الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/06/14
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مفهوم الوصف - المفاهيم.
المفهوم بنحو القضية الجزئية:- نحن فيما سبق ذكرنا أنه إذا قيل أكرم الرجل العالم مثلاً هذا ليس له مفهوم ، ولكن الآن نتراجع قليلاً ونقول: إنَّ المقصود من أنه ليس له مفهوم يعني لا يمكن أن نستفيد من هذا الكلام أنَّ كلّ غير عالمٍ لا يجب إكرامه ، فلو فرضنا أنَّ غير العالم عدده تسعة وتسعين فكلّهم لا يجب إكرامهم فنقول إنّه لا يوجد مفهوم بهذا الشكل ، وهذا لا نتراجع عنه ، كما أننا لا ننفي المفهوم بشكلٍ كلّي بحيث نقول يحتمل أنَّ الوجوب ثابت لكل غير ذلك الرجل العالم يعني لكل التسعة وتسعين رجلاً فإنَّ هذا باطل أيضاً ، إذ لو كان وجوب الاكرام ثابتاً للتسعة والتعسين فمن الأوّل قل ( أكرم الرجل ) ولا تقل ( أكرم الرجل العالم ) ؟!! فإذا كان كلّ التسعة والتسعين البقية من غير العلماء يجب إكرامهم فقل ( اكرم الرجل ) ، فإذن ذاك باطل وهذا باطل ، يعني أنَّ التقييد بالرجل لا يمكن أن نفهم منه أنَّ كل التسعة والتسعين لا يجب إكرامهم ، ودعنا نعبّر عنه بالمفهوم بنحو القضية الكلّية ، فإن الوصف ليس له قابلية المفهوم بهذا الشكل ، لكن في نفس الوقت أيضاً لا نسلب المفهوم من الأساس بحيث نقول من المحتمل أنَّ كل التسعة والتسعين البقية يجب إكرامهم فهذا أيضاً باطل ، إذ لو كان كل البقيّة يجب إكرامهم فلماذا قيّد بالعالم ، بل فليقل ( اكرم الرجل ) أو ( الرجال ) والتقييد بالعالم يصير لغواً.
إذن لابد وأن نقول يثبت بين بين ، يعني نفهم من التقييد بالعالم أنَّ بعض غير العالم لا يجب إكرامهم ، ودعنا نسمّيه بالمفهوم بنحو القضية الجزئية ، ولكن أيُّ بعضٍ ؟ إنه بعض غير معيّن ، وإنما نقول بهذا تحفظاً من محذور لغوية ذكر الوصف.
فالمناسب إذن أنَّ الوصف ليس له مفهوم لكن بنحو القضية الكلّية ، فهو بنحو القضية الكلّية ليس له مفهوم ولكن بنحو القضية الجزئية يكون له مفهوم.
وقد يقول قائل:- إنَّ هذا المفهوم بنحو القضية الجزئية ما فائدته فإنه لا يسمن ولا يغني من جوع ؟ لأنَّ المفهوم بنحو القضية الجزئية قلنا هو هكذا ( بعض أفراد غير العالم حتماً لا يجب إكرامه ) وإلا إذا كان الكلّ يجب إكرامه فيكون ذكر القيد لغواً ولكن ذلك البعض الذي لا يجب إكرامه حتماً ليس معيّن فيصير المفهوم بهذا المستوى وبهذه الدرجة لغواً ولا ينفعنا في شيء.
والجواب:- نقول إنَّ هناك بعض الثمرات ، فلو جاءتنا رواية وقالت ( يجب اكرام الناس العلماء ) ، ثم جاءت رواية ثانية وقالت ( كل إنسان يجب اكرامه ) فهل تحصل معارضة بينهما أو لا ؟ فإذا قلنا إنَّ الوصف لا مفهوم له أبداً فتحصل ملاءمة بين الأوّل والثاني ، لأنَّ الأول يقول ( يجب اكرام العلماء ) وغير العلماء ساكت عنهم فلعله أيضاً يجب اكرامهم كلهم ، فإذا جاء الدليل الثاني وقال ( يجب اكرام كل إنسان ) لا تحصل حينئذٍ معارضة.
