الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/05/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الجملة الشرطية – مفهوم الشرط.

التقريب الثاني:- ما ذهب إليه السيد الشهيد(قده)[1] ، وحاصله:- إنَّ الشرطية موضوعة للتوقّف ، فحينما يقال ( إذا جاءك زيد فاكرمه ) فالمتبادر إلى الذهن هو أنَّ وجوب الاكرام موقوف على المجيء ، ولازم كونه موقوفاً على المجيء هو أنه لو انتفى المجيء فلا يجب الاكرام حتى لو كان فقيراً أو هاشمياً أو مريضاً أو غير ذلك ، فهي موضوعة للتوقّف ، والدليل عل كونها موضوعة للتوقّف هو التبادر ، فإنه يتبادر إلى ذهننا من كل جملة شرطية التوقّف.

ثم ذكر أنه كيف نفسّر الموارد التي تستعمل فيها الشرطية من دون أن يكون المفهوم لها ثابتاً من قبيل ( إذا شربت السمّ تمت ) فإنَّ الموت ليس متوقفاً على شرب السمّ بل قد يحصل الموت بغير السمّ فإنَّ اساب الموت كثيرة ولا تنحصر بشرب السم ، فهنا يلزم أنّ تكون الجملة الشرطية ليست مستعملة في التوقّف والحال أننا لا نشعر بالمجازية والعناية والمسامحة رغم عدم استعمالها في التوقّف وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أنَّ الشرطية ليست موضوعة للتوقّف ، إذ لو كانت موضوعة له يلزم أن يكون استعمالها في هذا المورد عناية ومسامحة والحال أنا لا نشعر بذلك.

هذا إشكال يتوجه إلى السيد الشهيد(قده) ، يعني كما يرد هذا الاشكال على القائل بالعلّية الانحصارية أيضاً يأتي على القائل بكونها موضوعة للتوقّف ، فكيف يتخلص منه ؟

أجاب وقال:- يمكن التخلّص منه بأن نقول هي مستعملة في التوقّف ولذلك لا نشعر بالمجازية والمسامحة ولكن المفهوم لم يثبت رغم استعمالها في التوقّف من باب أنَّ طرف التوقّف هو شخص الحكم لا سنخ الحكم ، يعني من باب اختلال الركن الثاني ، فهي مستعملة في التوقّف لكن في توقّف شخص الحكم لا في توقف طبيعي الحكم وشرط ثبوت الحكم أن يكون الجزاء هو طبيعي الحكم وهنا ليس المتوقف ليس طبيعي الحكم فلذلك لم يثبت المفهوم ، فإذن جمعنا بين المطلبين بين أن يكون استعمالها حقيقي يعني مستعملة في التوقّف من دون لزوم المجازية وفي نفس الوقت لا مفهوم لها ، ووجه الجمع هو أنَّ طرف التوقّف ليس هو طبيعي الحكم بل هو شخص الحكم فلذلك لم يثبت المفهوم.

ويمكن أن يعلّق على ما أفاده ويقال:-

أوّلاً:- إنه(قده) في التقريب السابق وافق صاحب الكفاية(قده) من أنَّ الجملة الشرطية ليست موضوعة للعلّية الانحصارية والآن يقول هي موضوعة للتوقّف ، ولعل هذا شيء يشتمل على التنافي ، فإنها إذا لم تكن موضوعة للعلّية الانحصارية يعني أنها ليست موضوعة للتوقف ، فإنَّ التوقّف عبارة أخرى عن العلّية الانحصارية ولا يمكن أن نتصوّر حصول التوقّف من دون أن يكون الشرط علّة منحصرة ، فكيف يتوقّف الجزاء على الشرط مع أن الشرط ليس علّة منحصرة ؟! فالقول بأنَّ التوقف موجودٌ من دون أن يكون الشرط علّة منحصرة متنافيان ، فإذا سلّم أنها موضوعة للتوقّف يلزم أن يعترف بأنها موضوعة للعلية الانحصارية ، وإذا قال ليست موضوعة للعلية الانحصارية فيلزم أن يقول هي ليست موضوعة للتوقّف ، ولا يمكن أن نعترف بواحدٍ وننكر الثاني فإنهما متلازمان ولا يمكن أن يتحقّق أحدهما من دون تحقق الآخر.

ثانياً:- إنه ذكر أنه يمكن أن نقول هي موضوعة للتوقّف ولكن في مورد عدم ثبوت المفهوم ندّعي أنَّ الجزاء هو شخص الحكم وليس هو الطبيعي وبذلك يحصل التلاؤم بين الاستعمال في التوقّف وبين عدم ثبوت المفهوم ، ونحن نقول:- إنَّ المتبادر من الشرطية هو التوقّف بالمعنى الوسيع لا بالمعنى الضيق ، يعني إنَّ الذي يتبادر إلى ذهننا هو أنَّ وجوب الاكرام يتوقّف على المجيء بحيث إذا لم يتحقّق المجيء فلا وجوب للإكرام من أي جهةٍ ولا يجب أبداً ، فالتوقّف المتبادر إلى ذهننا من الشرطية هو التوقّف الوسيع بهذا الشكل ، فإذا سلّمناه بهذا فهذا يعني أنَّ الموقوف على المجيء هو طبيعي الحكم لا شخصه.

وبتعبيرٍ آخر:- إنَّ دعوى أنَّ الجزاء والمعلّق هو شخص الحكم فهذا معناه أنه ليس هناك توقّفاً ، فإذا سلّمت بالتوقّف بالمعنى المتبادر الوسيع يلزم أن تقول بأنَّ الجزاء هو طبيعي الحكم دون شخصه.

 


[1] الحلقة الثالثة، اسيد الشهيد، ج1 ص172، 173.