الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/05/20
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: مفهوم الشرط – المفاهيم.
ومن خلال هذا يتضح أنَّ العلّية الانحصارية مع التوقف هما شيء واحد ، فمتى ما سلمنا أنَّ الشرطية موضوعة للتوقف يعني موضوعة لحالة العلّية الانحصارية ، فمن سلّم بأحدهما يلزم أن يسلّم بالآخر ، لا أنه يسلّم بأنها موضوعة للتوقف ولكن ليست موضوعة للعلّية الانحصارية ، كلا بل العلّية الانحصارية والتوقف هما شيء واحد فإذا كانت العلّة منحصرة صدق التوقف وإذا صدق التوقف فهذا معناه أنَّ العلّة منحصرة ، نعم هناك فارق واحد بينهما وهو أنَّ التوقف ينحصر مستنده واستفادته من التبادر فالتبار هو الذي يكون دليلاً على ذلك ، وهذا بخلاف العلّية الانحصارية فإنَّ مدركها لا ينحصر بدعوى الوضع والتبادر وإنما ربما نستفيد العلّية الانحصارية من خلال مقدّمات الحكمة ببيانات ستأتي إن شاء الله تعالى ، من قبيل أنه لو كانت هناك علّة أخرى لذكرها المتكلّم ولعطف بكلمة ( أو ) ، فإذن العلية الانحصارية يمكن اثباتها مرّة بالوضع المنكشف بالتبادر ومرّة من طريق مقدّمات الحكمة ، وهذا بخلاف التوقّف فإنَّ مدرك استكشافه ينحصر بالتبادر يعني بعبارة أخرى بالوضع وإلا فلا يوجد طريق آخر لإثباته ، هذه قضية فارقة في وسيلة الاثبات ، ولكن نبقى نكرر ونقول إنَّ من ادعى الوضع للتوقف لابد أن يدّعي الوضع للعلّية الانحصارية وهكذا بالعكس فمن ادّعى الوضع للعلّية الانحصارية لابد أن يدّعي التوقف ولا يمكن التفكيك بينهما من هذه الناحية.
وبهذا اتضح أنَّ التقريب الأوّل والثاني كلاهما تام ، يعني العلّية الانحصارية ثابتة وهذا التوقف ثابت بشهادة التبادر.
كلام للشيخ الاصفهاني[1] [2] يرتبط بالتقريب الثاني:- ذكر الشيخ الأصفهاني(قده) أنَّ من الوجيه أن يدّعى أنَّ أداة الشرط موضوعة لفرض والتقدير ، يعني حينما تقول ( إن جاءك زيد فأكرمه ) يعني إن فرض المجيء يلزم أن يفرض وجوب الاكرام فعند فرض المجيء يلزم فرض وجوب الاكرام ، وإن قُدِّر هذا قُدِّر ذاك ، فهي عنده موضوعة للفرض والتقدير.
وبناءً على هذا قد يقول قائل:- إذن هي على رأي الأصفهاني(قده) ليست موضوعة للتوقف وإنما هي موضوعة للفرض والتقدير ، فمن سلّم بمقالة الأصفهاني والتي هي وجدانية يعني ( إن ) الشرطية و ( إذا ) الشرطية نستفيد منها هذا المعنى ، فلو قيل ( إذا جاءك زيد فأكرمه ) نستفيد أنه لو فرض هذا يلزم فرض ذاك ، فهذا الفرض والتقدير وجداني ، فبناءً على مقالة الأصفهاني التي هي وجدانية قد يقول قائل هي ليست موضوعة للتوقف وإنما هي موضوعة للفرض والتقدير ، فإذن كيف نلائم بين وجدانية ذاك ووجدانية هذا فإنه سوف تصير منافرة بين الوجدانين لأنها بالوجدان موضوعة للفرض والتقدير وبالوجدان أيضاً موضوعة للتوقّف – ومقصودي من الوجدان يعني المنكشف بالتبادر - فكيف تصير ملاءمة بين الوجدانين ؟
والجواب:- إما أن نقول نحن نستفيد التوقف من فاء الجواب لأنَّ ( إن ) الشرطية و ( إذا ) الشرطية عادةً تحتاج إلى فاء في الجواب فـ( إذا جاءك فأكرمه ) من الفاء نستفيد التوقف وأنَّ هذا الجزاء موقوف على الأوّل فإنَّ الشرطية تفيد الفرض والتقدير والفاء الواقعة في الجزاء تفيد التوقّف.
أو نقول:- إنَّ أداة الشرط تدل عليهما معاً ولا توجد مانعة جمع بينهما ، فنقول إنَّ الشرطية موضوعة للفرض بنحو التوقف ولا مشكلة في هذا ، يعني وكأن المقصود هو أنها موضوعة لإفادة هذا المعنى ( يتوقف فرض الجزاء على فرض الشرط ) فصار فرض الجزاء موقوفاً على فرض الشرط فإنَّ الشرطية موضوعة لإفادة المعنيين لكن لا بنحو كلّ واحدٍ معناه الخاص حتى تقول هذا صار من الوضع لمعنيين ، كلا بل هذا معنى واحد ولكن المعنى الواحد له ألوان مختلفة ، فهي موضوعة للفرض والتوقف ، ففرض الجزاء يعني وجوب الاكرام موقوف على فرض تحقق الشرط فإنَّ الشرطية موضوعة للفرض بهذا المعنى وبهذا الشكل ، فإذن المسألة لا مشكلة فيها من هذه الناحية.