أما إذا قلنا إنَّ له مفهوماً بنحو القضية الجزئية فسوف تحصل معارضة ، لأنَّ الأوّل الذي قيّد بالعلم حيث قيل ( يجب اكرام العالم ) نفهم منه القضية الجزئية بالمفهوم يعني بعض الناس غير العلماء لا يجب اكرامهم ، فحينما يأتي الدليل الثاني ويقول ( كل إنسان يجب اكرامه ) فسوف تصير معارضة حينئذٍ ، فالتفتوا إلى هذه الثمرة ، فنحن في الروايات نواجه مثل هذا النوع ، فلذلك المفهوم بنحو القضيّة الجزئية ينفعنا في بعض الموارد وذلك لإثبات المعارضة بين الروايات.
والخلاصة:- إنَّ الوصف وإن لم يكن له مفهوم إلا أنَّ المقصود أنه ليس له مفهوم بنحو القضية الكلّية ، أما المفهوم بنحو القضية الجزئية فثابتة له وإلا يلزم محذور اللغوية من ذكر قيد العالم ، فالتفت إلى هذه النكتة.
إن قلت:- إنه لا يلزم اللغوية إذا أنكرنا المفهوم بنحو القضية الكلّية وقلنا إنَّ غير العالم أيضاً يجب اكرامه بكلّ أفراده ، ببيان:- إنه من الممكن أن يوجد للمولى جعلان جعلٌ بوجوب الاكرام ثابت لعنوان العالم وجعلٌ آخر ثابت لغير العالم ، فهناك جعل ثانٍ يثبت وجوب الاكرام لكلّ شخصٍ غير عالم ، ومحذور اللغوية إنما يلزم لو فرض أنَّ الجعل كان واحداً هذا الجعل الواحد إذا فرض أنه يعمّ بحيث يجب اكرام كل إنسان حتى غير العالم بكلّ أفراده فالتقييد بالعالم يلزم منه محذور اللغوية ، أما إذا قلنا إنَّ هذا جعل يختصّ بالعالم وأنه يجب اكرامه وهناك وجوب ثانٍ يثبت وجوب الاكرام لعنوان غير العالم فلا يلزم حينئذٍ محذور اللغوية بعد فرض تعدد الجعل ، إنما يلزم محذور اللغوية لو فرض أنَّ الجعل كان واحداً.
قلت:- إنَّ هذا صحيح ووجيه إلا أنه احتمال دِقِّي لا عرفي ، لكن عرفاً لو فرض أنه كان يجب اكرام كلّ الناس فالإنسان العرفي ماذا يصنع ؟ إنه يجعل جعلاً واحداً ويصدر حكماً واحداً لا أنه يصدر حكمين حكمٌ بوجوب الاكرام للعالم وحكمٌ ثانٍ بوجوب الاكرام لجميع الأفراد من غير العالم ، بل نقول له أنت قل من البداية ( يجب اكرام كل إنسان ) ولا تقيّد بعالمٍ وغير عالم ، فإنَّ الانسان العرفي يفعل هكذا لا أنه يصدر جعلين ، والاحتمالات التي تبرزها هي احتمالات دقّية لا عرفية ، فإنَّ الانسان العرفي لا يُقبَل منه إصدار جعلين بل المناسب اصدار جعلٍ واحد.
إن قلت:- لعلّ التخصيص بالعالم هو لمزيد الاهتمام بالعالم وبيان فضلة فيخصّص له جعل مستقل أما بقيّة الناس فيجعلهم بجعلٍ آخر ، أو لكونه مورد السؤال أو غير ذلك ، فلعلّه توجد نكات أخرى أوجبت تعدد الجعلين فلماذا تقول إنَّ هذا احتمال دقّي وليس عرفياً بل هناك نكتة تستدعي تعدد الجعل ؟!
قلت:- إنَّ هذه النكات لو دل الدليل على ارادتها وقامت القرينة عليها بحيث فهم من الكلام أنَّ المقصود هو مزيد الاهتمام أو فهم أنه مورد السؤال أو غير ذلك فسوف نصير إليها ونقبلها ، أما إذا لم يوجد ما يرشد إلى هذه النكات وينبّه عليها فحينئذٍ لا يأخذ الانسان العرفي بهذه الاحتمالات ، فهذه احتمالات لا يصار إليها إذا لم تساعد عليها قرينة ، فهي احتمالات وجيهة ونأخذ بها فيما لو ساعدت عليها القرينة.