما المراد الجدّي هو غير ما خرج بالمخصّص ، فإذن ابقينا الكلام مستعملاً كاستعمال في العموم ولكن ثلمنا الظهور في المراد الجدّي وبالتالي رفعنا اليد عن هذا الظهور بمقدار ما خرج بالمخصّص ، وهذا الاحتمال قد صار إليه الشيخ الخراساني(قده) لأنه كان يدّعي أنَّ الظهور الاستعمالي هو في العموم ولكن المراد الجدي ليس هو الجميع وإنما ما عدى الباقي يعني غير ما خرج بالمخصص هذا هو الذي أراده الشيخ الخراساني وهو احتمال ، ولكن يوجد احتمال ثانٍ وهو يضر بما أراده وهو أن نتصرّف في الظهور الاستعمالي مع المحافظة على الظهور في الارادة الجدّية ، يعني نقول إنَّ الكلام على مستوى الاستعمال بعد فرض ورود مخصص منفصل هو مستعمل في الباقي وليس مستعملاً في العموم ، وإذا صنعنا هكذا فسوف نحافظ على الظهور الثاني فإنَّ الظهور في الجدية يتلاءم مع هذا الظهور بهذا المقدار ، يعني بمقدار الظهور في الاستعمال في الباقي فإنَّ الارادة الجدّية لا تأبى ذلك بل تقبله.
إذن بناءً على هذا تصرفنا في الظهور الأوّل وحافظنا على الظهور الثاني ولكن هذا الاحتمال قلنا لا ينفع الشيخ الخراساني فهو يريده مستعملاً في العموم حتى يأخذ بالظهور في الاستعمال في العموم إلا فيما قام الدليل على الخلاف أما ما لم يقم الدليل فيه على الخلاف يكون حجّة من دون إشكال يتوجه إليه ، أما إذا أردنا أن نقول هو ليس مستعملاً في العموم كما على الاحتمال الثاني فهذا الاحتمال سوف لا ينفع الشيخ الخراساني(قده) بل يضرّه لأنه إذا لم يكن مستعملاً في العموم فهو مستعمل في الباقي فيأتي عليه الاشكال وهو أنَّ الباقي هل هو مفهوم الباقي أو هو واقع الباقي ؟ فإن كان المراد هو مفهوم الباقي يلزم المرادفة بين ( أكرم العالم ) وبين ( أكرم الباقي ) ، وإذا كان يقصد واقع الباقي فواقع الباقي لا حدَّ له ولا تعيين فإن ذلك لا يمكن ، فإذن سوف يواجه هذه المشكلة فلذلك هو كان يحاول أن يحافظ على الظهور الأوّل فيقول هو ظاهر في الاستعمال في العموم وحينئذٍ لا يأتي الاشكال ، وإذا كان مستعملاً في العموم فيتمسّك بهذا الظهور إلا إذا دلّ الدليل على الخلاف وقد دلّ الدليل على اخراج غير العدول فيبقى غير ذلك مشمولاً للحجية.
إذن هناك احتمالان الاحتمال الأوّل الذي هو في صالح الخراساني(قده) والاحتمال الثاني هو ضدّه ، وحيث لا مرجّح للأوّل على الثاني فيعود الكلام بذلك مجملاً .
يعني بتعبير آخر:- كأن الشيخ الأصفهاني(قده) يريد أن يقول للخراساني(قده) إنَّ هذه مجرّد دعوى بلا دليل ولكن في المقابل يوجد احتمال ثانٍ وهو أنه ليس مستعملاً في العموم وإنما هو مستعمل في الباقي ، ومع وجود احتمالين فما ذكرته لا يكون تاماً.
وفيه:- إنَّه ليس من البعيد أنَّ الشيخ الخراساني(قده) يدّعي الظهور فيما ذكره ، يعني أنَّ جملة ( أكرم كل عالم ) حتى بعد علمنا بورود المخصّص الذي قال ( لا تكرم غير العدول من العلماء ) هي تبقى ظاهرة في العموم - وقد قلت إنَّ هذا شيء ليس ببعيد فإنه حتى بعد علمنا بورود المخصص نفهم من ذلك الظهور في العموم - فتبقى كلمة ( اكرم كل عالم ) نفهم منها العموم ولكن أيَّ عموم ؟ هو العموم الاستعمالي ، يبقى قد تقول:- إنك تعلم أنه قد خصّص ؟! ، فأقول: إنَّ هذا على مستوى الواقع والارادة الجدّية هو خارج أما على مستوى الظهور فـ( أكرم كل عالم ) ظاهر في العموم ، وعبارة صاحب الكفاية(قده) قد تلمّح إلى ذلك ونصّها:- ( لا يقال هذا مجرّد احتمال ولا يرتفع به الاجمال لاحتمال الاستعمال في خصوص مرتبة من مراتبه فإنه يقال مجرد احتمال استعماله فيه لا يوجب اجماله بعد استقرار ظهوره في العموم والثابت من مزاحمته بالخاص إنما هو بحسب الحجية تحكيماً لما هو الأقوى )[1] ، والشاهد هو قوله ( بعد استقرار ظهوره في العموم ) فإذا قلنا هكذا فلا يتبقى القضية مجرّد احتمال فقط.
