الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/06/13
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مفهوم الوصف - المفاهيم.
والجواب:- إنَّ ما ذكره الشيخ النائيني(قده) ناظر إلى عالم الثبوت بينما المفهوم من شؤون عالم الاثبات والدلالة ، فما ذكره النائيني(قده) لا ينفعنا في اثبات المفهوم بعدما كان نظره إلى عالم الثبوت والواقع ، بينما اقتناص المفهوم راجع إلى عالم الاثبات.
وبعبارة أخرى:- إنَّ الشيخ النائيني(قده) يريد أن يقول إنه بحسب الألفاظ والدلالة أنا لا أقول بأنَّ شرائط الأحكام موضوعات لها أو أنَّ موضوعات الأحكام شرائط لها ، فأنا ناظر إلى عالم الواقع يعني كلّ شرطٍ للحكم واقعاً لابد أن يكون هو موضوعاً وكلّ موضوع واقعاً لابد أن يكون هو شرطاً ، ولكن كل هذا كلام ثبوتيي واقعي ، أما بحسب الدلالة فهو يقول إنه بحسب الدلالة توجد موضوعات وتوجد شرائط ، والشرائط ما تكون مقترنة بأداة ( إن ) أو ( إذا ) ومن هذا القبيل من أدوات الشرط ، ففي عالم الدلالة توجد شروط ويوجد موضوع وليس هما واحد فإنهما واحد بلحاظ عالم الثبوت والمفهوم إنما نستفيده إذا رجع الشرط إثباتاًً إلى الحكم ولا يكفي رجوعه ثبوتاً ، كلا بل إذا رجع اثباتاً فهنا نفهم المفهوم ، ولذلك حينما تقول ( إذا جاءك زيد فأكرمه ) هنا نستفيد المفهوم لأنه توجد ( إذا ) فالمجيء اثباتاً صار راجعاً إلى جوب الاكرام فتقيّد الحكم اثباتاً ، أما لو أبدلنا ( إذا جاء ) وعبّرنا بالتعبير الواقعي وبلحاظ الواقع وألغيانا عالم الدلالة يعني قلنا هكذا ( زيدٌ الجائي يجب إكرامه - أو اكرمه - ) فحوّلنا ( إذا جاء ) إلى موضوعٍ فهنا هل نستفيد المفهوم من ( زيد الجائي ) ؟ كلا لا نستفيده ، إذ المفهوم ليس من شؤون عالم الواقع وإنما هو من شؤون عالم الدلالة ، فلابد وأن نلحظ بلحاظ عالم الدلالة هل يرجع الشرط إلى الحكم أو لا ، ولا يكفي رجوع الموضوع إلى الشرط أو إلى الحكم ثبوتاً ويكون قيداً له ثبوتاً ، وإنما المهم هو أن يكون التقييد تقييداً اثباتياً لا ثبوتياً.
إذن ما يمكن أن يستدل به على عدم ثبوت المفهوم للوصف هو ما أشرنا إليه من أنَّ الوصف عادةً يرجع إلى الموضوع ولا يرجع قيداً إلى الحكم والمفهوم يثبت فيما إذا رجع القيد إلى الحكم.
