الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/06/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- التنبيه الثالث – تنبيهات – مفهوم الشرط - المفاهيم.

ثالثاً:- إنه حتى في الجملة الشرطية لا يتم فيها بعرضها العريض وإنما يتم في حصّة خاصة منها وهي ما إذا كان الجزاء في الشرطية جملة فعلية دون ما إذا كان الجزاء جملة اسمية ، لأنَّ الشرطية جزاؤها مرّة يكون جملة فعلية مثل ( إذا نمت فتوضأ ) ، فهنا الجزاء جملة فعلية وهي ( فتوضأ ) فهنا قد يقول قائل أنها ظاهرة في الحدوث عند الحدوث ، يعني إذا حدث النوم يحدث وجوباً جديداً ، ولكن إذا كان الجزاء في الجملة الشرطية جملةً أسمية كما لو قيل ( إذا نمت فالوضوء واجب ) لا أنه قيل ( فتوضأ ) لأنَّ ( فتوضأ ) فيه رائحة أنه جديد يعني أحدث وضوءً جديداً ، أما إذا قال ( فالوضوء واجب ) أو ( وجوب الوضوء ثابت ) فلا يتم هذا الكلام لأنَّ هذا ليس فيه ظهور في الحدوث ، فلو تم أنَّ الشرطة تدل على الحدوث عند الحدوث فهو يتم فيما إذا كانت الأطراف أفعالاً دون ما إذا كانت اسماءً.

رابعاً:- إنَّ هذا لو تم فهو يتم فيما إذا حدث الشرطان بنحو التعاقب ، كما لو فرض أنَّ الانسان نام وبعد أن استقض تحقق منه قضاء الحاجة ، أما إذا فرض أنَّ الشرطين أمكن تحققهما في آنٍ واحد ففي مثل هذه الحالة حينما يحدث الوجوب ولو كان وجوباً واحداً فبلحاظ كلّ واحدٍ منهما يصدق أنه وجوب جديد لم يسبق بوجوب سابق ، فالحدوث يصدق بلحاظ كليهما إذ بالتالي حدث وجوب لأنه لم يحدث الوجوب سابقاً لفرض أن الشرطان والسببان قد حصلا في آنٍ واحدٍ وبعد حصولهما في آنٍ واحدٍ فهذا الوجوب الثابت بلحاظهما معاً يصدق عليه عنوان الحدوث ، وإنما لا يصدق الحدوث فيما إذا كان هنا تقدّم وتأخّر فيما بين الشرطين ، فحينئذٍ إذا تحقق الشرط الأوّل أوّلاً وثبت وجوب الوضوء فإذا تحقق الشرط الثاني ولم يثبت وجوب جديد فلا يصدق حينئذٍ الحدوث ، أما إذا حدث هذا الوجوب عند تحقق الشرطين في آنٍ واحدٍ وتحقق معهما هذا الوجوب الواحد فيصدق عليه عنوان الحدوث بلحاظ كليهما.

البيان الثاني:- ما أفاده الشيخ النائيني(قده)[1] [2] وحاصله:- إنَّ ظاهر الشرطية هو حدوث جزاءٍ جديدٍ وأثرٍ جديدٍ غير ما يحدث من خلال تحقق الشرط في الشرطية الأخرى ، يعني الحدوث عند الحدوث كما قال الشيخ الخراساني - فإنَّ هذه مقدّمة مشتركة بينهما غاية الأمر قد تكون الألفاظ مختلفة - ، فظاهر كلّ شرطية أن ما يحدث بهذا الشرط يغاير ما يحدث بالشرط الآخر ، ولازم ذلك اجتماع وجوبين على الطبيعة الواحدة والشيء الواحد ، يعني أنَّ الوضوء سوف يجتمع عليه وجوبان ، وهنا يأتي العقل ويقول يستحيل اجتماع وجوبين على شيءٍ واحد ولكن حكم العقل هذا حكم تعليقي ، أما إذا ثبت بنحو الجزم وجود وجوبين فالعقل يقول آنذاك إذن المقصود هو تعلّق الوجوب الثاني بفردٍ ثانٍ وليس بمتعلقٍ وطبيعة واحدة وبالفرد الواحد وبذلك يصير هناك وجوبان غايته الوجوب الثاني يكون متعلّقاً بفردٍ ثانٍ.