هذا مضافاً إلى أنه يمكن أن ذكر جواباً آخر وإن كان لم يذكره الشيخ الخراساني(قده) فنقول:- صحيح أنه يوجد احتمالان ولكن مادام المشكلة تنحل على الاحتمال الأوّل حتماً بينما لا تنحل على الاحتمال الثاني فيكون ذلك مرجّحاً للاحتمال الأوّل بعد فرض أنَّ السيرة العقلائية قد جرت على التمسّك بالعام المخصّص بلحاظ الباقي ، فإنَّ هذه السيرة ثابتة جزماً ولكن كيف توجهها ؟ إنه لا يمكن توجيهها والدفاع عنها إلا بالاحتمال الأوّل أما على الاحتمال الثاني سوف يبقى الاشكال لأنَّ هذا العام هو مستعمل في أي شيء فهل هو مستعمل في مفهوم الباقي ؟ وهو لا يمكن ، أو أنه مستعمل في واقع الباقي ؟ فواقع الباقي ليس له حدّ ، فمادام الاشكال لا ينحلّ على الاحتمال الثاني وينحلّ على الاحتمال الأوّل والمفروض أنَّ السيرة منعقدة على التمسّك بالعام بعد التخصيص فهذا بنفسه يصير شيئاً مرجّحاً للاحتمال الأوّل.
الاشكال الثالث:- ما ذكره السيد الشهيد(قده)[2] وحاصله:- إنَّ الشيخ الخراساني(قده) ادّعى أنَّ الظهور الجدّي ليس ظهوراً ترابطياً ، فالظهور في الارادة الجدّية بلحاظ فردٍ ليس مرتبطاً بالظهور في ارادة الفرد الثاني بنحو الارادة الجدّية بل هناك ظهورات بلحاظ كل فردٍ فرد وكل واحد ليس مرتبطاً بالثاني ، بخلاف الظهور الاستعمالي فإنَّ الظهور بلحاظ أفراده مترابط فإذا سقط وتصدّع الظهور الاستعمالي في العام بكامله فكل الظهورات بلحاظ الأفراد سوف تتصدع أيضاً لأنها متولدة من ذلك الظهور الواحد فإذا تصدّع ذلك الواحد تصدّعت جميع الظهورات الشخصية الأخرى ، بخلافه في الظهور في الارادة الجدّية فإنَّ كل فرد له ظهور مستقل ، يعني إذا كان الأفراد مائة فيوجد مائة ظهور فيكن حينئذٍ أن تسقط بعض الظهورات عن الحجية دون الظهورات الأخرى ، وهذه دعوى بلا مثبت فمن أين لك أنَّ الظهورات الجدّية هي ظهورات مستقلّة وليست مترابطة ؟!! بل الدليل قائم على العكس أي أنها مترابطة وليس استقلالية ، والدليل هو إنه لو فرضنا أنَّ المولى قال ( أكرم هؤلاء الأربعة ) ثم قال بعد ذلك ( لا تكرم زيداً ) الذي هو أحد الأربعة فهنا نرفض التخصيص ونقول لا يمكن التخصيص ، فلو كان الظهور الجدّي استقلالياً بلحاظ أفراده فلنقل بالتخصيص حينئذٍ فنقول هو مستعملٌ في الأربعة كإرادةٍ استعمالية ولكن يطرأ التخصيص بلحاظ الارادة الجدّية فنقول إنه على مستوى الارادة الجدّية لا يجب اكرام الرابع وإنما الذي يجب اكرامه هم الثلاثة والمفروض أنك تبني على أنَّ الظهورات الجدّية ليست ترابطية واستقلالية فلابد وأن تلتزم بجواز التخصيص في مثل هذا المثال.
ثم قال:- وقد عرضت هذا الاشكال على السيد الاستاذ(قده) حيث كان يرى رأي صاحب الكفاية(قده)
فقال:- نعم ألتزم بذلك فأقول يجوز التخصيص في هذا المثال.
ولكن السيد الشهيد(قده) فيما بعد يظهر أنه يقول:- سلّمنا أنه يجوز التخصيص في هذا المثال بإخراج واحدٍ ، ولكن لو كان بدل الأربعة اثنان فقال له ( أكرم هذين الشخصين ) ثم بعد ذلك جاء بالمخصّص وأخرج أحدهما فبناءً على أنَّ الظهور في الارادة الجدّية استقلالي فيلزم إمكان التخصيص هنا ، ومن البعيد أن يقبل السيد الخوئي(قده) بذلك.