ويمكن أن نذكر وجهاً ثانياً لعدم ثبوت المفهوم للوصف:- وهو أنَّ شرط ثبوت المفهوم - كما تقدم - أن يكون المعلّق هو طبيعي الحكم لا شخص الحكم ، وعادةً في باب الوصف لا يمكن اثبات أنَّ الطبيعي هو المعلّق على الوصف وإنما يمكن ذلك في باب الشرط ، والنكتة الفارقة هي أنه في باب الوصف يوجد حكم يصدر وهو متقيّد فتقول ( أكرم الرجل العالم ) فهناك وجوب إكرام مرتبط بالرجل هذا الرجل المرتبط العالم ، فيوجد حكم متقيّد ومرتبط بالرجل العالم ، وهذا يمكن أن نقول هو ليس طبيعي الحكم وإنما هو شخصُ حكمٍ ملاكه الرجل العالم ، فلا يمكن أن نثبت أنَّ طبيعي الحكم بأيّ ملاكٍ هو مقيّد بالعالمية ، كلا وإنما هذا الحكم الواحد هو متقيّد بالعالم ، فلا يمكن اثبات أنَّ الحكم هو الطبيعي عادةً ، وهذا بخلافه في باب الشرط ، فإنه في باب الشرط توجد جملة للشرط وتوجد جملة للحكم فتوجد جملتان ، فـ( إذا جاء زيد ) جملة أولى ، وتوجد جملة ثانية وهي ( أكرمه ) ، فيمكن أن نقول حينئذٍ إنَّ المقصود من الجملة الثانية - التي هي ( فأكرمه ) - يعني أنَّ المقصود هو طبيعي الوجوب حيث لم يقيّده فالمستفاد هو الطبيعي ، فالوجوب صدر بجملة الثانية فيصير المقصود من الوجوب هو الطبيعي هذا الطبيعي معلّق على الجملة الأولى أي على الشرط أي على المجيء ، فأُنشِئ الطبيعي بجملة ( فأكرمه ) وعُلِّق على المجيء ، وهذا وجيه في باب الشرط حيث توجد جملتان ،
وهذا بخلافه في باب الوصف ، فإنه في باب الوصف توجد جملة واحدة لا جملتان وهي ( أكرم العالم ) ، فجلمة الحكم ليست منفصلة عن جملة الوصف حتى تقول إنَّ جملة الحكم تدل على الطبيعي ، كلا بل هو حكمٌ ارتبط بموضوعه فاستفادة الطبيعي يكون صعباً وأنَّ الطبيعي معلّق على الوصف فإنه لا يوجد شيء يدلّ الطبيعي ، لأنه لا توجد جملة مستقلّة حتى نقول هي تدل على الطبيعي وهذا الطبيعي معلّق على الوصف ، بخلافه في الشرط فإنه توجد جملة مستقلّة وهي ( فاكرمه ) فإنَّ هذه جملة مستقلة تدل على أصل وجوب الاكرام عُلِّقت على ( إذا جاء ) ، فهنا يوجد مجال لكون المعلّق في الجملة الشرطية هو الطبيعي - ولا أقول حتماً بل أقول يوجد مجال لذلك - ، فلابد أن نثبت أنَّ المعلَّق هو الطبيعي مادام هناك مجال ، أما في الجملة الوصفية فأصلاً لا يوجد مجال لإثبات أنه هو الطبيعي.
وأقول شيئاً آخر:- وهو أنه بناءً على ما قلناه من أنَّ الجملة الشرطية تدل على التوقّف فبنفس دلالتها على التوقّف هي تدل على أنَّ الحكم المعلّق هو الطبيعي ، لأنَّ التعليق لا يمكن إلا بلحاظ الطبيعي ولا معنى له إذا كان بلحاظ شخص الحكم ، وهذا بخلافه في الجملة الوصفية فإنها لا تدل على التعليق ، لأنه لا توجد فيها أداة شرط والذي يدل على التعليق هو أدوات الشرط ، فلا توجد أداة شرط حتى نستفيد التعليق كما في الجملة الشرطية ، هذا فارقٌ ثانٍ بين الجملة الوصفية والجملة الشرطية.
إذن اتضح من خلال هذا أنَّ الوصف لا مفهوم له ، وقد قلنا إنَّ الوجه الأساسي هو الوجدان العرفي ، فإنَّ العرف لا يشعر بالظهور وقد برّرناه هذا الوجدان العرفي بصياغتين فنّيتين ، الصياغة الأولى هي أن نقول إنَّ الوصف هو قيد للموضوع وليس قيداً للحكم ، والصياغة الثانية هي أنَّ شرط المفهوم أن يكون المعلّق هو الطبيعي وفي باب الشرط يوجد مجال لإثبات أنَّ المعلّق هو الطبيعي حيث إنَّ الوجوب يُنشَأ بجملة مستقلّة بخلافه في باب الوصف فإنه لا توجد جملتان جملة تدل على الحكم وجملة تدل على الوصف حتى نستفيد من جلمة الحكم أنَّ المقصود هو الطبيعي.