وما هو الفارق بين ما ذ كره الشيخ الخراساني(قده) وبين ما ذكره الشيخ النائيني(قده) ؟

إنَّ الفارق:- هو أنه من ناحية الظهور الأوّل للشرطية يوجد اتفاق بينهما ، لكن نقطة الاختلاف بينهما هو أنَّ الشيخ الخراساني(قده) قال إنَّ وحدة المتعلّق نثبتها بالإطلاق ، ومع وجود ما يصلح للبيان لا ينعقد إطلاق ، فلا مانع من القول بأنَّ الوجوب الثاني متعلّق بالفرد الثاني إذ الاطلاق ومقدّمات الحكمة التي تثبت أنَّ المتعلق واحد تقف حينئذٍ لوجود ما يصلح للبيان ، فهو لم يدخل مسألة حكم العقل أصلاً وإنما لأجل ما أشرنا إليه من أنَّ المتعلق واحد حيث لم يقيَّد بالمرّة الثانية فتحصل المعارضة وحيث إنَّ الظهور الأوّل صالح لبيان إرادة الفرد الثاني يعني أنه يجب الوضوء بفرده الثاني فلا ينعقد اطلاق في وحدة الجزاء - متعلّق الجزاء - ، أما الشيخ النائيني(قده) ، فأوّلاً الظهور الأوّل الذي جعله هو ظهور الشرطية في الحدوث عند الحدوث وهو نفس ما ذكره الشيخ الخراساني(قده) ، ولكن الطرف الثاني المعارض جعله حكم العقل وليس الظهور فقال إنَّ العقل يمنع من اجتماع وجوبين على متعلّق واحد ، ولكن قال بعد ذلك إنَّ هذا حكمٌ تعليقي ، يعني أنَّ العقل يقول إنَّ هذا لا يمكن إذا فرض أنه لم يثبت جزماً وجود وجوبين أما إذا ثبت جزماً وجود وجوبين فيقول إذن هذا سوف يكشف أنَّ المقصود هو الوجوب الثاني ضمن فردٍ ثانٍ.

ويرد عليه:-

أوّلاً:- إنه قد جعل طرف المعارضة حكم العقل ولم يجعله ظهوراً ، ونحن نقول:- بل طرف المعارضة هو ظهورٌ وليس نفس حكم العقل ، وذلك الظهور الثاني المعارض هو الظهور في وحدة متعلّق الجزاء ودور العقل هو دور الحاكم بوجود المعارضة بين الظهورين لا أنه هو طرف للمعارضة في الظهور الأوّل ، فهو يقول إنَّ ظاهر الشرطية الحدوث عند الحدوث ، أو بتعبير الشيخ النائيني(قده) ( إنَّ ظاهر الشرطية هو حدوث وجوبٍ عند هذا الشرط غير الوجوب عند ذلك الشرط ) ، ومتعلّق الجزاء هو الوحدة حيث لم يقيّد بفردٍ آخر ، فيحصل من ذلك معارضة بني الظهورين ، فدور العقل هو دور الحاكم بتحقّق المعارضة بين هذين الظهورين لا أنّ نجعله طرفاً للمعارضة مع الظهور الثاني ، فالشيخ النائيني(قده) ذكر شيئاً مرفوضاً أشدّ الرفض فنّياً.

ثانياً:- يرد عليه ما أشرنا إليه سابقاً من أنَّ ظاهر الشرطية ليس هو الحدوث عند الحدوث بحيث أنه عند حدوث شرط جديد يحدث وجوب جديد ، كلا وإنما ظاهرها الثبوت عند الثبوت ، نعم نعترف بأنَّ ظاهر كل شرطية أنه لو تحقق الشرط كفى وحده لتحقّق الجزاء - يعني وجوب الوضوء - بلا حاجة إلى ضمّ الشرط الثاني لأنَّ المتكلّم لم يقل ( إذا نمت وقضيت الحاجة ) وإنما قال ( إذا نمت ) وسكت ، فإذن هذا ظاهره أنَّ كلّ واحدٍ هو شرط مستقلّ بنفسه لا جزء السبب - أي لا جزء الشرط - ، فصحيحٌ أنَّ كل واحد إذا تحقق يكون هو السبب الكامل والشرط الكامل والعلّة التامة ، أما لو اجتمعا فهل هناك ظهور نثبت من خلاله أنَّ كل واحد يحدث وجوباً مغايراً للوجوب الثاني ؟! إنَّ هذا الظهور لا نسلمّه فإنه لا مثبت له ، فنحن نسلّم أنَّ ظاهر كلّ شرط له قابلية على أنه يكفي لتحقق الجزاء وحده حيث لم يعطف بـ( الواو ) أما أنه لو اجتمعا يحدث بذلك وجوبان لا وجوباً واحداً فليس في الشرطية ظهور في ذلك أنَّ كل وجوب يحدث وجوبً مغايراً للوجوب الآخر حتى لو اجتمعا نعم لو افترقا كل واحد يحدث وجوباً فهذا لو تحقق وحده يحدث وجوباً وذاك لو تحقّق وحده يحدث وجوباً ، أما أنه لو اجتمعاً فكل واحدٍ يحدث وجوباً غير وجوب الآخر فلا ظهور للشرطية في ذلك ، فإذن لا مثبت لتعدّد حصول الوجوب.


[1] فوائد الأصول، الآخوند الخراساني، ج1، ص493.
[2] فوائد الأصول، الآخوند الخراساني، ج1، ص497.