التقريب الثالث:- وهو ما ذكره السيد البروجردي(قده)[3] وحاصله يقال:- إنَّ ظاهر الشرطية أنَّ الشرط بعنوانه وبما هو هو شرط للجزاء ، ولازم ذلك عدم وجود شرط آخر ، إذ لو كان هناك شرط آخر لصار الشرط هو الجامع وليس هو المجيء بعنوانه بما هو مجيء وإنما بجامعه.
وبكلمة أخرى:- إنه قال يوجد عندي طريق وهو أنَّ الظاهر من قولك مثلاً ( إذا جاءك زيد فأكرمه ) أنَّ المجيء بعنوانه بما هو مجيء هو شرط لوجوب الاكرام وليس بجامعه ، فلو كانت هناك علَّة أخرى أو بعبارة أخرى كان هناك شرط آخر لكان المؤثر هو المجيء لا بما هو مجيء بعنوانه بل بما هو بالجامع أي بلحاظ جامعة يعني ذاك الذي يصير هو المؤثر يعني المجيء أو كونه هاشمياً مثلاً ، فالجامع هو الذي يصير مؤثراً والحال أنا نفهم من الشرطية أنَّ المجيء بما هو مجيء بعنوانه شرط فيثبت بذلك العلّية الانحصارية.
وفيه:- إن كان يقصد أنَّ هذا الظهور موجود وثابت - يعني الظهور في أنَّ المجيء بما هو هو شرط - من جهة أنَّ المتكلّم لم يعبّر بكلمة ( أو ) يعني لم يقل ( إذا جاءك أو كان فقيراً فأكرمه ) فيتولّد ظهور بأنَّ المجيء بما هو مجيء هو المؤثر وهو الشرط فهذا تمسّك بالاطلاق المقامي ، وهو شيء وجيه كما سيأتي ، فإذا ثبت أنَّ المتكلم في مقام بيان كل الشروط فإذا اقتصر على ذكر المجيء ولم يذكر شرطاً آخر فهنا يتولّد ظهور في أنَّ تمام الشرط هو المجيء ولا شرط آخر ، ولكن هذا تمسّك بالاطلاق المقامي ولا شيء وراءه ، فأنت قل إنَّ مقتضى الاطلاق المقامي ذلك ، ونفس صاحب الكفاية(قده) قد ذكر هذا وسيأتي بيانه والتعليق عليه إن شاء الله تعالى ، وأما إذا كان يقصد أنَّ هذا الظهور ثابت بقطع النظر عن الاطلاق المقامي ، يعني أنَّ هذا الظهور ثابت بقطع النظر عن التعبير بـ( أو ) فليس لأجل أنه لم يعبّر بـ( أو ) تولّد هذا الظهور بل بقطع النظر عن التعبير بـ( أو ) فأصلاً لا تنظر إلى ذاك بل يتولّد ظهور في أنَّ المجيء بما هو هو له المدخلية ، يعني بقطع النظر عن الاطلاق المقامي وبقطع النظر عن التعبير بكلمة ( أو ) يتولد ظهور ، فإذا كان يقصد هذا فلا نسلّم ذلك فإنه لا يوجد ظهور بأنَّ هذا بما هو هو مؤثر ، ولذلك لو فرض أنه كان هناك شرط آخر فماذا يصنع المتكلم حينئذٍ ؟ يعني لو كان الفقر أيضاً علّة لوجوب للإكرام فكيف يعبّر ؟ إنه يعبّر ويقول ( إذا جاءك زيد أو كان فقيراً فأكرمه ) فيحصل حينئذٍ تنافٍ وتضارب بين الظهورين لأنَّ ظهور ( إذا جاءك ) ظاهر بأنَّ المجيء وحده هو الشرط وله المدخلية الكاملة دون غيره ، وحينما قال ( أو كان فقيراً ) له ظهور في أنه هو وحده وبعنوانه هو الذي له مدخلية ، وسوف يصير تضارب بين الظهورين ، إلا اللهم إلا أن يجيب السيد البروجردي(قده) ويقول: حيث إنه ذكر كلمة ( أو ) فيرتفع هذا التصادم وهذا الظهور.
فإذن صار المنشأ في الحقيقة للظهور هو عدم ذكر كلمة ( أو ) ، فعدم ذكر كلمة ( أو ) هو الذي يولد ظهوراً في أنَّ المجيء بما هو هو شرط ، فعدنا في الحقيقة إلى التمسّك بالاطلاق المقامي وسيأتي التعليق عليه.